خلق الإنسان على صورة الله ومثاله

مقدمة: 
تمثل عقيدة "خلق الإنسان على صورة الله ومثاله"
 بُعدًا أساسيًا وجوهريًا في التعاطى مع موضوع الإنسان وغاية وجوده. فلا يمكن أن يكون هناك إجابة على التساؤل عن غاية الإنسان وهدف وجوده إلاّ إذا وضعنا أمامنا هذه الحقيقة الكتابية والإيمانية بأن الإنسان قد خُلق على صورة الله ومثاله[1].
 ولقد حاول الكثير من آباء الكنيسة المعلمين تفسير آية سفر التكوين هذه ليس فقط في حديثهم عن ماهية الإنسان (Anqrwpologίa)  بل وأيضًا في سياق حديثهم عن سر التدبير الإلهى (qe…a o…konomia)  أى ما فعله الله منذ أن خلق الإنسان حتى تم فداؤه. 
ولم يكتف الآباء بإيضاح هذه الحقيقة بل عملوا على شرح كل ما تعنيه هذه العقيدة حتى وإن كانوا لم يتفقوا على تحديد صفة واحدة بعينها في الإنسان لتعبر عن أنه مخلوق على صورة الله ومثاله. 
ومنذ وقت مبكر كان من الأمور المُسلم بها
 أن الصورة تقوم على الاتصال بالأصل، وبما أن الله حال حلولاً مباشرًا في أعماله فإن الصورة الإلهية تعنى أولاً أن الإنسان يكون له صلة وجودية مع الله من عمق قلبه وصميم كيانه لأننا مخلوقين للدخول في شركة مع الله لكى نشترك في الحياة الإلهية.
وكما يقول القديس أثناسيوس بأن الله
" لم يكتف بخلق الإنسان مثل باقى الكائنات غير العاقلة على الأرض، بل خلقهم على صورته وأعطاهم شركة في قوة كلمته حتى يستطيعوا بطريقة ما، ولهم بعض من ظل (الكلمة) وقد صاروا عقلاء أن يبقوا في سعادة ويحيوا الحياة الحقيقية حياة القديسين في الفردوس" [2].
 غير أن الصورة الإلهية ترتبط بصفات إنسانية محددة مثل العقل والعقلانية والحرية والقدرة على إدراك الحقائق الروحية والتمسك بالفضائل مثل الصلاح والحكمة والعدل والرأفة والمحبة.
 ويرتبط بهذا كله ما قد أُعطى للإنسان من أن يكون "متسلطًا" ليس فقط على شهواته أى على تلك النزعات الحيوانية في داخله بل أيضًا التسلط على الأرض وبقية الكائنات الحية. كما أننا يمكن أن نعبر أن ما "يبدع" فيه الإنسان هو صورة لما نراه من "إبداع" الله الخالق. 
كل هذا يعنى أن الصورة الإلهية في الإنسان هى متعددة ولا يمكن حصرها في صفة واحدة بعينها وبالتالى كما يقول القديس غريغوريوس النيسى
 أن الإنسان يعكس صورة الله غير المدرك[3].
 "وكثير من الآباء الشرقيين ـ وإن لم يكن كلهم ـ يميز بين:
على "صورة" الله وعلى "مثال الله".
 فالصورة بالنسبة لأولئك الذين يميزون بين اللفظين تدل على "إمكانية" الإنسان على الحياة في الله و"المثال" يدل على تحقيقه لهذه القدرة أو الإمكانية. الصورة هى كل ما يمتلكه الإنسان منذ البداية والتي تمكنه من أن يضع خطاه في المحل الأول على الطريق الروحى. أما الشبه فهو ما يرجوا أن يصل إليه في نهاية رحلته...
 وبحسب القديس إيريناؤس فإن الإنسان في بدء خلقته كان "مثل طفل صغير" واحتاج أن "ينمو" إلى كماله. بعبارة أخرى فإن الإنسان في بدء خلقته كان بريئًا وقادرًا على التطور روحيًا (الصورة) لكن هذا التطور لم يكن حتميًا أو أوتوماتيكيًا،
 دُعى الإنسان للتعاون مع نعمة الله. هكذا من خلال الاستخدام الصحيح لإرادته الحرة فإنه ببطء وتدريجيًا يمكن أن يصير كاملاً في الله (الشبه أو المثال). ويُظهر هذا الأمر كيف يمكن لمفهوم الإنسان كمخلوق "على صورة الله" أن يُفسر بالأحرى بمعنى ديناميكى متحرك لا استاتيكى ساكن. وهذا لا يعنى بالضرورة أن الإنسان قد وهبه (الله) منذ البداية كمالاً محققًا بالكامل وأعلى قداسة ومعرفة ممكنة، بل إنه ببساطة قد أُعطى الفرصة لينمو إلى شركة كاملة مع الله" [4].
 هذه الشركة التي هى غاية الإنسان وهدف وجوده. 
العِلَّة والغاية من خلق الإنسان 
عند القديس كيرلس عمود الدين: 
سوف نبحث هنا تعاليم كيرلس عن الإنسان وبشكل خاص عن خلق الإنسان، وحالته الأصلية، وصورة الله في الإنسان. 
ويجب أن نذكر أولاً أن مسألة خلق الإنسان في تعاليم ق. كيرلس يجب أن تُدرَس ضمن تعاليمه عن قضية الخلق وذلك من ناحيتين: 
الخلق فيما يتعلق بالله كخالق،
 والخلق فيما يتعلق بالإنسان كمخلوق.
 وفي مسألة خلق الإنسان نرى ثلاثة مراحل:
 خطة الله الأزلية لخلق الإنسان، وفعل الخلق، ونتيجة الخلق. 
فخلق الإنسان بحسب القديس كيرلس هو فعل من إرادة الله الحرة. "إرادة الله كانت كافية لخلق كل شئ". الله خلق الإنسان لأنه أراد ذلك وليس لأنه كان مضطرًا. "الله حر وليس مقيدًا لشئ".
 لهذا السبب يشدّد القديس كيرلس على حقيقة أن "الله كائن فوق كل احتياج". الله لا يمكن التحكم فيه من أي ضرورة خارجية حتى لو كانت هذه الضرورة تتفق مع إرادته، لأنه إن فرضنا ذلك سيكون هناك شيء خارجي أعلى وأقوى من الله. 
إذن فعبارة "إرادة الله فقط كانت كافية لخلق كل شئ" يُفهم منها: 
* أن إرادة الله هي المصدر الوحيد للخلق. 
* وأن إرادته كانت كافية للخلق. 
وعليه فخلق الإنسان هو نتاج إرادة الله الحرة ومحبته وقصده، وفعله الحر. وفي فقرة واحدة ـ على الأقل ـ يتكلّم ق. كيرلس عن نوع من الالتزام من جهة الله نحو خلق الإنسان. بما أن الله صالح أو بالأحرى هو الصلاح ذاته
 "كان من الضروري أن تمتلئ الأرض بالخليقة العاقلة التي تَقدِر أن تمجده". وهنا يتكلّم القديس كيرلس عن التزام أدبي لله، هو خلق الإنسان لأنه أراد ذلك، وليس لأنه كان غير ممكن أن يفعل غير ذلك. لقد أراد الله أن يخلق كائنات أخرى لكي تشترك في سعادته وغبطته ومجده. 
بما أن خلق الإنسان هو فعل من إرادة الله، فلا يكون الخلق عملية ضرورية للطبيعة الإلهية، ولا فيض من جوهر الله. "الله الآب لم يخلقنا من طبيعته الخاصة". وعليه فالإنسان ليس هو من جوهر الله بل هو ابن الله بالتبنى. 
وفي حديثه عن الخلق "من العدم"، لا يفهم القديس كيرلس الخلق كإنتاج من العدم، كأن هذا العدم مادة شكَّل الله منها العالم المخلوق والإنسان. لكن الخلق من العدم عند ق. كيرلس ـ كمثل جميع الآباء ـ يعنى أنه خلق بدون استخدام أي مادة سابقة. فيقول: 
"المادة لم تكن شريكة مع الله في الأزلية، ولا غير مولودة مثل الله، ولا شاركت الله الأزلي في الوجود، نظراً لأنها جُلبَّت ذات مرة للوجود، أما الله فكائن على الدوام. ولا المادة المتغيرة كانت مشابهة لله غير المتغير والثابت على الدوام، ولا القابلة للفساد كانت مشابهة لله الغير قابل للفساد، لكن العالم المادي جُلِبَّ من اللا وجود إلى الوجود وفقاً لإرادة الله. مرة أخرى نحن لا نقول أن الله شَكَّل العالم من مادة سابقة، بل بقدرته الإلهية جَلبَ إلى الوجود ما لم يكن موجوداً بتاتاً قبلاً". 
أما عن الكيفية التي خلق الله بها العالم والإنسان خاصةً فهذه تبقى مسألة مخفية، لذلك يجب أن تُقبَل بالإيمان. فيقول:
 "الكتاب المقدس يقول أن الله خلق الإنسان، لذلك هذه حقيقة وفوق أي شك، ونقبلها بالإيمان، لكن كيف، من أين، من ماذا خلق الله العالم، السماء والأرض وكل الخليقة؟ - ليس هناك ضرورة من مناقشتها – فما يقوله الكتاب المقدس بغير وضوح كثير، ينبغي أن يُقبَل في صمت". 
فى كل ما سبق يتكلّم القديس كيرلس عن عِلة خلق الإنسان، إلا أنه يشير إلى هدف نهائي لخلق الإنسان، لأننا لا نستطيع أن نفصل كلاً من النقطتين: أى عِلة خلق الإنسان عن الغاية من خلقه. 
فبما أن الإنسان خُلق بإرادة الله الحرة وليس كمسألة قَدَرية، إذن فمن الضروري أن نفكر في غاية خلق الإنسان. الله بكل تأكيد هو كائن عاقل وأعماله مستحيل أن تكون غير عاقلة. وعليه فقضية نهاية أو غاية العالم، وبناءً عليه غاية الإنسان أيضًا، يجب أن تُفهَم ضمنيًا حسب الإيمان المسيحي بشكل مباشر في إطار محبة الله وحكمته. فالعالم والإنسان لهما نصيبًا في محبة الله وحكمته. 
ولهذا السبب يقدم ق. كيرلس في كتاباته غاية وقَصد خاص لخلق الإنسان، هذه الغاية يجب أن تكون بلا شك أفضل الغايات، غاية جديرة بالله وهى الأفضل لسعادة الإنسان.
" نحن قد خُلِقنا من أجل أن نوقره وحده ونُقدِّم له ترانيم حَمدَنا". يجد القديس كيرلس الهدف الخاص لخلق الإنسان في الله ذاته، في مجده، في تعظيم اسمه وصفاته المميزة. 
فإن كانت غاية الإنسان خارج الله، لكان يبدو الله كمعتمد على غيره، لكن الله في كماله مستحق لكل تعظيم، وحيث إنه لا يوجد شئ أعظم من الله نستطيع أن نجد بسهولة غاية الخلق، ليس في الخليقة بل في الله. 
الإنسان يَخُّص الله، لذلك فغايته توجد في بقائه أمينًا لخالقه، في كونه متآلفًا مع إلهه، وفي تعظيمه لاسم الله. ويتكلّم القديس كيرلس عن الإنسان بتعبير أنه مخلوق ويفهم العلاقة بين الله والإنسان كعلاقة بين الخالق والمخلوق.
 "العالم هو ملك الله لأنه قد خُلِق بالله". وعندما يتكلّم ق. كيرلس عن دور الإنسان فإنه يجد غاية الإنسان تكمن في تمجيد الله. 
من ناحية أخرى، الله ليس لديه احتياج لشيء، وبالتالي لا يحتاج لأي تمجيد من خارج، من أي خليقة. هو إله المجد بذاته.
 الإنسان في تمجيده لله لا يضيف أي مجد أكثر أو أية غبطة أكثر للخالق، لأن الله هو السعادة ذاتها. الإنسان يُمَجِّد الله في وعي لما يفعل لأنه كائن عاقل، فهو خُلق بطريقة خاصة ومختلفة عن جميع الخلائق ولذلك كرَّمهُ الله بطريقة خاصة، إذ خلقه على صورته ومثاله. 
أخيراً، تمجيد الله عند القديس كيرلس يُحسَّب كغاية للخليقة كلها. الله يُمَجَّد بواسطة جميع خلائقه. الإنسان وجميع الخليقة يُظهرون مجد الله لأنهم يُعلنون تحقيق إرادة الله ومشيئته الكاملة، وحكمته، وقدرته، ومحبته. فمجد الله يتجلى من تلقاء ذاته في الخليقة. 
بجانب هذه السمة الموضوعية لتمجيد الله، يضيف الإنسان كخليقة عاقلة رغبته في تمجيد شخصي لله. الإنسان يفعل بطريقة أكثر كمالاً مما تستطيع أن تفعله الطبيعة بطريقة بدائية. وهكذا كل الخليقة تُمجِّد الله بكل الطرق. 
بينما يجد ق. كيرلس غاية الإنسان الأولى والأساسية في الله، أى في تمجيده، نجده مع ذلك يفحص مسألة خلق الإنسان من جانب آخر، ويجد غاية أخرى ثانوية لخلق الإنسان، فهو يقول:
 "المعرفة الحقيقية لله متصلة بتمجيد الله"
، أي بقدر ما يعرف الإنسان الله بقدر ما يُحبه ويُمجده. 
هذه المعرفة ليست مزيد من المعرفة العقلية عن الله، بل حياة جديدة حقيقية فيها يَحصُل الإنسان على كل البركة والنعمة من الله.
 فعندما يرغب الإنسان فى هذه الغاية في الله، فهو يتوق إلى بركته وسعادته لأنه ليس هناك شئ حسن ومبهج في ذاته لأن السعادة الحقيقية هى فى الله. كما أن المعرفة الحقيقية التي يتكلّم عنها ق. كيرلس هي الحالة التي يكون فيها الإنسان في اتحاد مع الله. هذا الاتحاد هو مصدر البركة والغبطة الحقيقية للإنسان.
 "الله هو مصدر كل شيء صالح"، وبالتالي تحقيق غاية الإنسان يعني الاشتراك في سعادة الله. يُعبِّر ق. كيرلس عن هذه الفكرة بأكثر وضوح في فقرة أخرى، هكذا:
 "في البدء خلق الله الإنسان على صورته... لكي ما يعيش في سعادة وقداسة".
 ومجد الله وسعادة الإنسان والحياة الفاضلة هى أمور متلازمة بحسب تعاليم ق. كيرلس. و"القداسة تُعطَى من الله للإنسان". السعادة الحقيقية تتمثل في امتلاك الصلاح والفضيلة. وغاية الإنسان الموضوعية هى مجد الله. وبما أن الله هو سعادة الإنسان، لذلك يصبح الله أيضًا غاية الإنسان الشخصية. الإنسان المنفصل عن الله ليس بالحقيقة إنسانًا، فهو يحقق شخصيته في الله فقط، لأن الله هو أصل وجوده. 
القداسة والسعادة عنصران متلازمان نظرًا لأن القداسة هي ـ بتعبير آخر ـ إتحاد الإنسان بالله، هذا الاتحاد هو الذي يجعل الإنسان بالحقيقة سعيد. 
الله في محبته الأبدية هو الذي يضع في قلب الإنسان الرغبة الرائعة للفضيلة، بل ما هو أكثر، إذ أن كل المواهب الصالحة تُعطى له من قبل الله لكي ما يعيش دائماً في قداسة وبركة وسعادة. 
بما أن الله محبة، وليس فقط صالح بل الصلاح ذاته، فإن محبته تظهر في العِلَّة وتحقيق الغاية من خلق الإنسان. فلقد أراد الله أن يخلق البشر كنطاق يتجلى فيه مجده، وأن يكون هذا الاستعلان المجيد مصدر سعادة الإنسان. وحيث إن الله محبة فإن غايته وغايتنا تتطابق. 
هذا الإتحاد والعلاقة بين الإنسان والله لا يمكن أن تكون ساكنة، بل آخذة في التقدم، بقدر ما تتحقق غاية الإنسان بقدر ما تزداد سعادته.
 هذا الإتحاد، وبناءً عليه هذه السعادة تصبح كاملة في المسيح. هذه الفكرة تقودنا إلى فهم العلاقة بين خلق الإنسان وإعادة خلق الإنسان بواسطة يسوع المسيح، أو بتعبير آخر العلاقة بين الخلق والفداء حسب التعاليم اللاهوتية للقديس كيرلس. 
نستطيع أن نرى هذه العلاقة عندما يشَّدِد كيرلس على كلا الجانبين في الخلاص المسيحي، أي على الجانب السلبي ـ الخلاص من الخطية ـ والجانب الإيجابي ـ شركة الإنسان في الحياة الإلهية. خلاص الإنسان في المسيح يصبح التحقيق الفعلي، وتكميل العمل والغاية من خلق الإنسان على صورة الله ومثاله، لأن الخلاص يعني إعادة إصلاح جميع الهبات التي أعطيت للإنسان لحظة الخلق على هذه الصورة وعلى هذا المثال، تلك الهبات التي فسدت ودُمرت تقريبًا بسبب خطية الإنسان. غاية الإنسان التي أعطيت من الله عند الخلق، والتي عُوقَّت لبعض الوقت بسبب الخطية قد تم تكميلها في المسيح. 
هكذا يفهم ق. كيرلس عمل الخلاص وعلاقته بالخلق، لكن عمل خلاص الإنسان في المسيح كان أعظم بكثير من عمل الخلق لأنه لم يَحصُل الإنسان في المسيح فقط على هبات من الله بل على الله ذاته، وبواسطة المسيح تبرَّر الإنسان بالرغم من كونه مذنباً بشكل شخصي بسبب خطيئته وسقوطه. الخلق لم يكن لا مصالحةً ولا فداءً. الخلاص في المسيح هو شفاء حقيقي وإعادة إصلاح للإنسان الفاسد واستقبال للأشياء الصالحة الأولى. 
كلا الجانبان للغاية من خلق الإنسان لا ينفصلان، بل يشكلان غايةً واحدةً نهائيةً. الإنسان يمجد الله، يعرفه أكثر، يحبه أكثر، يحيا في إتحاد أكثر عمقًا معه، وهذا الاتحاد يصير مصدر سعادة الإنسان ـ الآن وإلى الأبد. 
وهنا أمر آخر إضافة وهو أن الله في هذا الاتحاد يُبَّلغ كمالاته لكل واحد، كلٍ بحسب قياسه، الله يُسَّر بأن يصير الإنسان شريكاً في سعادته العظمى. الإنسان يحاول أن يكتسب كمال الله، فيصير هذا الأمر أيضًا غاية للإنسان.
 وإذ يشعر الإنسان بالغبطة في إتحاده مع الله وتمجيده، تزداد حاجته لتمجيد الله أكثر فأكثر. الغايتان هما وجهان لعملة واحدة. الله خلق الإنسان لمجده، لا لكي يُزيد من مجده بل لكي يُظهره ويُقدمه للإنسان الذي يمجده ويحقق غايته ويجعله شريكًا في الصلاح المطلق أي في الله. كما يقول ق. كيرلس، إن الله أظهر ذاته كإله المحبة والصلاح، فخلق الإنسان لا يمكن أن يُفهم بعيدًا عن محبة الله. 
ويلمح ق. كيرلس تلك المحبة الخاصة بالله نحو الإنسان في الطريقة المميزة لخلقته، أى في خلقته بهبات خاصة على صورته وعلى مثاله. الإنسان بسبب خلقته على صورة الله ومثاله كان يمكن له أن يشترك في السعادة الأبدية. يشرح ق كيرلس رغبة الله في سعادة الإنسان بقوله إنه كان ممكنًا للإنسان أن يعيش إلى الأبد في هذه الحالة الأولى إن لم يكن قد تمرَّد على الله. 
من ناحية أخرى، نستطيع أن نقول إن هناك غاية أولية وأخرى ثانوية لخلق الإنسان. غاية الإنسان الأولية هي مجد الله ، والغاية الثانوية هي سعادته. غير أن هذه الغاية الثانوية يمكن أيضًا أن ندعوها متوسطة، ليكون مجد الله هو الغاية النهائية المطلقة للإنسان. وهكذا يكون الله هو غاية وجود الإنسان. 

د/جوزيف موريس فلتس 



[1] انظر تك26:1ـ27.
[2] تجسد الكلمة، ترجمه عن اليونانية د. جوزيف موريس فلتس، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، فصل3:3 ص8.
[3] عن خلق الإنسان 3:11 PG 44. 156B.
[4]  الطريق الأرثوذكسى... ص12ـ13.

 patristiccenter.org