القديس باسيليوس الكبير والتفسير المجازي للتكوين

أوضح مثال عن أسلوب القديس باسيليوس الكبير التفسيري والوعظي هو “ستة أيام الخليقة”، وهو سلسلة من تسع عظات ألقاعا حول هذه الأيام. وقد ألقاها في صلوات السحرية والمساء خلال موسم الصوم، يبقى تحديد تاريخ إلقائها بشكل دقيق أمراً صعباً.
القديس غريغوريوس النزينزي، صديق القديس باسيليوس الأقرب، عبّر عن إعجابه العميق بعمل القديس باسيليوس لتصويره الواضح لمعجزة الخلق وخالقها. 
عندما أعالج كتابه وآخذ كلماته في فمي، أُحمَل إلى حضرة خالقي، وأفهم معنى الخلق، ويزداد ُإعجابي بالخالق أكثر من قبل، متّكلاً على معلمي كوسيلتي الوحيدة للنظر”.
أحد الملامح البارزة في تفسير القديس باسيليوس هو الرفض القاطع للرمزية في تفسيره لقصة الخلق. بالطبع، برفض الرمزية يلقي ظلالاً من الشك على قيمة الكثير من أعمال أوريجنس التفسيرية. هذا أمر مفاجئ بشكل خاص على ضوء إعجابه بأوريجنس. ما الذي كان يفكر فيه القديس إذاً؟ لقد جمع مبكراً وبمساعدة القديس غريغوريوس النزينزي مجموعة كبيرة من أعمال أوريجنس في ما أسماه الفيلوكاليا. 
ولكنه عندما ابتدأ يفسّر ويعظ حول الفصول الأولى من التكوين، استبعد الرمزية كأداة تفسيرية قابلة للحياة. لماذا؟
في العظة التاسعة حول أيام الخلق السنة، دبّج القديس باسيليوس ما وصفه ياروسلاف باليكان على أنه “أحد أكثر الانتقادات قوّة للتفسير الرمزي يصدر عن لاهوتي أرثوذكسي في القرن الرابع، أو في أي قرن آخر”. “أعرف قوانين الرمزية، مع أن أعرفها من نفسي وليس من أعمال الآخرين. 
هناك أشخاص بالحقيقة لا يعترفون بفطرة الكتاب المقدس السليمة، فالماء عندهم ليس ماءً بل مادة أخرى، الذين لا يرون في النبتة أو في السمكة إلا ما رغبة أهوائهم، الذين يغيّرون طبيعة الزواحف والوحوش الضارية بما يتّفق مع رمزياتهم، كمِثل مفسري الأحلام الذين يشرحون رؤى النوم لكي تخدم غايتهم. بالنسبة لي، العشب هو عشب، النبات، السمك، الوحوش، الدواجن، أنا آخذ كل شيء بمعناه الحرفي.”
في عظة سابقة، كان القديس قد انتقد أولئك الذين حاولوا تفسير فصل المياه عن اليبس في تكوين 1:6 بطريقة رمزية. 
الرمزيوناستفاضوا بالاستعارة” ولم يروا في المياه سوى صورة للدلالة على القوى الروحية والمعنوية. في الأماكن العليا، فوق السماء، يكمن الأفضل؛ في الأماكن السفلى، التراب والمادة هما مكان الخبثاء. ولهذا يُقول المزمور: “سَبِّحِيهِ يَا سَمَاءَ السَّمَاوَاتِ، وَيَا أَيَّتُهَا الْمِيَاهُ الَّتِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ” (148:4)، أي سبحيه أيتها القوات الصالحة، التي تجعلها طهارة نفوسها مستحقة لتسبيح الله. أما المياه التي تحت السماوات فهي تشير إلى الأرواح الخاطئة، التي وقعت من علوها الطبيعي إلى هاوية الشر.
يعترف القديس باسيليوس بطريقة لبقة بأن هذه النظرية عبقرية من دون أن يستطيع تبنّي حقيقتها. كما في العظة التاسعة فهو يقارن هذا النوع من التأويل المجازي بالحلم أو بقصص العجائز. 
بالمقابل، يشدد على أن الماء يعني الماء. انتقد القديس باسيليوس نقص التفسير عند المجازيين رابطاً هذه الرغبة بالتأويل المجازي بعدم رضى أساسي بالمعنى العادي في الإنجيل فهو يرى أن الله أخبرنا بوضوح ما نحن بحاجة إلى معرفته لتحقيق النمو الروحي والتقديس والمعرفة اللاهوتية الصحيحة. أمّا الرغبة في تجاوز وضوح الله المعلَن إلى معنى أخر خفي فهو علامة على الشعور بالضيق الروحي.
“ألا ينبغي بي أن أمجده وهو الذي قد نظّم كل التدبير في الكتاب المقدس على ضوء تقديس وتكميل نفوسنا كونه لا يرغب بأن نعبئ فكرنا بهذه التفاهات؟ هذا ما يبدو لي غير مفهوماً عند أولئك الذين استسلموا إلى معنى المجازية المشوش، ويعملون على فرض سلطان اختراعهم على الكتاب المقدس. 
إنهم يؤمنون بأنهم أكثر حكمة من الروح القدس ويقدّمون أفكارهم الخاصة بحجة التأويل.”
يذكّر القديس باسيليوس أن مجموعات كالمانيخيين والماركيونيين والفالانتيين استعملوا التأويل المجازي في تحريفاتهم التفسيرية. 
ففيما يورد كتاب التكوين: “عَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ”، يقول القديس باسيليوس أن الظلمة هي كما تعني بالحقيقة، أي أنه لا نور في الجو، كالظل الناتج عن توسط أحد الأجسام أو أخيراً كما أن لا ضوء فيه لبعض الأسباب. بينما المانيخيون والماركيانيون والغنوصيون كانوا سريعين في تخيّل معنى أكثر عمقاً. فبالنسبة لهم، الظلمة هي قوة شريرة، أو بالأحرى تجسيد للشر الصادر من ذاته في تعارض مع صلاح الله وفي صراع دائم معه.
يشدد القديس على أن التفسير الأكثر أماناً هو الحفاظ على الصمت حول هذه الاستعارات والرموز وببساطة اتّباع كلمات الكتاب المقدس من دون أي فضول عبثي، آخذين من الظلمة الفكرة التي تعطينا إياها العبارة. 
ربط القديس سلطة نص التكوين بحركة الروح القدس في موسى مشدداً على أن كلمات النص موحى بها: “ما من مقطع فارغ”. لذا، كون النص بذاته مقدساً، صادراً عن عمل الروح القدس، على المفسرين مقاربته بوقار. ينبغي أن يتطابق كل ما يُقال عن النص مع طبيعة أصله الإلهي السامية.
“بأي جدية ينبغي أن تتهيأ النفس لتقبّل هذه الدروس السامية! كم ينبغي أن تكون متطهرة من التأثيرات الجسدية، وخالية من القلق العالمي، وناشطة ومتقدة في أبحاثها، وتائقة إلى أن تجد في محيطها فكرة تليق بالله!”
لقد وضع القديس باسيليوس بشكل فعال أساساً لتفسيره من ثلاث طبقات:
 أولاً، شدد على أن الكتاب المقدس يأتي من الروح القدس. إنه موحى من الله. 
ثانياً، كرر وجوب مقاربة النص المقدس بوقار وبفكر مستعد وبقلب متلقٍّ لما يقدمه النص نفسه. 
ثالثاً، رفض القديس باسيليوس المجازية كاستراتيجية تفسيرية مناسبة. ما يقدمه المعنى الحرفي للنص من المادة للتأمل والتبصر والتطبيق هو أكثر من كافٍ.
 
 
كريستوفر هول
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي