الشريعه الطبيعة وعلاقتها بالشريعة الوضعية - 1

الشريعة من طبيعية أو وضعية واحدة غير متجزئه فى جوهرها ولكنها ذات وجهين ، هى فى أحدهما الشريعة فى حقيقة الواقع ، 
وفى الثانى الشريعة هى من وضع الشارع . 
فى الشريعة الطبيعية ندرك حقيقة معنى الشريعة وبها نتوصل إلى معرفة جوهر الحق والعدل . أما الشريعة الوضعية فتوصلنا من جهة ثانية إلى فهم الشريعة كما تصورها الإنسان ثم طبقها عملياً فى علاقاته الإجتماعية والسياسية فى جماعته وحكوماته ودوله ، فى عاداته وتقاليده . وبكلمة أوضح إنها تمثل لنا صورة الحق والعدل كما برزت فى آراء الناس وأقوالهم ونظراتهم .
والشريعة ، حسب المفهوم من الكلمة ، هى القياس الذى يحكم بموجبه بعد الفحص الدقيق على عمل الإنسان أو سلوكه . هل هو منطبق على موادها أو هل هو مخالف لها ؟ هل قام المرء بما يطلب منه تماماً أو هل كان مقصراً فى واجبه ؟
فإذا ظهر بعد الفحص أن العمل والسلوك كانا منطبقين على القياس صدر الحكم بأنهما حق وعدل . وإذا لم يتفقا مع القياس جاء الحكم بأنهما خطأ وظلم . 
ولكن قد يسأل البعض ما هو هذا القياس الذى يقال له شريعة ويتخذ للتمييز بين مختلف أعمال الكائنات الحرة وتصرفاتها ؟ كيف نشأ وما هو مصدره ؟ 
لا يخفى أن مصدر هذا القياس إرادة لها السلطة المطلقة فى تقييد حركات الكائنات وأعمالها فى نظام معين ، ولها أن تصدر حكمها :
 هل هذه الكائنات عامله بموجب قياس الخير والعدل ؟
أو هل هى سالكة سبل الشر والظلم ؟ .
إن هذه الإرادة تعرف كل المعرفة طبائع الكائنات وتركيبها والغاية من خلقها ؟ وما هذه الإرادة إلا القوة المبدعة ، أعنى الكائن الأعلى المدعو الله ، وكلمته أو إرادته هى الشريعة والقاعدة والمبدأ والقياس فى الحكم على أعمال الكائنات كلها وسلوكها . وبعبارة أخرى هى حقيقة الشريعة . فالمنطق أذن يدلنا على أن الله هو منذ البدء مصدر الشريعة .
إن كلمة الله هى القياس ليس لأعمال الكائنات وسلوكها عملياً فحسب بل لأعمالها وسلوكها نظرياً أيضاً .
فالعقل السليم ينظم ويعدل قوة المعرفة فى ذهن الإنسان ليمكنها من التمييز بين الحقيقة والبطل
والشريعة المدنية تهيئ الوسائل للتمييز بين ما ينطبق على الشريعة وما يخالفها بحسب مفهوم الكلمة العادى من عدل أو ظلم . أما كلمة الله فتشمل كل ما تقدم فى شريعة جوهرية واحدة تتناول أعمال وحركات الإنسان العملية والنظرية . وتوجد السبل لتنظيمها والتمييز بين ما هو خير وما هو شر ، وما هو حق وما هو بطل ، ما هو عدل وما هو ظلم ، وما هو صواب وما هو خطأ . فالخطأ والطغيان والخطيئة والإثم والشر والعدوان وأشباهها هى من نتائج مخالفة الشريعة ( أو إرادة الله ) وعدم التقيد بأمرها . والإستقامة والفضيلة والقداسة والصلاح هى من ثمار العمل والسلوك حسب أوامر الشريعة . 
قد أساء البشر فهم شريعة الله القويمة أو القضاء الإلهى فى مجتمعاتهم فنجم عن ذلك إقدامهم على وضع شرائع تناقض هذه الشريعة الإلهيه الحقيقيه وتخالفها . وكلما أرتقى الإنسان فى سلم معرفة الشريعة الحقيقية تقدم فى تطبيق مبادئ العدالة الحقه فى ما يسنه من شرائع .
وعندما يتمكن من البلوغ إلى الإدراك التام للشريعة الحقيقية ، أو بعبارة أخرى إرادة الله الإيجابية والسلبية ، يصير فى إستطاعته أن يضع شرائعه الخارجية وضعاً منطبقاً على مقتضى كمال العدل ، فيتم بذلك الإتفاق والتلاؤم بين ما يدعى الشريعة الوضعية وما يدعى الشريعة الطبيعية . 
إن الشرائع الوضعية ، أى التى يسنها البشر ، يحكم عليها وتقدر منزلتها بمقابلتها مع الشريعة الحقيقية أو بالأحرى الشريعة الإلهية . فإذا كانت مطابقة لها كانت عبارة عن منطوق الشريعة الطبيعية فى ألسنة البشر وهى قويمة فى نظر الله . أما إذا تعارضت مع الشريعة الطبيعية فلا قيمة لها فى نظر الله . وإذا أتفقت شرائع البشر حقاً مع شريعة الله أقرها الله وثبتها لوضعها الشريعة الحقيقية فى صيغه قويمة . 
ولما كانت الشريعه الحقيقية ثابته غير متغيرة ولا تنقض مهما طال عليها الأمد فهى ذات قوة شرعية أبدية عامه . ولذلك فعندما يخرق المرء شريعة موضوعه منطبقه على إرادة الله يخطأ فى نظر الحكومة التى وضعت تلك الشريعه وأمام الله الذى يقر ويثبت ما سبك من شرائعه الإلهيه فى شرائع من وضع المجتمع البشرى .
وأما إذا أهمل المرء أو داس شريعة وضعية مناقضه للشريعة الطبيعية فيكون مسئولاً أمام المحكمة المدنية والحكومة التى سنت شريعتها مناقضة للشريعة الطبيعية . ومع ذلك فالله العادل يكافئه لخرقه شريعة باطله طاعة منه لشريعة الله أو إرادته . فالطاعة إذا لشرائع البشر ليست مطلقة بل نسبية . أما الطاعه التامة المطلقة فهى واجبة حتماً لشريعة الله . 
والنتيجة المنطبقة إذن أن شريعة الله هى القياس الحقيقى لصحة أو فساد ، لصدق أو بطلان شرائع البشر .
وكل شريعة بشرية توافق الشريعة الحقيقية وتتلاءم معها جديرة بالإحترام والمراعاة كشريعة مصدرها إلهى . وكل شريعة تتعارض مع الشريعة الحقيقية وتناقضها تستحق الإهمال والإزدراء . وعدم مراعاة شريعة كهذه واجب أدبى .
أما الشرائع البشرية التى لا تتلاءم مع الشريعة الطبيعية ولا تعارضها فيجب التقيد بها مراعاة لضمائر الناس وتجنباً لعواقب مخالفتها بالتعرض للقصاص الذى تفرضه الحكومات أو المجالس الإشتراعية . 
وشريعة إرادة الله التى تضع الحدود لعمل الإنسان وسلوكه ، لمعالجته وشفائه من أمراضه الأدبية والنفسية هى الشريعه الدينية . وهى إذا نظمت عمل إرادة الإنسان وسلوكه داخلياً فى ميولها وعزمها فهى الشرعية الأدبية .
وإذا نظمت عمل الإرداة وسلوكها خارجياً من جهة تأثيرها وعلاقتها بغيرها فهى الشريعة المدنية . أما إذا تناولت كل علاقات الإرادة وأعمالها وسلوكها خارجياً ، مما له صلة بأعضاء المجتمع الذى نعيش فيه ، فتدعى الشريعة الإجتماعية . 
والشريعة التى تنظم أعمال وحركات الكائنات الطبيعية ، كشريعة التوازن وشريعة النسبة وشريعة الثقل النوعى ، تدعى شريعة الكون الطبيعية .
أما ما أطلق عليه إسم شرائع كنسية فتشمل ما وضعته مجالس الكنيسة من شرائع وأنظمة تحدد واجبات وحقوق خدام الكنيسة الروحيين وعمالها وأعضائها فى علاقاتهم المتبادلة . وهى شريعة وضعية يجب التمييز بينها وبين الشريعة الوضعية المدنية للجماعات السياسة . 
والكنيسة هى جماعة من الناس يؤمنون إيماناً واحداً بالمسيح . وقد أنتظمت معاً وأرتبطت بشريعة خارجية عامة يحكم بموجبها على عمل أعضاء الجماعه وسلوكهم فى علاقاتهم بعضهم مع بعض ومع الناس ، وفى العلاقات بين الرؤساء والاعضاء فى الكنيسة . وهى ما يقال له الشريعة الكنسية
أما الشريعة التى تهيئ السبل لتنقية نفوس البشر بواسطة الإيمان بالمسيح وتضع الحدود لعمل الإرادة وسلوكها الداخليين تمهيداً لإيصال الإنسان إلى كمال الأتصال والإتحاد سوياً مع الله فهى تشمل كل نظام الوصايا والأوامر فى الشرائع الإلهية أو الدينية . 
وهكذا يجب أن نميز بين الشريعة الكنسية التى تتناول عمل الإرادة البشرية وسلوكها الخارجيين والشريعة الإلهية ، أو الدينية ، التى تسود فى عمل الإرادة وسولكها الداخليين فى علاقتها مع الله . 
وكما أن الظل يتميز عن الجسم أو المادة الذين يلقيانه ، ولا وجود له حقاً بدون الجسم أو المادة ، هكذا تمتاز الشريعة الكنسية عن الشريعة الدينية كنسبة الظل إلى الجسم والجسد إلى النفس . ومعنى ذلك أن لا قوام للشريعة الكنسية بدون الشريعة الدينية .


يتبع ....

عن كتاب 
مجموعة الشرع الكنسى أو قوانين الكنيسة المسيحية الجامعة 
جمع وترجمة
الارشمندريت / حنانيا الياس كساب