مسحة الروح القدس

مسحة الروح
1- المسيحيون الكاملون الذين حسبوا أهلاً للوصول إلى مقاييس الكمال والالتصاق جداً بالملك (المسيح)، هؤلاء يكرسون انفسهم دائماً لصليب المسيح
وكما كانت المسحة في أيام الانبياء هي أثمن من جميع الاشياء - اذ أن المسحة جعلتهم ملوكاً وانبياء، هكذا الاشخاص الروحيون الآن، الذين يمسحون بالمسحة السماوية فانهم يصيرون مسحاء بحسب النعمة، فيكونون هم ايضاً ملوكاً وانبياء للأسرار السماوية. هؤلاء هم أبناء وأرباب وآلهة، مأسورون ومستعبدون لنعمة الله، ومستغرقون في العمق، مصلوبون ومكرسون. فان كانت مسحة الزيت، التي استخرجت من نبات مادي - من شجرة منظورة لها كل هذه القوة، حتى أن اولئك الذين مسحوا بها، نالوا كرامة فوق كل اعتبار - فانه هكذا كانت القاعدة الثابتة التي بها يعينون ملكاً، فداود مثلاً بعد أن مسح، وقع في الحال في اضطهاد وآلام، ثم بعد سبع سنوات صار ملكاً - فكم بالحري جداً كل الذين يمسحون في العقل والإنسان الباطن بدهن البهجة (عب 1 : 9) الذي يقدس ويبهج، الدهن السماوي الروحاني، ينالون علامة ذلك الملكوت الذي لا يفنى، والقوة الأبدية، عربون الروح (2كو 5 : 5)، أي الروح القدس المعزي. وهو يسمى المعزي لأنه يعزي اولئك الذين في الشدائد.
الدخول منذ الآن ومعاينة النور
 2- فهؤلاء اذ قد مسحوا من شجرة الحياة - أي يسوع المسيح الغرس السماوي، فانهم ينالون امتياز المجيء إلى درجات الكمال، درجات الملكوت والتبني، ويكونون مشاركين حقيقيين في أسرار الملك السماوي وخفاياه، اذ يدخلون بحرية إلى القدير، يدخلون في قصره حيث يكون الملائكة وأرواح القديسين، وهم يدخلون منذ الآن بينما هم لا يزالون في هذا العالم. 
ورغم انهم لم ينالوا الميراث الكامل المعد لهم في ذلك الدهر، فانهم متيقنون - عن طريق العربون الذي قد نالوه الآن - كانهم قد كللوا وملكوا، واذ هم عتيدون أن يملكوا مع المسيح، فانهم لا يستغربون وفرة وحرية فيض الروح. لماذا؟ لأنهم حصلوا - وهم لا يزالون في الجسد - على لذة حلاوته وعلى عمل قوته الفعالة.
3- فحينما يكون انسان ما صديقاً للامبراطور، ويعمل في قصره ويتعرف على أسراره وخفاياه، وينظر أرجوانه، فاذا صار ذلك الإنسان هو نفسه امبراطوراً فيما بعد، وتوج فانه لا يندهش أو يصدم (بما في القصر) حيث انه سبق أن تدرب طويلاً في أسرار القصر وخفاياه. فلا يستطيع شخص ساذج أو جاهل أو غريب عن خفايا القصر أن يدخل القصر ويملك، بل يستطيع ذلك فقط اولئك الذين لهم خبرة وتدرب، وكذلك المسيحيون الذين سيملكون في الدهر الآتي، فانهم لا يستغربون، اذ انهم سبق أن تعرفوا على أسرار النعمة وخفاياها. فحينما تعدى الإنسان الوصية ألقى الشيطان على النفس حجاباً مظلماً. ثم تأتي النعمة فتزيل الحجاب تماماً، حتى أن النفس اذ تصير نقية، وتستعيد طبيعتها الأصلية، وتصير صافية بلا عيب، فانها تنظر دائماً بصفاء - بعينها النقية - مجد النور الحقيقي، وشمس البر الحقيقية ساطعة بأشعتها داخل القلب نفسه.
4- وكما انه في نهاية العالم تزول السماء (الجلد) ويعيش الأبرار حينئذ في الملكوت والنور والمجد ولا يعاينون شيئاً آخر سوى المسيح وهو في المجد جالس دائماً عن يمين الآن، هؤلاء الناس يختطفون منذ الآن إلى ذلك الدهر الآتي ويؤسرون، وهناك يعاينون كل أنواع الجمال والبهاء والعجائب.
فنحن رغم اننا على الأرض فان "مدينتنا هي في السموات" (في 3 : 20) اذ فيما يخص العقل والإنسان الباطن، نصرف وقتنا ونقوم بانشطتنا في ذلك العالم. وكما أن العين الظاهرة - عندما تكون صافية - ترى الشمس دائماً بوضوح، هكذا العقل المطهر تماماً فانه دائماً ينظر مجد نور المسيح ويكون مع الرب ليلاً ونهاراً، كما أن جسد الرب المتحد باللاهوت هو دائماً مع الروح القدس.
قوة عمل النعمة وتأثير الخطية
 ولكن الناس لا يصلون إلى هذه المقاييس في لحظة، بل بالتعب والآلام والجهاد الكثير. لأن البعض منهم تعمل النعمة معهم وتسكن فيهم، ومع ذلك فالشر ايضاً يعمل فيهم في الداخل فكل من النور والظلمة له عمل وتأثير على القلب الواحد بعينه.
5- ولكنك ستسألني قائلاً: "أي شركة للنور مع الظلمة" (2كو 6 : 14) وكيف يتأثر النور الالهي أو يظلم؟ وكيف يمكن أن يتلوث ما هو طاهر ونقي؟ كما هو مكتوب "النور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه" (يو 1 : 5) ولكننا لا يجب أن نفكر في هذه الأمور من وجه واحد وبدون تدقيق. فالبعض من الناس يستقرون في نعمة الله ويعتمدون عليها لدرجة عظيمة، حتى انهم يصيرون أقوى من الخطية التي فيهم وينعمون بنعمة الصلاة وراحة كثيرة في الله، ولكنهم في لحظة أخرى يكونون تحت تأثير الأفكار الشريرة وينخدعون بالخطية بالرغم من كونهم لا يزالون في نعمة الله.
ولكن الناس ذوي العقول الخفيفة - الذين لم يدركوا حقيقة الأمر - حينما تعمل فيهم النعمة، إلى حد ما، فانهم يتخيلون انه لم يبق هناك شيء اسمه خطية. أما الذين لهم تمييز وفطنة فلا يجرؤون أن ينكروا اننا حتى مع حصولنا على نعمة الله فاننا معرضون لتأثير الأفكار الشريرة والمنجسة.
6- لقد وجدنا أمثلة كثيرة بين الاخوة الذين حصلوا على فرح عظيم ونعمة هذا مقدارها حتى انهم لمدة خمس أو ست سنوات متتابعة جفت فيهم الشهوة ولكنهم بعد ذلك حينما ظنوا انهم صاروا أحراراً تماماً منها، فان الشر الذي كان مختفياً تحرك عليهم ثانية واشتعلت فيهم الشهوة، حتى انهم تعجبوا وقالوا "من أين جاء علينا وقام ضدنا هذا الشر بعد كل هذا الوقت الطويل"؟
فلا يجرؤ انسان ذو عقل سليم أن يقول "حيث أن النعمة حاضرة فيَّ فأنا حر من الخطية على الإطلاق" والحقيقة فإن كل من النعمة والخطية يكون لها - في ذلك الوقت - عمل وتأثير على القلب.
والذين ليس لهم خبرة في هذه الأمور، حينما تعمل فيهم النعمة بعض العمل، يتصورون انهم قد وصلوا إلى الظفر الكامل وصاروا مسيحيين كاملين.
ولكن من جهتي أنا أقول أن حقيقة الأمر هي هكذا: حينما تكون الشمس في السماء مشرقة في جو صاف ثم تأتي السحب وتحيط بها وتغطيها، وتجعل الجو معتماً، فان الشمس مع ذلك تكون بعيدة جداً ولا يضيع شيء من نورها ولا من جوهر طبيعتها، هكذا هو الأمر مع اولئك الذين لم يتطهروا ويتنقوا تنقية كاملة. انهم يكونون في نعمة الله، ولكنهم ممسكين تحت السطح بالخطية ولذلك فان حركاتهم الطبيعية، وأفكارهم الحقيقية، متجهة بقوة إلى الله وبالرغم من ذلك فانها ليست مرتبطة ارتباطاً كلياً بالصلاح.
7- ومن الجهة الأخرى فهناك البعض الآخر هم ممسكين في العمق بقوة الخير والصلاح - قوة النعمة ومع ذلك لا يزالون في عبودية وخضوع للأفكار الشريرة وجانب الشر. لذلك فالأمر يحتاج إلى افراز كثير لكي يعرف الإنسان بالاختبار أن حقيقة الأمر هي هكذا. واني أذكر لكم انه حتى الرسل رغم نوالهم المعزي في داخلهم لم يكونوا خالين تماماً من الخوف فالى جانب امتلائهم من الفرح والبهجة كان فيهم ايضاً خوف ورعدة ناشئة من النعمة نفسها وليست ناشئة من جانب الشر، وكانت النعمة نفسها تحفظهم. وتحرسهم لكي لا ينحرفوا أقل انحراف.
فاذا رمى انسان حجراً صغيراً على حائط فانه لا يضر الحائط ولا يحركه من مكانه وإذا أطلق سهم على رجل يلبس درعاً فانه لا يضر لا درع الحديد ولا جسم لابس الدرع لأنه ينعكس ويرتد إلى خلف. هكذا حتى إذا اقترب جزء صغير من الشر، من الرسل فانه لم يكن ليجرحهم أو يضرهم لأنهم كانوا مكتسين بقوة المسيح الكاملة واذ كانوا كاملين، كانت لهم الحرية الكاملة لعمل البر بكل أنواعه.
8- أن البعض يقولون أن النفس بعد نوالها النعمة تصير بلا خوف ولكن الله يطلب ارادة النفس - حتى في الكاملين - لتصير في خدمة الروح، لكي يعملا كلاهما في توافق واتفاق.
فالرسول يقول "لا تطفئوا الروح" (1تس 5 : 19) فالبعض منهم كانوا غير راغبين أن يثقلوا على غيرهم، والبعض كانوا يسيرون على حدتهم، والبعض الآخر كانوا يأخذون من العائشين في العالم ويوزعون على الفقراء. وهذا كان أفضل.
لأن البعض تكون فيهم النعمة فيهتمون فقط بنفوسهم بينما يسعى آخرون لمنفعة نفوس اخوتهم ايضاً وهؤلاء أفضل من الآخرين. 
والبعض من الذين لهم النعمة يسلمون اجسادهم للتعييرات والآلام من أجل اسم الله وهؤلاء ايضاً افضل من اولئك. والبعض في سعيهم إلى الفضيلة يميلون إلى التشامخ والى نوال الكرامة والمديح من الناس، ويقولون انهم مسيحيون وشركاء للروح القدس. وآخرون يجتهدون في اخفاء انفسهم حتى من مقابلة الناس وهؤلاء أفضل من اولئك الآخرين. وهكذا ترون انه حتى في الكمال تكون الارادة الصالحة نحو الله المتوافقة بتكامل مع الارادة الطبيعية هي التي تعلو وتتفاضل كثيراً جداً.
الحديث الروحي بدون تذوق واختيار
 9- فاذا كان انسان فقير، يرى نفسه غنياً في حلم الليل، وحينما يستقيظ من النوم يجد نفسه فقيراً عرياناً مرة أخرى. كذلك الذين يتحدثون الحديث الروحاني ويظهرون كأنهم يتحدثون بكفاءة تامة، ولكنهم أن لم يكنوا حاصلين على الشيء الذي يتحدثون عنه، متحققاً في قلوبهم بالتذوق والقوة والاختبار الشخصي فاننه لا يكون لهم سوى مظهر باطل وخيال وهمي.
أو مثل امرأة مزينة بالحرير ومتحلية بالجواهر وتعرض نفسها في مكان الفساد والعار، هكذا يكون قلب هؤلاء الناس مأوى للأرواح النجسة فانهم يسرعون إلى التكلم والحديث عن البر بينما هم لم يتمتعوا حتى بنظرة لهذه الحقائق.
10- السمكة لا تستطيع أن تعيش خارج الماء، ولا يستطيع أحد أن يمشيء بدون قدمين، أو يرى النور بدون عينين أو يتكلم بدون لسان أو يسمع بدون اذنين. 
هكذا بدون الرب يسوع وعمل قوته الالهية، لا يستطيع أحد أن يعرف أسرار الله وحكمته، أو أن يحصل على الغنى الحقيقي ويصير مسيحياً. فان الحكماء المحاربون ، الشجعان، فلاسفة الله هم اولئك الذين ينقادون ويتغذون وينضبطون في الإنسان الباطن بالقوة الالهية. أن فلاسفة اليونانيين يتعلمون صناعة الكلام بينما الآخرون هم "عاميون في الكلام" (2كو 11 : 6).
ولكنهم يبتهجون ويفرحون متهللين بنعمة الله لأنهم رجال تقوى فلنحكم ايهما أفضل. فالرسول يقول "ملكوت الله ليس بكلام بل بالفعل والقوة" (1كو 4 : 20).
11- فانه من السهل جداً على أي انسان أن يقول: "هذا الخبز مصنوع من القمح". ولكن كان ينبغي أن يخبرنا عن كيفية اعداده وعجنه بالتفصيل. هكذا فان التحدث عن التحرر من الأهواء وعن الكمال هو أمر سهل ولكن خبرة الوصول إلى الكمال ليست أمراً هيناً.
فالانجيل مثلاً يقول في اختصار "لا تغضب، لا تشتهي" وايضاً "من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر ايضاً ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، فاترك له الرداء أيضاً" (مت 5 : 39، 40).
ولكن الرسول اذ يتتبع كيفية تتميم عمل التطهير فانه بصبر ومثابرة قليلاً قليلاً يعلمنا بالتفصيل مغذياً اياناً باللبن كالأطفال ثم يأتي بنا إلى النمو والى النضج الكامل. فالانجيل قال: أن الثوب مصنوع من صوف الحملان (مت 7 : 15)، ولكن الرسول أعلن بالتفصيل كيفية صنعه.
12- هكذا أولئك الذين يتحدثون بالأحاديث الروحية، بدون أن يتذوقوا ما يتحدثون عنه فانهم يشبهون انساناً مسافراً في صحراء مقفرة تحت أشعة الشمس المحرقة، وبسبب عطشه فانه يتخيل صورة ينبوع ماء جار ويرى نفسه وهو يشرب منه، بينما تكون شفتاه ولسانه كلها جافة مشتعلة من شدة العطش الذي يتملكه، أو كمثل انسان يتحدث عن العسل ويقول انه حلو، مع انه لم يذقه قط، ولذلك فانه لا يعرف قوة حلاوته. 
هكذا هي حالة اولئك الذين يتحدثون عن الكمال والفرح، والتحرر من الأهواء دون أن يكون فيهم العمل الفعال أو المعرفة الشخصية لهذه الأمور، وليست الاشياء كلها كما يصفونها هم. وإذا حسب انسان من هذا النوع، أهلاً لأن يكتشف الحقيقة، فانه يقول في نفسه اني لم أجد الحقيقة كما كنت أظن، فاني كنت اتحدث في اتجاه، والروح يعمل في اتجاه آخر.
13- لأن المسيحية هي في الحقيقة طعام وشراب، فكلما أكل الإنسان منها ازداد قلبه ولعاً بحلاوتها، ولا يتوقف أو يكتفي بل يطلب المزيد ، ويستمر يأكل بلا شبع أو امتلاء. فاذا أعطي شراب حلو لانسان عطشان، فانه بعد أن يتذوقه يزداد ظمئاً اليه، ويشتاق إليه بحرارة أكثر من الأول. والحقيقة أن مذاقة الروح تشبه ذلك، ولكن بغير حدود، حتى انه لا يوجد شيء يمكن أن يمثل به، وهذه ليست مجرد كلمات. فهذا هو فعل الروح القدس وعمله الذي يعمله في الخفاء في القلب.
القداسة هي نقاوة القلب 
أن البعض يتصورون أنهم صاروا قديسين بسبب امتناعهم عن الزواج وعن بعض أمور أخرى منظورة، ولكن الأمر ليس كذلك. فان الخطية لا تزال تعيش وترفع رأسها في العقل وفي القلب. فان القديس هو ذلك الذي يتنقى ويتقدس في الإنسان الباطن.
وحيثما يرفع الحق رأسه، فهناك يبدأ الشر هجومه محاولاً أن يخفي الحق ويحجبه.
14- وحينما كان اليهود يمتلكون الكهنوت، فان بعضاً من تلك الأمة كانوا يضطهدون ويتألمون بسبب ثباتهم في الحق، مثل اليعازر والمكابيين. 
والآن بعد الصليب وانشقاق الحجاب، فارقهم الروح، وكشف الحق هنا وهو يعمل هنا (في المؤمنين بالمسيح)، وهكذا فان البعض من هذه الأمة يضطهدون بدورهم. أن الاضطهاد والشدائد وقعت على تلك الأمة، لكي يستطيع محبي الحق أن يشهدوا له لأنه كيف يظهر الحق أن لم يكن له أعداء، الذين هم الكذبة والمقاومون للحق؟
وحتى بين الأخوة، يوجد البعض ممن يحتملون آلام وشدائد كثيرة، ومع ذلك يحتاجون إلى احتراس كثير لكي لا يسقطوا.
فواحد من الأخوة كان مرة في صلاة مع آخر، وأسر من القوة الالهية واختطف ورأى اورشليم العليا ومناظرها المضيئة، والنور اللانهائي ، وسمع صوتاً يقول هذا هو مكان راحة الأبرار، وبعد وقت قصير، انتفخ في نفسه وظن أن الرؤيا التي رآها هي مختصة به وتنسب اليه، وبعد ذلك سقط إلى اعماق الخطية، وآلاف أمور شريرة.
15- فان كان الذي دخل إلى الداخل والمتقدم كثيراً سقط هكذا، فكيف يستطيع الشخص العادي أن يقول "اني بصومي وتغربي، وتوزيع كل أموالي قد صرت قديساً؟".
أن مجرد الامتناع عن الشرور ليس هو الكمال - بل أن دخلت إلى قلبك الخرب وذبحت الحية القتالة التي تكمن تحت العقل، تحت سطح الأفكار، وتختبئ داخل ما نسميه - مخادع النفس ومخازنها الخفية - فان القلب هوة عميقة - فقط أن كنت تقتل هذه الحية وتخرج خارجاً كل ما كان فيك من النجاسة فحينئذ تتحول إلى النقاوة. فان كل الفلاسفة والناموس والانبياء بل مجيء المخلص كل هذا من اجل الطهارة. فكل الناس يهوداً كانوا أم أمماً يحبون الطهارة، رغم انهم لا يستطيعون أن يكونوا اطهاراً فينبغي أن نستمر في البحث عن الكيفية والوسائل التي نحصل بها على نقاوة القلب.
طريق النقاوة
 وبالتأكيد لا يوجد طريق آخر سوى بواسطة ذلك الذي صلب لأجلنا. فهو الطريق والحياة والحق، والباب والجوهرة، والخبز الحي السماوي. وبدون هذا الحق تستحيل معرفة الحق، أي يستحيل الخلاص.
فكما انه من جهة الأمور المنظورة، قد تخليت عن كل شيء ووزعت أموالك، هكذا أيضاً من جهة الحكمة العالمية، فان كان لك علم وفصاحة كلام، فانك ينبغي أن ترذلها وتعتبرها كلا شيء، حتى تستطيع أن تتهذب وتبنى "بجهالة الكرازة" (1كو 1 : 21)، هذه الكرازة التي هي الحكمة الحقيقية التي لا تعتمد على عظمة وغرور الكلام، بل لها قوة تعمل بفاعلية بواسطة الصليب المقدس. 
 
فالمجد للثالوث الواحد في الجوهر إلى الأبد. آمين. 
 
مكاريوس الكبير 
عن كتاب 
عظات القديس مقاريوس الكبير 
ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد