قيامة المسيح

+ ( لو 24 : 1 – 5 ) : " ثُمَّ فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَوَّلَ الْفَجْرِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلاَتٍ الْحَنُوطَ الَّذِي أَعْدَدْنَهُ وَمَعَهُنَّ أُنَاسٌ. فَوَجَدْنَ الْحَجَرَ مُدَحْرَجاًعَنِ الْقَبْرِ. فَدَخَلْنَ وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ الرَّبِّ يَسُوعَ. وَفِيمَا هُنَّ مُحْتَارَاتٌ فِي ذَلِكَ إِذَا رَجُلاَنِ وَقَفَا بِهِنَّ بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ . وَإِذْ كُنَّ خَائِفَاتٍ وَمُنَكِّسَاتٍ وُجُوهَهُنَّ إِلَى الأَرْضِ " . 
النسوه أتين إلى القبر ، ولما لم يجدن جسد المسيح – لأنه كان قد قام – فإنهن تحيرن كثيراً . ثم ماذا تبع ذلك ؟
إنهن لأجل حبهن للمسيح ، ولأجل غيرتهن الحاره له ، فقد حسبن مستحقات أن يرين الملاكين المقدسين اللذين أخبراهن بالأخبار الساره . وصارا مبشرين بالقيامه قائلين : " لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ ؟ لَيْسَ هُوَ هَهُنَا لَكِنَّهُ قَامَ." ( لو 24 : 5 ، 6 ) .
إن كلمة الله الحى إلى الأبد ، وبحسب طبيعته هو الحياة ذاتها ، ولكنه عندما أخلى ذاته ، ووضع نفسه ليصير مثلنا ، فإنه ذاق الموت ، ولكنه برهن على موت الموت ، لأنه قام من الموت ليصير هو الطريق الذى به ليس هو فقط بل نحن أيضاً نعود إلى عدم الفساد . 
ليت لا أحد يبحث عن – هذا الحى إلى الأبد – بين الأموات ، لأنه ليس هو هنا بين الأموات وهو ليس فى القبر ، ولكن أين يوجد بالأحرى ، ببساطه ووضوح ، هو فى السماء ، فى مجد الله .
ولأجل أن يرسخ الملاكان بأكثر ثبات إيمان النسوه بهذه الأخبار ، فإنهما أعادا إلى ذاكرتهن ما سبق أن قاله المسيح : " اُذْكُرْنَ كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وَهُوَ بَعْدُ فِي الْجَلِيلِ قَائِلاً: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ وَيُصْلَبَ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ." ( لو 24 : 7 ) . 
إن الملائكه هم الذين أتوا بالأنباء السارة للميلاد إلى الرعاة فى بيت لحم ، والآن أيضاً هم الذين يُبلغون أخبار القيامة ، والسماء تُقدم خدمتها لشهد له ، والأجناد الروحانيه العلويه تعبد الإبن كإله حتى بعد أن صار جسداً . 
+ ( لو 24 : 9 ) : " وَرَجَعْنَ مِنَ الْقَبْرِ وَأَخْبَرْنَ الأَحَدَ عَشَرَ وَجَمِيعَ الْبَاقِينَ بِهَذَا كُلِّهِ. " . 
بعد أن تعلمن السر من صوت الملائكه ، فإنهن أسرعن ليبلغن التلاميذ بهذه الأمور , كان لائقاً جداً أن هذه النعمه ، رغم أنها عظيمة جداً أن تخول للنساء ، إذ أن المرأة التى خدمت الموت فى القديم قد أُعتقت الآن من ذنبها ، بالخدمة التى وصلتها بصوت الملائكة القديسين ، و كذلك لأنها صارت الأولى لأنها أولاً : علمت ، وثانياً : لأنها أخبرت بسر القيامة المجيد , لذلك فإن الجنس النسائى قد نال البراءه من العار ، وكذلك بطُلت اللعنة ، وذلك لأن الذى قال للمرأة فى القديم : بالوجع تلدين أولاداً ( تك 3 : 16 ) هو الذى خلصها من البليه ، بأن قابلها فى البستان – كما ورد فى إنجيل آخر – وقال لها " سلام " ( متى 28 : 9 ) . أما بخصوص الرسل القديسين ، فقد ظلت رواية القيامة تبدو لهم وكأنها غير معقولة تماماً ومزيفه ، لأنه حتى ذلك الوقت لم يكونوا يعرفون الكتب المقدسه ، لذلك كانوا غير مصدقين ، ولأجل ذلك فقد سخروا من خبر القيامة ورفضوه
وكن كيف أن التلاميذ فى إنجيل يوحنا ، بعد أن سمعوا مريم المجدليه ، وركضوا تجاه القبر آمنوا ؟ بخصوص هذا فإن البشائر تشهد لهم بالقول : " فَحِينَئِذٍ دَخَلَ أَيْضاًالتِّلْمِيذُ الآخَرُ الَّذِي جَاءَ أَوَّلاًإِلَى الْقَبْرِ وَرَأَى فَآمَنَ . " ( يو 20 : 8 ) ، فالأثنان آمنا : بطرس ويوحنا ، أما إنجيل لوقا فيقول : " وَرَجَعْنَ مِنَ الْقَبْرِ وَأَخْبَرْنَ الأَحَدَ عَشَرَ وَجَمِيعَ الْبَاقِينَ بِهَذَا كُلِّهِ . وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَيُوَنَّا وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَالْبَاقِيَاتُ مَعَهُنَّ اللَّوَاتِي قُلْنَ هَذَا لِلرُّسُلِ. فَتَرَاءَى كَلاَمُهُنَّ لَهُمْ كَالْهَذَيَانِ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُنَّ. " . 
+ ( أعداد 13-15 ) " وَإِذَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةًاسْمُهَا عِمْوَاسُ .وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ عَنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ .وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا. " 
بخصوص الأثنين اللذين كانا منطلقين إلى قرية عمواس ، فقد كانا يتكلمان مع بعضهما بشأن المسيح ، وهما يعتبرانه أنه لم يعد بعد على قيد الحياة ، بل كانا ينوحان عليه كميت ، وبينما كانا يتكلمان ويتحاوران أقترب إليهما يسوع نفسه وكان يمشى معهما دون أن يعرفاه ، لأن أعينهما أمسكت عن معرفته ( ع 16 ) ، فقال لهما : " قَالَ لَهُمَا: «مَا هَذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ ؟ فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا الَّذِي اسْمُهُ كَِلْيُوبَاسُ: هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ ... إلخ " ( أعداد 17-21 ) ، ثم أخبراه عن الإشاعات التى وافتهم بها النسوه بخصوص القيامه ، وكذلك بخصوص كلام بطرس ، ولكنهما لم يصدقوهن ، لأنه بقولهما : " بَلْ بَعْضُ النِّسَاءِ مِنَّا حَيَّرْنَنَا ... لأنهم لَمْ يَجِدْنَ الجَسَدَ " ( أعداد 22 ، 23 ) ، يتضح أنهما لم يقتنعا ليؤمنا بالأخبار ، ولا نظرا إليها كأخبار حقيقية ، ولكنها أصبحت فى نظرهما أخباراً تدعو إلى القلق والدهشة ، بل وحتى شهادة بطرس الذى رأى اللفائف الكتان عند القبر ، لم يعتبراهاه برهاناً كافياً جديراً بالثقه والتصديق بخصوص القيامة لأن الإنجيلى لم يقل عنه إنه رأى الرب شخصياً ، بل إنه أستنتج أنه قام بسبب كونه لم يعد موجوداً فى القبر . يجب عليكم أيضاً أن تعلموا أن هذين الأثنين هما من عداد السبعين تلميذاً ، وكان سمعان – وهو غير بطرس – هو رفيق كليوباس ، كما أنه ليس من قانا ، ولكنه واحد من السبعين . 
+ ( عدد 27 ) " ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ ." 
لقد بين الرب من خلال هذا الحديث أن الناموس كان ضرورياً ليُمهد الطريق ، وأيضاً خدمة الأنبياء كانت لازمه لتُعد البشر للإيمان بهذا العمل الفائق ، حتى إذا ما تم هذا العمل بالفعل ، فإنه يجب على هؤلاء الذين ينزعجون بسبب المجد الفائق أن يتذكروا ما سبق أن قيل فى القديم ، وهذا يقودهم إلى الإيمان ، لذلك فإن يسوع قد مهد الطريق لهم من خلال كتابات موسى والأنبياء وهو يشره لهم معانيها الخفيه ، ويفسر للذين يستحقون ما هو غامض على غير المستحقين ، وهكذا يوطد فى داخلهم الإيمان القديم والمتوارث الذى تعلموه من الكتب المقدسه التنى كانت فى حوزتهم ، لأنه لا شئ يأتى من عند الله بلا منفعة ، بل الكل له الموضع والخدمه المحدده .
فالخدام يُرسلون مسبقاً إلى مكانهم الواجب ليعدوا لحضور السيد ، بأن يقدموا من قبل نبوات كإعداد ضرورى مسبق للإيمان ، تماماً مثل كنز ملكى قد سبق التنبؤ عنه ، فإنه يجب فى الأوان المناسب أن يُتى به من مخبئه السابق المحاط بالغموض ، بأن يُماط عنه اللثام ويصبح ظاهراً جلياً من خلال وضوح التفسير .
وهكذا فإن الرب بعد أن حرك عقليهما عن طريق كتابات الناموس والأنبياء ، فإنه بعد ذلك بوضوح أكثر ، وضع نفسه أمامهما عندما قبل رجاءهما بأن يذهب معهما إلى القريه ، إذ أنه أخذ خبزاً وباركه وقسمه بينهما ، لأنه مكتوب : " أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ. " ( ع 16 ) ، إلى أن دخلت الكلمه داخلهما وحركت قلبيهما للإيمان ، وبعد ذلك صيرت ما سبق أن سمعاه وآمنا به ، مرئياً ، لأنه منحهما الرؤيه فى أوانها بعد السماع ، إلا أنه لم يستمر معهما لأن الكتاب يقول : " ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا." ، لأن علاقة الرب بالناس بعد القيامه لا تستمر كما كانت من قبل ، لأنهم هم محتاجون إلى تجديد وحياة ثانيه فى المسيح ، حتى يلتحم الجديد بالجديد ، وغير الفاسد يقترب من غير الفاسد ، أليس لهذا السبب لم يسمح الرب – كما يقول يوحنا فى إنجيله ( أنظر يو 20 : 17 ) لمريم المجدليه أن تلمسه إلى أن يصعد ثم يعود ثانية . 
+ ( عدد 33 ) " فَقَامَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَرَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ وَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ مُجْتَمِعِينَ هُمْ وَالَّذِينَ مَعَهُمْ." 
يقول الكتاب إن ليوباس ورفيقه قاما فى تلك الساعه . وذلك فى نفس الوقت الذى أختفى فيه المسيح عن أعينهما ورجعا إلى أورشليم ، ولكنه لم يقل إنهما وجدا الأحد عشر مجتمعين معاً فى نفس تلك الساعه ، وأنهما قالا لهم ما حدث بخصوص المسيح بل بعد مرور عدد من الساعات تكفى للسفر ستين غلوه بين عمواس وأورشليم ، وفى أثناء هذه الساعات ظهر الرب لسمعان بطرس .
والبشير ( لوقا ) حذف الأحداث التى تمت فى خلال هذا الزمن ( الأربعين ) بين ظهوره للرسل فى أورشليم وبين اليوم الذى أرتفع فيه . أما ما سمعه كليوباس ورفيقه من الرسل : " إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ " ( لو 24 : 34 ) ، فهذا الظهور لم يذكر عنه أين أو متى أو كيف تم ... خلال هذه الفتره أيضاً ( بين ظهور مساء القيامه وبين الصعود ) تمت الأحداث التى فى الجليل والتى سجلها القديس متى ( أنظر مت 28 : 16-20 ) .
+ ( عدد 36 ) " وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهَذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسَطِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: سَلاَمٌ لَكُمْ ! ." 
والآن ، نحن نلتزم بترتيب الحوادث ، فإننا نقول إن رواية القيامه قد بلغت الرسل من جهات مختلفه ، وصارت رغبتهم فى رؤية الرب جامحه ، وها هو يأتى بحسب رغبتهم ويقف مرئياً فى وسطهم ويُعلن نفسه إذ قد صاروا يبحثون عنه ويتوقعون حضوره ، وها هو الآن يظهر لهم وأعينهم ليست مُمسكه عن المعرفه ، ولا كمن يتحدث معهم عن شخص آخر ، وهو الآن يسمح لهم أن يبصروه بوضوح ، ويُحييهم بالتحيه الملائمه ، ولكن مع ذلك " فَجَزِعُوا وَخَافُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ نَظَرُوا رُوحاً. " ( لو 24 : 37 ) ، أى ظنوا أنه ليس هو نفسه ، بل مجرد شبح وخيال .
وللوقت فإنه هذا من روعهم وقلقهم بسبب هذه الأفكار التى خطرت فى قلوبهم وخاطبهم بتحيته المعتاده وقال : " سلام لكم ". 
( عدد 38 ) " فَقَالَ لَهُمْ: مَا بَالُكُمْ مُضْطَرِبِينَ وَلِمَاذَا تَخْطُرُ أَفْكَارٌ فِي قُلُوبِكُمْ ؟ ." 
لكى يقنعهم الرب بتأكيد لا يدع مجالاً للشك بأنه هو نفسه الذى تألم ، فإنه يبين للتو أنه بسبب كونه الله بالطبيعه ، فإنه يعرف ما هو مخفى ، وأن الأفكار الثائره داخلهم لا تخفى عن معرفته ، لذلك قال لهم : " مَا بَالُكُمْ مُضْطَرِبِينَ ؟ " هذا برهان واضح أن هذا الذى يرونه أمامهم ليس شخصاً آخر ، بل هو نفسه الذى رأوه يذوق الموت على الصليب ، والذى وُضع فى القبر ، وهو نفسه الذى يفحص القلوب والكلى والذى ليس شئ غير مكشوف لعينيه .
هذا الأمر يعطيه لهم كعلامه تدل على شخصه ، أعنى معرفته بالأفكار الثائره داخلهم . ولكى يبرهن لهم بصورة أقوى ، وبطريقه أخرى أن الموق قد قُهر ، وأن الطبيعه البشريه قد خلعت عنها الفساد فى شخصه كباكورة ، فإنه أراهم يديه ورجليه وثقوب المسامير وسمح لهم بأن يمسكوه ، لكى سقنعهم بكل وسيلة أن نفس الجسد الذى تألم هو الذى قام كما قلت لكم .
لذلك ليت لا أحد يثير أعتراضات تافهه بخصوص القيامه ، وإن كنتم تسمعون الكتاب المقدس يقول عن لاجسم الإنسان أنه يُزرع جسماً حيوانياً ويُقام جسماً روحانياً ( 1 كو 15 : 44 ) فلا تنكروا عودة الأجسام البشريه إلى عدم الفساد ، لأنه كما أن الحيوانى هو الذى يكون تابعاً ويخضع للبهيميه أى الشهوات الجسدانيه ، كذلك أيضاً الروحانى هو تحت سلطان الروح القدس ( أى جسماً روحانياً ) .
لأنه لن يوجد بعد القيامة من الموت فرصه للعواطف الجسدانيه لأنه مهماز الخطيه سيكون بلا قوة تماماً ، وهذا الجسد نفسه الذى جُبل من لاأرض ، سوف يلبس عدم فساد . ولكى يتأكد التلاميذ تماماً أن هذا هو نفسه الذى تألم وقبر ، وهو الذى قام ثانية وهو واقف الآن أمامهم ، فإنه – كما قلت لكم – أراهم يديه ورجليه . وأمرهم أن يكونوا مقتنعين تماماً أنه ليس روحاً كما يظنون ، بل هو بالحرى قام بجسد حقيقى ، فيقول لهم : " فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي . " ( ع 39 ) ، لأن الظل والروح والشبح لا يمكن لمسها باليد . 
وبعد أن أراهم – كما قلنا – يديه ورجليه ، فإنه أقنعهم تماماً أن الجسد الذى تألم قد قام ، ولكن من أجل أن يجعل فيهم قدراً وافراً من الإيمان بتأكيد أكثر ، فإنه سألهم عن طعام ، فناولوه جزءاً من سمك مشوى ( ع 42 ) ، فأخذ وأكل قدامهم ( ع 43 ) ، وهذا ما فعله ليس لأى سبب آخر سوى أن يبين أن من قام من الأموات هو نفسه الذى فيما مضى أكل وشرب معهم طوال فترة خدمته معهم ، وهو الذى تكلم معهم كإنسان بحسب الصوت النبوى فى القديم ( باروخ 3 : 37 ) ، وكان قصده من هذا أن يلاحظوا الجسم البشرى يحتاج فعلاً إلى غذاء من هذا النوع ، أما الروح فلا تحتاج لذلك . فالذى يستحق أن يُدعى مؤمناً ، والذى يقبل بلا تردد شهادة الإنجيليين القديسين ( بخصوص القيامه ) لن ينصت فيما بعد إلى خرافات الهراطقه ، ولن يمكنه أن يتحمل تجارة الخياليين المُغرضه والرخيصه . 
إن قوة المسيح تفوق أسئلة البشر ، كما أنها ليست على مستوى الفهم كالأحداث المعتاده . المسيح أكل آنذاك جزءاً من سمك بسبب القايمه ، أما النتائج الطبيعيه للأكل فلا يمكن أن تحدث فى حالة المسيح بالطريقه التى يمكن أن يعترض بها غير المؤمن ، الذى لا يعرف سوى أن ما يدخل الفم يلزم بالضرورة أن يمضى إلى الجوف ويندفع إلى المخرج ( مت 15 : 17 ) ، أما المؤمن فلن يفسح مجالاً لمصل هذه الإعتراضات التافهة فى عقله ، ولكن يترك الأمر إلى قوة الله .
+ ( عدد 45 ) " حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ ." 
بعد أن هدأ الرب أفكارهم بما قاله لهم ، وبلمسة أيديهم له ، وبمشاركته لهم فى الأكل ، حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا أنه كان ينبغى له أن يتألم وأن يُعلق على خشبة الصليب . هنا يعيد الرب إلى أذهن التلاميذ ما قاله لهم سابقا ً، لأنه سبق أن أخبرهم بخصوص آلامه على الصليب بحسب ما تكلم الأنبياء قبل ذلك بوقت طويل كما أنه فتح أيضاً عيون قلوبهم حتى يفهموا النبوات القديمه .
لقد وعد المخلص تلاميذه بحلول الروح القدس الذى سبق أن أعلن الله عنه فى القديم بيوئيل النبى ( يؤ 2 : 28 ) ، والقوة النازلة من الأعالى حتى يصيروا أقوياء لا يُقهرون ويكونوا بلا خوف تماماً لكى يعلموا السر الإلهى للناس فى كل مكان .
إنه يطلب إليهم الآن بعد القيامة أن يقبلوا الروح القدس : " أقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ." ( يو 20 : 22 ) ، ويضيف : " أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ بَلْ يَنْتَظِرُوا مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي ، لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. " ( أع 1 : 4 ، 5 ) .
إنه لا يضيف ما إلى ماء ، ولكنه يكمل ما كان ناقصاً بإضافة ما كان مكملاً له ( أى الروح ) . 
( عدد 51 ) : " وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ " .
أنه أرتفع إلى السماء حتى يشترك فى عرش الآب بالجسد الذى هو متحد به . 
هذا الطريق الجديد قد صنعه الكلمه لنا بعد أن ظهر فى الطبيعه البشريه . وبعد ذلك ، وفى الوقت المناسب ، سوف يأتى ثانية فى مجد أبيه مع الملائكه ، فيأخذنا إليه لنكون دائماً معه . 
لذلك دعنا نُمجده ، هذا الذى وهو الإله الكلمه صار إنساناً لأجلنا ، هذا الذى تألم بإرادته فى الجسد وقام من الأموات وأبطل الفساد ، هذا الذى أرتفع إلى السماء ، وسوف يأتى بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات ، وليعطى كل واحد بحسب أعماله ، هذا الذى به ومعه لله الآب يليق المجد والقوه مع الروح القدس إلى دهر الدهور . آمين . 



القديس كيرلس الكبير
تفسير انجيل لوقا عظة 154 
ترجمة الدكتور / نصحى عبد الشهيد