حول المجمع المقدس الكبير للكنيسة اﻷرثوذكسية

الميتروبوليت نيقوﻻوس مطران ميسوغيا – اليونان
قبل انعقاد المجمع في كريت وزّع الميتروبوليت نيقولاوس هذه الرسالة في أبرشيته
اﻵباء واﻹخوة اﻷحباء (المسيح قام) .
أنا متأكد من أنكم قد عرفتم أن في أحد العنصرة تكون بداية المجمع اﻷرثوذكسي الكبير الذي سوف ينعقد لمدة عشرة أيام في جزيرة كريت. هذا مجمع عموم الأرثوذكسية: أي أن جميع الكنائس الأرثوذكسية المستقلّة سوف تشارك ممَثَّلة بمتقدمين برئاسة قادتهم، أي بطاركتهم ورؤساء أساقفتهم. البعض سمّاه مجمعاً مسكونياً، لكن في الآونة الأخيرة ولأسباب معينة تجنّبوا هذه التسمية. من ناحية حجمه، هذا المجمع فريد من نوعه في الألفية الثانية، كونه الوحيد بعد انشقاق روما من وحدة الكنائس الأخرى، أي من جسد الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية التي نعترف بها في دستور اﻹيمان.
يمكننا أن نرى الأهمية المعطاة لهذا المجمع والآمال والتوقعات المتعلقة به. لذلك أرى أنه من واجبي الرعائي أن أخاطبكم وأعلِمكم عن روحه وأهميته، لأن العلمانيين في تقليدنا الكنسي ليسوا مجرد متفرجين على الأحداث، بل مشاركون من خلال الصلاة والحوار وتفاعلهم الصحيّ لحياة الكنيسة.
إن مجمعاً بهذا البعد ينعقد باسم الله الثالوثي، وبشكل أساسي لأغراض روحية، لتوحيد جسم المؤمنين، دعمهم، للإشارة إلى طريق الحق، لرأب ارتباكهم وفي الوقت نفسه لحمل الشهادة إلى العالم المعاصر في إطار مهمته، وهذا هو القول للكشف عن حقيقة الله الواحد “لجميع اﻷمم” كما يرِد في عظة الرب (متى19:28)
هذا يجب أن يتمّ مدعوماً بالكتاب المقدس، مفسَّراً بالشكل الصحيح، وبحسب التقليد المقدس للمجامع السابقة وتعاليم اﻵباء القديسين، وبالطبع باﻹشارة إلى مشاكل العصر الحالي. هذا يعني بوضوح أن نتائج هذا المجمع يجب أن تكون واضحة، بالغة القوة، نبوية، وموحى بها من الله، وكأنّ الله فتح فاه ليتكلّم من بعد ألف سنة من الصمت المجمعي ولـِ “جِيلٌ أَعْوَجُ مُلْتوٍ” (تثنية 5:32) مشوّش، ينتج الحلول الوسط، يصل إلى الطرق المسدودة، يصنع الأخطاء والبدع، يسلك في حالة من الرفض، ممتلئ من جنون الإلحاد، جيل أطاح بالقيم الأساسية الخالدة. تحيط التهديدات بالجنس البشري من كل الجهات، في عصر من انعدام اﻷمن في كل العالم، حيث التكنولوجيا ذات قوة خارقة، وحيث السجن الرقمي، الإهانات المنسّقة ضد الله، التدمير الشامل للحضارات القديمة، الاقتلاع العنيف للشعوب من جذورها التاريخية، والاضطهاد المروّع للمسيحيين.
يجب أن يكون صوت الكنيسة “صوت الرب على المياه” (مزمور 3:29) أو “صَوْتِ مَيَازِيبِ الربّ” (مزمور 7:42). يجب أن يحرّك الشعوب ويقيم الموتى. إن لم نكن مستعدين للقيام بأمر مثل هذا، فمن اﻷفضل أن ننتظر، ومن اﻷفضل أن نؤجّل المجمع حتّى في اللحظة اﻷخيرة.
إذا ظهر أربعمائة أسقف معاً في صورة واحدة في كريت مع الابتسامات التقليدية، من دون أن يكونوا قد حرّكوا أيّ شيء، أو وقّعوا نصوصاً ليس فيها دمّ الحقيقة أو ماء الحياة، ومن دون حدّ سكين القول الروحي أو المنطق الروحي، نصوص بشكليات لاهوتية لا معنى لها تموّه الحقيقة وتجمّل الواقع، كل هذا لن يجعل المجمع بلا معنى وحسْب، بل أيضاً، وهو الأهم، سوف يضرّ بهيبة الشهادة الأرثوذكسية من الآن وإلى الأبد.
لا ينبغي أن ينعقد المجمع إلا إذا كان عنده ما يقوله ويظهره على درجة كافية من القوة ليحيي آمالنا وينير ظلمتنا ويلغي الشكوك التي يسببها السياسيون ونفعيو عصرنا الأنانيون الموجودون حتى بين رجال الدين. إن العالم كله عطِشٌ إلى الحقيقة والأمل والنور والقدرة والحياة والأصالة. هذا ما نفتقده في عصرنا. نحن محقونون بالأكاذيب والتنازلات والرداءة والنفعية المشبوهة والأديان الميتة والإيمان الفارغ من الجوهر، والتعصب الديني الخالي من المضمون، والاستعراضات الضحلة والسخيفة والمعانقات السطحية.
نحن لم نعد نحتمل أن نعاني من الدهرية والتلفيق والتعتيم وازدواجية اللغة ولاهوت العلاقات العامة: إن هذا يسبب انحطاط الكنيسة عن كونها سر إعلان اﻹله الحقيقي وتجلّي إرادته، إلى توليفة شبه دينية ذات توجّه عالمي. نحن نرجو ونصلّي أن يكون المجمع شهادة على الوحدة التي، على اﻷكيد، ليست شيئاً صغيراً بل هي رسالة نبوية. بالواقع، حقيقة أن كل هذه الكنائس اﻷرثوذكسية، بالرغم من هذا التنوع الكبير باللغات والعقليات، بالرغم من أخطائنا وضعفاتنا البشرية، بالرغم من سوء فهمنا وتناقضاتنا واختلافاتنا الممكنة وصراعاتنا، سوف تجتمع وتعلن أنها تشترك باﻹيمان الواحد باﻹله الثالوثي وبيسوع المسيح اﻹله–اﻹنسان، وبأسرار الكنيسة وبالشعب، وهذا اﻹيمان هو ما نعترف به ونعلنه: إنه إيمان عظيم ومقدّس وهو وحده ما يجعل المجمع عظيماً ومقدساً. مهما كان أساس هذا المجمع يجب أن يكون ملهَماً من الله. 
على غرار المجامع اﻷخرى، يجب أن يترك أثراً على التاريخ ويضفي الشرف والقيمة على عصرنا كما لم يفعل أي شيء آخر، يجب أن يترك علامة لا تمحى على حياة الكنيسة. إنه صوت الله اليوم وإلا لا قيمة له، وصمته يكفي.
نحن لا نتمنّى سماع كلمات الأساقفة المعاصرين البشرية ولا لنعرف أفكار مَن هم أكثر علماً وذكاءً من بينهم. نحن نريد أن نسمع صوت الله من شفاه أساقفتنا وأكثر من ذلك من انعقاد مجمعنا. إن لم يتعزَّ العلمانيون المسيحيون اليوم، إن لم نكن مدعومين ومستنيرين، إن لم تشِر اﻷجيال القادمة إلى هذا المجمع كنبع للحقيقة التي لا تُضحَد، فلماذا انعقاده؟ إن غاية وسبب وجود الكنيسة لا يمكن أن يكون عادياً ولا من العيار الوسط ولا قليلاً، وما هو متوقع من المجمع قوله وما عليه قوله ليس قليلاً على اﻷكيد.
لقد مرّت ألفية استوحت حكمة لاهوتية كحكمة القديس غريغوريوس بالاماس، وخبرة العبادة المستمرة غير المنقطعة كما درسها بالحقيقة قديسون كالقديس نيكولا كاباسيلاس والقديس سمعان التسالونيكي، وزمان الاعتراف ودم الشهداء الجدد، إنها ألفية روّاها عرق النساك الكبار كالقديس سيرافيم ساروفسكي والقديس باييسيوس المعاصر، إنها مختومة بعلامات القديسين ومعالجاتهم إلى يومنا هذا كمثل القديس نكتاريوس والقديس لوقا أسقف القرم، وقديسو الكنيسة الروسية وكنائس البلقان واليونان والعالم كله. إن شقّ الطريق عبر بحر نعمة الله ومن ضمن الوحدة الكنيسة يجب تسجيله على أنه الغاية الجديدة والرسالة اﻷكيدة للمجمع العظيم. اليوم وقد صار اﻹنسان آلة بيولوجية أو وحدة اجتماعية أو تراجع إلى كيان سريع الزوال أو جهاز للفكر المتحكَّم به، كيف يمكن للشهادة اﻷرثوذكسية عن جماعة الله، المنقوشة والمدونة بخبرة كنائسنا وأديارنا وفي أسرارنا وحياتنا، ألا تكون دعوة جهورية من كل اﻷرثوذكس في زماننا؟
في زمن الاضطهاد الغدّار الضاري للكنيسة، زمان الاختناق الروحي غير المسبوق والتشوّش وحيرة اﻷمم “من عجيج البحر” (لو 25:21)، الزمن المملوء بالمعاناة، من المستحيل أن نتخيّل أن مجمع اﻷرثوذكس العظيم والفريد سوف يكتفي بالتقارير الإخبارية أو برسالة مع صور مجردة من المعنى وجافة في المحتوى. هذا المجمع هو الوحيد من بعد الانشقاق. إن انفصال الغرب عن جذع الشجرة الكنسية سبّبَ بالتأكيد أخطاء وأدّى إلى تعاليم مختلفة ومعتقدات هرطوقية، لا يمكننا اليوم أن نلوم مسيحيي الغرب بسببها كما يظهر غالباً.
على المجمع مسؤولية ضخمة لحمايتنا من كل خطر من هذا النوع، وعدم التعامل بقسوة ومن غير شفقة مع أولئك الذين عن غير قصد ورثوا الخطأ، بل تحديد الخطأ بألم ومحبة ودقة لاهوتية.
في نفس الوقت، على المجمع أيضاً مسؤولية فوق الوصف بأن، أولاً وقبل كل شيء، يتحدّى اﻷرثوذكس لكي يتوبوا حتى يعيشوا الحقيقة التي ورثناها أو اكتشفناها بنعمة الله.
يجب أن نتوب أولاً إذا كنا نريد عودة الآخرين. وإذا كنا لا نعيش هذا فإن الأرثوذكسية التي نعترف بها تنقصنا، وإذا كان المجمع لا يقول لنا ذلك، قد يكون كبيراً ولكنه ليس أرثوذكسياً.
هل المسكونية هرطقة؟ أيمكن لها أن تكون مبادرة مباركة في بعض الحالات؟ هل معاداة المسكونية مقبولة دوماً عند الله؟ أيمكن أن تكون الكنيسة واحدة وليست جامعة ومقدسة، أي أنها تركّز على الاعتراف اﻷرثوذكسي وليس على الشهادة التبشيرية؟ أيمكن أن تكون جامعة من غير أن تكون واحدة، أي أن تسعى إلى وحدة المسيحيين مضحية بفرادتها، أي بتعبير آخر مضحية بوعيها بأنها الكنيسة الواحدة المقدسة والرسولية؟ نحن نتوقّع من هذا المجمع أن يتحدّث إلى اﻷرثوذكس بشكل مقنِع عن فرادة الكنيسة وقداستها وجامعيتها ورسوليتها في حوار أصيل مفعم بالتوبة والقداسة العملية، وبأن يتحدّث باحترام ومحبة إلى أصحاب المعتقدات اﻷخرى لكن ليس بنثر خالي الوفاض أو كلام حلو وفارغ من أجل الحفاظ على التوازن العالمي. علينا أن نتعلّم الاحترام التقليدي الذي أظهره أسلافنا في القسطنطينية وأظهروا أنهم مستعدين وراغبين بالموت.
قال يوسف بريانيوس [1]: لن ننكرك أيتها اﻷرثوذكسية، ولن نكون كاذبين معك أو مع تقليدك. نحن وُلِدنا لك وسوف نحيا بك وفيك سوف نرقد. وإذا استدعت اﻷزمنة فسوف نموت من أجلك مرات كثيرة“.
إن لم يكن عملنا المسكوني تبشيرياً أو نبوياً لا يمكن أن يكون أرثوذكسياً ولا كنسياً. أيها الإخوة، أطلب منكم جميعا أن تمتلكوا اليقظة المتواضعة والصلاة القلبية للنضال والتوبة، لكي أنّ الله يعطي المجمع صوته ولكي يكون سبب انعقاده موحى من الله، ولكي تنبعث قلوبنا في القناعة بأن “حيّ هو الرب” اليوم.
نحن بحاجة كبيرة إلى هذا: كل واحد منا! فقط بهذا يكون المجمع مقدساً وليس بالتدبير. إن لم يكن المجمع مقدساً فلن يكون كبيراً ولا عظيماً وإن لم يكن عظيماً فالسؤال حول جدوى انعقاده سوف يكون اﻷكبر. 
 
عن موقع 
_________________________________________________

[1] راهب في دير ستوديون في القرن الخامس عشر، كتب الكثير من الدراسات حول اﻷرثوذكسية وضد وحدة الكنائس العشوائية.