من صفات تلاميذ المسيح

مزايا تلاميذ الرّبّ 
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
تلاميذ الرّبّ يسوع مساكين، وجياع، وباكون!
 أوّلاً، هم مساكين لأنّهم فقراء، بالنّسبة إلى ما في هذا الدّهر.
 هم فقراء لأنّهم لا يطلبون شيئًا، ولا يريدون شيئًا، ولا يتمسّكون بشي،ء في هذا الدّهر. يكفيهم أن يأكلوا كفافهم، وأن يشربوا، وأن يكون لهم لباس بسيط، على ما قال الرّسول بولس: "وإن كان لنا قوت وكسوة، فلنكتفِ بهما".
 تلميذ الرّبّ يسوع فقير، لأنّه يطلب الغنى السّماويّ.

الرجاء المسيحى

أولاً: نظرة العهد القديم إلى الرجاء 
فى العهد القديم لا يوجد مفهوم محايد “ للتوقع” أى الرجاء. فالتوقع يكون إما توقع للخير أو توقع للشر، ولذلك فهو إما “رجاء” أو “خوف”. لذلك فالرجاء يختلف لغويًا عن الخوف من المستقبل.

نحن والثالوث القدّوس


... وخلق الله الإنسان على   صورته   ومثاله.
على صورته، لدى العديد من الآباء، بمعنى المواهب الطبيعية، وعلى مثاله بمعنى المواهب الروحية
انطلاقاً من هذا الفهم، لا يسعنا أن نتكلّم على الله إلاّ في إطار صورة الله ومثاله فينا . ما نختبره كمخلوقات هذا نستطيع أن نتكلّم عليه وكذا ما يُعطى لنا من مواهب الروح القدس. 

البركة المعطية للحياة

البركة المعطية للحياة 
التعليم الإفخارستى للقديس كيرلس الأسكندرى [1]
نبذة تاريخية 

تدبير الخلاص الإلهي عند القديس يوحنا ذهبي الفم

1 ـ تدبير الخلاص بين علم اللاهوت والتدبير والروحيات:
لابد من الإشارة إلى حقيقة هامة في خدمة ذهبى الفم،
 وهى أنه لا يخلط فكره اللاهوتى بالفلسفة، وذلك رغم تتلمذه على ألمع فلاسفة عصره ليبانيوس الذي درس الفلسفة والبلاغة والخطابة في أثينا، وأسس مدرسة في إنطاكية وتهافت عليها الطلاب، ومن بينهم يوحنا ذهبى الفم وكان ذلك حوالى سنة 354. 

مواهب الأرثوذكسية

ما المميّز في الأرثوذكسية؟

 أيّ مقومات تحدد هوية الأرثوذكسية في إطار التعددية والدهرية وما بعد الحداثة الحاضرة؟
 إن لهذه الأسئلة أهمية هائلة لمستقبل الأرثوذكسية ورسالتها الفاعلة في العالم. إنها أسئلة تتعلّق بفهم الذات: مَن نحن، كيف نرى ذواتنا، ما هي قيمنا، ما هي الأوجه المميِزة لحياتنا المشتركة، ما هي السمات أو المعالم التي تحدد شخصيتنا وسلوكنا.

التجديف على الروح القدس

 يقول وحي المخلص المقدس "كل خطيئة تُغفر للناس  أما التجديف على الروح القدس فلن يغفر لا في هذا العالم ولا في الآتي"[1].
 فلنبحث إذاً عن ماهية التجديف على الروح القدس.

التعاليم اللاهوتية واللغة رؤية أبائية


مقدمة:
اللاهوت θεολογία)) هي كلمة يونانية تتكون كمعظم الكلمات اليونانية من مقطعين الأول  (Θεός  ) ويعنى الله  والثاني (λόγος  ) أي الكلام  أو الحديث، فيصير المعنى: الكلام  عن الله أو الحديث في الإلهيات.

الميلاد

 عيد ميلاد المسيح كإنسان هو رأس الأعياد، بحسب ما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم.
 كل أعياد السيد الأخرى – الظهور، التجلّي، الالام، الصليب، القيامة والصعود – تتبع الميلاد. من دون الميلاد لم كانت القيامة لتكون، وبالطبع من دون القيامة لم يكن هدف التجسّد ليتحقق.

خلق الإنسان على صورة الله ومثاله

مقدمة: 
تمثل عقيدة "خلق الإنسان على صورة الله ومثاله"
 بُعدًا أساسيًا وجوهريًا في التعاطى مع موضوع الإنسان وغاية وجوده. فلا يمكن أن يكون هناك إجابة على التساؤل عن غاية الإنسان وهدف وجوده إلاّ إذا وضعنا أمامنا هذه الحقيقة الكتابية والإيمانية بأن الإنسان قد خُلق على صورة الله ومثاله[1].

محنة العقل في البحث عن الله

أقليل هم الّذين يخلصون؟
 هذا سؤال طرحه التّلاميذ على الرّبّ يسوع المسيح له المجد. جوابه، الّذي لم يكن جوابًا بالمعنى الدّقيق للكلمة، كان:
 اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيِّق (لو 13).

اللاهوت الأرثوذكسي والعلم

هناك حدود واضحة وجليّة بين اللاهوت والعلم.
 فاللاهوت، بحسب ما يفترض المصدر اليوناني للكلمة، معني بالله: ما هو الله وكيف يصل الإنسان إلى الشركة معه.

التألّه والأرثوذكسية

في كنيسة المسيح الأرثوذكسية،
 يحقق الإنسان التألّهَ لأن نعمة الله، بحسب تعليم الكتاب المقدس وآباء الكنيسة، غير مخلوقة.
الله ليس جوهراً وحسب، كما يؤمن الغربيون، بل هو قوة أيضاً. لو كان الله جوهراً فقط، لما كنا نستطيع أن ننضمّ إليه وأن نشترك به، لأن جوهر الله مهيب وغير مدرَك من الإنسان، بحسب القول الكتابي:
 "لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ" (خروج 20:33)

شجرة المعرفة وشجرة الحياة


تقول إحدى طروبريات عيد الميلاد أن المسيح، بتجسده، هو شجرة الحياة.
 طروبارية تقدمة الميلاد مميزة، فهي تقول: "استعدي يا بيت لحم، فقد فُتحَت عدن للجميع، تهيئي يا أفراثا، لأن عود الحياة قد ظهر في المغارة من البتول. لأن بطنه قد ظهر فردوساً عقلياً فيه الغرس الإلهي، الذي إذ نأكل منه نحيا ولا نموت، المسيح يولَد منهضاً الصورة لتي سقطت منذ القديم".
في هذه الطروبارية، آدم الجديد الذي هو المسيح يقابل آدم القديم. آدم الأول أكل من الشجرة، فقد الفردوس وبهذا سبّب المرض لكل الجنس البشري مع دخول الفساد والموت، بينما آدم الجديد، الذي هو المسيح شجرة الحياة، فيعطي الحياة لكل الذين سوف يتّحدون به. الفردوس الجديد هو رحم والدة الإله، وبالطبع الكنيسة، وشجرة الحياة هو المسيح نفسه. يمكن للمتحدرين من آدم أن يأكلوا من هذه الشجرة ويتمتعوا بالحياة الحقيقية.
في ما يلي سوف أعرض ما كانت عليه شجرة الحياة هذه في الملكوت وكيف صار المسيح بتجسده شجرة الحياة بالنسبة للبشر.
-1-  الشجرتان في الفردوس الأصلي
يحفظ العهد القديم بعض الإشارات عن حياة آدم وحواء المباركة في الفردوس. بحسب تعليم الآباء القديسين، الفردوس كان حسياً وعقلياً. كان عقلياً لأنه كان شركة الإنسان مع الله، لأن نوس آدم كان في حالة من الاستنارة بعد الخلق، وبقوة الله وتكافله كان قادراً على بلوغ التألّه. والفردوس كان حسياً أيضاً لأنه كان مكاناً محدداً.
كان في الفردوس أشجار كثيرة، لكن إثنتين منها كانتا مختلفتين. الأولى كانت شجرة المعرفة التي أُمِر آدم بألاّ يأكل منها.
 And the Lord God commanded the man, saying, 'From every tree in the garden you may freely eat; but from the tree of the knowl­edge of good and evil you shall not eat, for in the day that you eat the fruit of it, you shall surely die" (تكوين 16:2-17). 
الشجرة الأخرى كانت شجرة الحياة. يقول العهد القديم، أنه بعد أن عصى الإنسان وأكل من شجرة معرفة الخير والشر، طرده الله من الفردوس.
 " and He placed Cherubim at the east of the garden of Eden, and a flaming sword which turned every way, to guard the way to the tree of life " (تكوين 24:3).
 إن سبب طرد الله للإنسان بعد عصيانه كان أنه بعد سقوطه لم يكن مسموحاً له أن يأكل من شجرة الحياة.
 " And now, lest he put out his hand and take also from the tree of life, and eat, and live forever -" " (تكوين 22:3).
إذاً يظهر أنه كان في الفردوس شجرتان ذات معنى وهدف استثنائيين، شجرة معرفة الخير والشر  وشجرة الحياة. 
من واحدة أكل الإنسان ومات ومن الأخرى كان الإنسان ممنوعاً أن يأكل حتى لا يبقى في حالة السقوط والشر إلى الأبد.
 وهكذا نرى هنا محبة الله للجنس البشري. فهويطرد الإنسان من الفردوس حتى لا يبقى عرضةً للموت إلى الأبد، بل ليتوب وفي الوقت المناسب، بتجسّد ابن الله، يتذوّق شجرة الحياة ويتخطّى الموت ويدخل مجدداً إلى الفردوس. إذاً طرد الإنسان من الملكوت لم يكن عقاباً من الله، بل عمل محبة وإحسان.
-2-  التفسير الآبائي للشجرتين
إن الآباء القديسين، في تفسيرهم للكتاب المقدس في إطار حياة الكنيسة وخبرتهم الشخصية، سلّموا إلينا تحاليل ( تفاسير) ممتازة عن هاتين الشجرتين.
علينا أن نشير أولاً إلى تفسير القديس غريغوريوس اللاهوتي لمعرفة الخير والشر. في إحدى عظاته يقول أن هذه الشجرة لم تكن مغروسة في الشر ولا محرَّمَة بسبب الغيرة. هذا يعني أن كلّ ما خلقه الله لم يكن شريراً بل كان حسناً جداً. لم يُمنَع الإنسان من الأكل من هذه الشجرة بسبب الحسد خشية أن يبلغ التأله. إلى هذا، هذه الشجرة كانت رؤية الله. "لأن النبتة كانت رؤية النور".
كان الإنسان ليأكل في الوقت المناسب، لأنه كان بحاجة لأن يتدرّب روحياً، وهذا ما يشكّل تألهه. لقد منعه الله من أن يأكل منها لأنه لم كان ما زال غير كامل ولم يكن بعد مهيئاً كما بشكل ملائم، كما أن الطعام الكامل الجامد يسبب الأذى للذين ما زالوا في حاجة للحليب. الأمر السيء كان أن آدم أكل من شجرة المعرفة "في الوقت الخطأ، بشكل غير ملائم". 
وبما أنه أضاع العلامة وخسر النعمة الإلهية، كان ضرورياً ألاّ يأكل من شجرة الحياة أيضاً، حتى لا يثبت بشكل دائم في السقوط والموت. إن طعم شجرة الحياة كان "عظيماً وباهراً"، ولهذا السبب أمر الرب بأن تُحرَس، ليس من الملائكة ولا رؤساء الملائكة ولا الرئاسات والسلطات ولا القوى بل من الشاروبيم من الصف الأول من الملائكة.
يتبع القديس يوحنا الدمشقي التقليد نفسه، آخذاً بعين الاعتبار تفسير القديس غريغوريوس اللاهوتي الذي يراه بمثابة أبيه الروحي. يكتب الدمشقي أن شجرة المعرفة هي امتحان واختبار ومدرسة لامتحان الإنسان في الطاعة والعصيان. سُمّيت هذه الشجرة شجرة معرفة الخير والشر لأنها تمنح كلّ مَن يأكل منها القوة على معرفة طبيعتها، الأمر الجيّد للكامل والمؤذي لغير الكامل وللذين لا يملكون السيطرة على إحساسهم. أما الشجرة الحياة فسُمّيت هكذا لأن عندها طاقة تقدّم الحياة إمّا لمستحقي الحياة أو لغير المستَعبَدين للموت.
إن هذا التفسير من عند القديس يوحنا الدمشقي يظهِر أن على الإنسان أن يُمتَحَن قبل أن يأكل من شجرة المعرفة ومن ثمّ يأكل من شجرة الحياة ويحيا أبدياً مع الله. من دون الممارسة والتهيئة يستحيل على أي كان أن يبلغ التألّه والشركة مع الله.
-3-  المسيح الإله الإنسان، شجرة الحياة
لم يكن فشل الإنسان في سلوك درب التألّه التي شقّها الله له كارثياً بالنسبة له، أي أنه لم يتحوّل إلى الهلاك الأبدي بشكل نهائي. ما أُخفق في امتحان جنة عدن، حققه المسيح بتجسده.
 من ناحية ثانية، مرّ الإنسان بتجارب هالة، ألم عميق وحزن عظيم. لقد اختبر معنى الموت، وما يعنيه الإبعاد عن الله. يكتشف مَن يقرأ كتابات القديس سلوان الأثوسي معنى أسى آدم. 
لا يستطيع أن يفهم ويختبر أسى آدم إلا مَن أُعطيت له رؤيا الله العظيمة ومن ثم فقدها. وعند هذه النقطة نرى قَدْر القديس سلوان. أنا أزداد قناعة أن لهذا القديس لاهوت مهم ومذهل. كلّ مَن يقرأ كتاباته يحسّ بما تكتنز من القوة العظيمة والحكمة الغنية. لقد كان لاهوتياً بحق لأنه اختبر سقوط آدم وأساه، لكنه اختبر أيضاً الوحدة مع آدم الجديد، أي المسيح.
لقد فتح المسيح بنفسه أبواب الفردوس من خلال تجسدهإنه لا يترك الإنسان يدخل ببساطة، بل إن شجرة الحياة، أي المسيح نفسه، تمضي وتتحرّك نحوه.
 الآن بطن والدة الإله، من حيث اتخذت الطبيعة الإلهية الطبيعة البشرية وقدّستها منذ اللحظة الأولى، هو الفردوس. والكنيسة جسد المسيح المبارَك هي الفردوس العقلي والحسي. كل الذين يعيشون في الكنيسة وهم فعلياً وبشكل فعّال أعضاء جسد المسيح يمكن لهم أن يتذوّقوا شجرة الحياة، وأن يتخطوا الموت ويبلغوا إلى بعد آخر من الوجود. إذ بمعزل عن المسيح يسيطر ظل الموت ومملكته.
من اتحاد الطبيعتين الإلهية والبشرية في أقنوم الكلمة، تصبح الرحلة نحو التألّه أكثر رسوخاً. إذاً الخلاص الآن ليس مسألة طاعة لوصية الله، بل هو شركة الإنسان مع المسيح الإله-الإنسانلذلك في الكنيسة علينا أن نحيا ليس فقط عاطفياً، ولا أن نهدف ببساطة إلى إرضاء أحاسيسنا الشخصية والإنسانية، بل علينا أن نحيا وجودياً متّحدين مع المسيح. ينبغي أن تكون رحلتنا رحلة غلبة الموت. وبالطبع هذا ينجح فقط من خلال تذوّق شجرة الحياة التي هي المسيح الإله-الإنسان.
وهكذا إن تجسّد المسيح أوسع من أي افتداء شرعي أو أي تعبير عن محبة خارجية أو عاطفية. إنه تصحيح لمسيرة السقوط، تمتّع بحياة ما قبل السقوط، واستمرار أكثر أماناً للرحلة نحو التألّه. إنه استمرار لقول المسيح: "لقد أتيت لتكون لهم حياة وتكون حياة أفضل"؟؟؟ (يوحنا10:10). هذه "الأفضل" هي تألّه الإنسان.

-4-  شجرة الحياة في سفر الرؤيا
يتحدث سفر رؤيا يوحنا عن شجرة الحياة. يقول المسيح، مشيراً إلى ملاك أفسس:
 " To him who overcomes, I will give to eat from the tree of life, which is in the midst of the paradise of God" (رؤيا 7:2).
 القديس أندراوس، اسقف قيصيرية، في تفسيره هذه الآية، يقول أن عبارة "شجرة الحياة" هي إشارة periphrastically  إلى الحياة الأبدية التي هي المسيح نفسه:
 "إنّه الإله الحقيقي والحياة الأبدية". إن الأكل من شجرة الحياة ليس أكثر من "المشاركة بأمور الدهر الآتي الحسنة". سوف يعطي الله بركة للأكل من شجرة الحياة للذي يكسب "الحرب ضد الشياطين". وهذا هو النصر على الأهواء التي بها يهاجم الشريرُ الإنسان.
تظهر بعض الحقائق من هذا التفسير.
أولاً، إن شجرة الحياة تتماهى مع الحياة الأبدية والمسيح الذي هو الحياة الحقيقية وشجرة الحياة التي تغذّي كل إنسان.
الحقيقة الثانية هي أن هذه هي عطية كبيرة مُعطاة منذ الآن للإنسان الذي يحيا في الكنيسة التي هي فردوس النعمة الإلهية الجديد،
 لكنها في ما بعد سوف تُعطى كزواج للغالبين. إن ملكوت الله والحياة الأبدية قد بدآ. ليست المسألة مسألة حقيقة في الدهر الآتي. فالأبرار يتذوقونها بالفعل. إنها تظهر من الهالات على رؤوس القديسين لأن القديسين رأوا النور غير المخلوق الذي هو الحياة الأبدية وملكوت السماوات، وهم الآن يعيشونه كخطوبة وفيما آنذاك سوف يكون كمثل زواج.
الحقيقة الثالثة هي أن ملكوت السماوات والاشتراك في شجرة الحياة تُعطى مَن يغلب الشيطان.
 بالطبع، هذا النصر ليس نصر الإنسان بل هو نصر المسيح من خلال الإنسان. لقد انغلب الشيطان والموت والخطيئة بتجسّد المسيح، وهكذا أيضاً قد أعطيت إمكانية الغلبة لكل إنسان يتّحِد بالمسيح الغالب. 
في أي حال، تظهر أيضاً في كتاب الرؤيا حقيقة أن هدف حياة الإنسان الروحية هي الأكل من شجرة الحياة. هذا يمكن تحقيقه من خلال الاشتراك بجسد المسيح ودمه وسوف ينجّز بشكل أكثر كمالاً في ملكوت السماوات بعد المجيء الثاني.

-5- الأكل من شجرة المعرفة

في إشارته إلى أكل آدم من شجرة المعرفة، يقدّم القديس نيقوديموس الآثوسي مقارنات بديعة تظهِر أن نفس الأخطاء التي ارتكبها آدم ممكن ارتكابها اليوم وبأن المسيحيين المعمَّدين في زمننا هذا مؤهَّلون أيضاً على تذوق شجرة المعرفة.
سقوط آدم يكون عندما يصبح نوس الإنسان مشدوداً نحو اللذات الحسّية ويترك ذكر الله. بشكل جوهري هذه هي خطيئة آدم عينها وحالة سقوط آدم عينها. فسقوطه يكمن بشكل أساسي في أن نوسه أظلم ووقع أسير اللذة لأنه لم يتبع وصية الله. أسر النوس هو إساءة خطيرة. إنه جوهر كل خطيئة يرتكبها الإنسان.
لا يقدر أحد على أن يدافع عن استحالة الخضوع لقوة الشيطان. لأنه إذا كان آدم غير كامل مع أن الله هو مَن أوجده وزيّنه بمواهب كثيرة، فلا يستطيع أحد أن يتباهى بأنه كامل لأنه يلبس الفساد والموت. وإذا كان آدم، الذي لم يكن يعرف الخطيئة، قد نظر باشتهاء وأكل تلك الثمرة السارّة، "فكيف أستطيع أنا الشهواني أن أقول بأني أستعمل أشياء العالم المسِرّة بدون هوى وبالتالي أنا لا اسقط؟"
إذا، إن شجرة الحياة وشجرة المعرفة موضوعتان أمامنا في كل يوم. الأولى مُعطاة بوجود الكنيسة التي هي الفردوس الجديد بما تقدمه من الشركة المقدسة وإمكانية بلوغنا التأله بالنعمة. لكننا نُواجَه بشجرة معرفة الشر والخير قبل شجرة الحياة. كل يوم تُمتَحَن حريتنا في ما إذا كنا سوف نتبع ناموس المسيح أو سوف نرفض وصيته، إذا كنا سوف نترك نوسنا يؤسَر بالنعمة الإلهية أو سوف نيقى عبيداً للطبيعة اللطيفة للحواس وأمور المخيّلة.

-6- شجرة عيد الميلاد

أظنّ أن عادة تزيين شجرة في عيد الميلاد ليس مجرد عادة أتت من الغرب وعلينا أن نستبدلها بعادات أكثر أرثوذكسية. أنا لم أغص في تاريخ شجرة عيد الميلاد ومكان نشوئها، لكني أظن أنها مرتبطة بعيد الميلاد ومعناه الحقيقي.
أولاً، إنها غير منفصلة عن نبوءة إشعياء
 " There shall come forth a Rod from the stem of Jesse, and a Branch shall grow out of his roots " (إشعياء 1:11)
 لقد كانت هذه النبوءة في فكر القديس قوزما المنشئ عندما كتب عن المسيح بأنه الزهرة التي خرجت من البتول التي من نسل يسى. الجذر هو يسّى والد داود، العصا هي النبي داود، الزهرة التي أتت من الجذر والعصا هي والدة الإله.
 والثمرة التي أتت من زهرة السيّدة هي المسيح. هذا ما يقدمه الكتاب المقدس بشكل رائع. وهكذا فإن شجرة عيد الميلاد يمكن أن تذكرنا بشجرة نسب المسيح كإنسان، محبة الله، وأيضاً التطهرات المتتابعة لآباء المسيح. وعلى الرأس النجمة التي هي المسيح الإله-الإنسان.
وهكذا، شجرة عيد الميلاد تذكرنا بشجرة المعرفة كما بشجرة الحياة، والأخيرة بشكل خاص. إنها تؤكد حقيقة أن المسيح هو شجرة الحياة وأننا لا نستطيع أن نحقق هدف وجودنا إلا إذا تذوقنا هذه الشجرة "الصانعة الحياة". 
لا يمكن فهم عيد الميلاد من دون الشركة الإلهية. وبالطبع في ما يتعلّق بالمناولة المقدسة، لا يمكن أن تشترك في تألّه المسيح إلاّ إذا كنا قد تغلبنا على الشرير عندما وجدنا أنفسنا مواجَهين بالإغواءات المتعلّقة بشجرة معرفة الخير والشر حيث تُمتَحَن حريتنا.
نحن نفرح ونحتفل أن "عود الحياة قد أزهر في المغارة من البتول".
الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
orthodoxlegacy.org

معمودية المسيح ومعموديتنا


إن العلاقة بين معمودية المسيح في نهر الأردن وبين صبغته الخلاصية على الصليب عندما تخضَّب جسده بالدم، هي علاقة عميقة وسريَّة للغاية،
 فقد اعتمد المسيح في الأردن ليفتتح درب الصليب طريق الخلاص، وأكمل من أجلنا كل بر الناموس، كقوله ليوحنا قبل أن ينـزل إلى الماء، وعِوَضَ كل خاطئ بل عوض البشرية كلها قَبِلَ المعمودية وكأنه يعترف بخطايا جميع الناس.

الكنيسة فى العصور الاولى بين المواهب اللاهوتية والروحية والتدبيرات المادية والحياتية

أمن المسيحيون الاوائل بأن الخليقة الجديدة للانسان هى أساس السلوك الجديد وان الروح النارى هو الذى يدبر امورهم الروحية والجسدية فى الكنيسة و فى العالم باجتهاد وان القوة التى تخرج من هاتين اليدين اللتان تعملان فى ضفر الخوص انما هى قوة الروح القدس العامل فى اليد البشرية [1]

الرؤية الابائية الارثوذكسية فى مسألة الخطية الجدية



Τό Προπατορικόν Αμάρτημα

تشكل الرواية المعروفة الواردة فى سفر التكوين او كتاب ميلاد العالم حسب الترجمة السبعينية بشكل عام والاصحاح الثالث بشكل خاص الاساس الكتابى للتعليم حول قضية الخطية الجدية وحسب هذه الرواية الكتابية فأن حواء بعد ان خضعت لاغراء او تجربة الحية
 (الكلمة هى نفسها التى وردت فى الصلاة الربانية بيراسموس) 
πειρασμός 

أكلت حواء من الثمرة الممنوعة أى شجر معرفة الخير والشر(تك 2 : 17 ) وأخذ أدم من أمراته فأكل والنتيجة من وراء معصية الابوين الاولين الموجهة ضد الله هو الطرد من الفردوس 

وتشكل هذه الرواية كما هو معروف مصدرا لحقائق لاهوتية وأنثربولوجية(أنسانوية) هامة جدا لم يتوقف الفكر العقائدى والكنائسى الى اليوم عن دراستها واستخلاص الدروس الخلاصية منها ويشكل التعليم عن الخطية الجدية فصلا اساسيا فى كل لاهوت كتابى وعقائدى والاساس هنا هو ما كتبه بولس الرسول فى رسائله وخاصة فى المقطع الهام والمرتبط فى التقليد الكنسى بالخطية الجدية (من أجل ذلك كأنما بانسان واحد دخلت الخطية الى العالم وبالخطية الموت وهكذا أجتاز الموت الى جميع الناس اذا أخطأ الجميع فأنه حتى الناموس كانت الخطية فى العالم على ان الخطية لا تحسب ان لم يكن لها ناموس لكن قد ملك الموت من أدم الى موسى وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدى ادم الذى هو مثال الاتى ولكن ليس كالخطية كذلك ايضا الهبة لانه ان كان بخطية واحد مات الكثيرون فبالاولى كثيرا نعمة الله والعطية بالنعمة التى بالانسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين وليس كما بواحد قد أخطأ هكذا العطية لان الحكم من واحد للدينونة واما الخطية فمن جرى خطايا كثيرين للتبرير لانه ان كان بخطية الواحد قد مات الكثيرون فبالاولى كثيرا نعمة الله والعطية بالنعمة التى بالانسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين وليس كما بواحد قد أخطأ هكذا العطية لان الحكم من واحد للدينونة واما الهبة فمن جرى خطايا كثيرة للتبرير لانه ان كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد فبلاولى كثيرا الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون بالواحد يسوع المسيح فاذا كما بخطية واحدة صار الحكم الى جميع الناس للدينونة هكذا ببر واحد صارت الهبة الى جميع الناس لتبرير الحياة لانه كما بمعصية الانسان الواحد جعل الكثيرون خطاة هكذا أيضا بأطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبرارا وأما الناموس فقد دخل لكى تكثر الخطية ولكن حيث كثرت الخطية أزدادت النعمة جدا حتى كما ملكت الخطية فى الموت هكذا تملك النعمة بالبر للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربنا ) رو 5 :12 –21 

ونحن نود فى هذه العجالة ان نعرض لاهم معالم تعليم الكنيسة الارثوذكسية الجامعة عن الخطية الاصلية ونتائجها ومردوداتها وعلاقتها بالتجسد وهى كالاتى

أولا – ان طبيعة الانسان 

Η Φύσις τού Ανθρώπου 

هى خليقة الله ولهذا فهى 
فى أصالتها الاولى مقدسة وهى تأخذ قداستها من الشركة مع الله والطبيعة البشرية هى على صورة(أيقونة) الله ( فخلق الله الانسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا وأنثى خلقه ) تكوين 1 : 27 
(Καί έποιήσεν ό Θεός τόν άνθρωπον κατ΄είκόνα Θειού εποιήσεν αύτόν άρσεν καί θήλεν έποιήσεν αύτούς ) 

وهى أى الطبيعة البشرية على هذا الاساس فى شركة مع الاصل الالهى للصورة عن طريق شركة نعمة الطاقات 

Η Φύσις τού άνθρώπου είναι δημιουργία τού Θεού καί ώς ταιύτη μετέχει τής Θείας ένεργείας (Χάριτος)τού ύπερβατικού Αρχετύπου) 

الخارجة من الاصل فالبر الاصلى او اصالة البر هو الحالة الاصيلة والاصلية للطبيعة البشرية والتى كخليقة الله تستمد وجودها وكيانها من الشركة مع الله فالشركة مع الله ليست هى شئ مضاف الى الانسان كهدية خارجة عن كيانه ووجوده بل هى الطبيعة البشرية ذاتها فى اصالتها وجمالها وفى ذلك يقول أغريغوريوس النيسى ( ان طبيعة حياة البشر هى قريبة للطبيعة الالهية )  باترولوجيا جريكا 44 
ومع ان الطبيعة الانسانية الاولى هى مغمورة فى الاساس بالشركة مع الله الا انها لديها الامكانية الحقيقية لعمل الشر ولكن الله لم يخلق الشر (ورأى الله أن كل ما صنعه هو حسن جدا) تك 1 :31 
ولهذا شجبت المسيحية البدعة المانوية نسبة الى مانى لانها تعلم بوجود الهين اله للخير واله للشر ففى داخل نفس الطبيعة البشرية وضع الله بذار حرية الارادة اى أمكانية رفض الاصالة الموهوبة فى الخلق فالانسان الاول او المخلوق الاول هو الكائن المخلوق على صورة الله لديه الامكانية والحرية منذ البدء أن يقبل وأن يرفض الصورة الالهية اى ان لديه الامكانيات ان يسير فى طريق عكس طريق الله ورغم انه مخلوق بلا خطية وقابل لان يعيش اذا اراد بلا خطية الا أنه لديه الحرية أن يختار الخطية فهو بالطبيعة غير مخلوق للخطية وبالارادة هو حر 
Φύσιν άναμάρτητον καί θελησιν αύτεξούσιον

ولقد كتب أثناسيوس الكبير ضد أبوليناريوس يقول (لقد خلق الله الانسان غير قابل للخطية بالطبيعة ولكن يمكن ان يخطئ بالارادة الحرة وحينما نقول ان الانسان لا يخطئ لا نقصد أنه لا يقبل الخطية او أنه معصوم ولكن نقصد أنه لا يحمل الخطية فى طبيعته ولكن أمكانية الخطية تقع فى الارادة الحرة ) باترولوجيا جريكا 26 
أذن ما هى الخطية الاصلية ؟ الخطية الجدية والتعبير- لا أصل له فى اللاهوت الشرقى(المطران جورج خضر- الله والألم -جريدة النهار اللبنانية السبت 28-8-2010) -                                 هى تحقيق الامكانية الموجودة داخل الطبيعة لارتكاب الخطأ وهى أى هذه الميول فى ذاتها ليست خطية بطبعها بل هى ميول طبيعية وتحول ارادة الانسان هذه الميول الى خطية وهذا يقع فى نطاق حرية الانسان وهذه الخطية ثقلت طبيعة البشرية كلها وصار كل أنسان بعد السقوط وحتى لو لم يكن مسيحيا ويوجد فى هذا العالم ويشارك فى صنع تاريخه صار مشاركا ايضا فى تشوه (وليس تدمير) الاصالة الاولى التى للطبيعة البشرية وهذه الطبيعة المنحرفة عن رتبتها الاولى يستعيدها كل انسان وكل الانسان فى صيرورة الله أنسانا فى المسيح اى أن الوعى اللاهوتى الارثوذكسى يرى ان الانسان بعد السقوط هو خاطئ بكل المقاييس ولكنه ليس فقط خاطئا لأنه فى الطبيعة البشرية ذاتها أختلط الاصيل بالخسيس اى أختلطت القداسة بالخطية وصارت الشركة مع الله او ما تبقى منها من اشواق دفينة فى الطبيعة البشرية تسير جنبا الى جنب مع وتوجد جنبا الى جنب مع الضد لها اى الخطية فالانسان لا يصير خاطئا بل يولد خاطئا وتعود هذه الحقيقة الى سقوط المخلوقين الاولين اى ادم وحواء وهؤلاء فقدوا المجد الالهى الذى كان يظلل طبيعتهم قبلا
 كما يقول يوحنا ذهبى الفم (مع انهما كانا عريانين الا ان ثوب المجد الاتى من فوق كان يغطيهم) باترولوجيا جريكا 53 : 131 
ولكن فهم أباؤنا الاولين كم هو قاسى وبرده قارص هذا العالم الذى وجدوا فيه بعد السقوط لانهم بدون الله (عرفا أنهما عريانين) تك 3 :17 ولانه بدون شركة النعمة فان الوعى الانسانى والهوية البشرية ستبقى بلا رجاء وذلك لأن سقوط المخلوقين الاولين والتى يشهد عنها الاسفار المقدسة والتقليد الابائى للكنيسة تشكل اول لقاء بين الانسان وماساة العدم واللامعنى فى الوجود وحسب شهادة سفر التكوين فأن السقوط شكل أول لقاء بين الانسان والتعب وعرق الجبين ولقمة الخبز وبولس يرى فى هذا السقوط بشكل خاص موت الانسان لانه طالما الانسان يوجد خارج الفردوس فهو دائما مهدد بشبح الموت ولانه بدون الله فالانسان حسب تعبير فرويد (كائن يسير فى طريق الموت) وفى الزمان والمكان الذى كان يجب فيهما الكلام الدائم عن الله ومع الله اى التمجيد الدائم فى حياة العائلة الاولى وبيت الله واول مسكن لله مع الناس هناك يجرى الكلام برعب شديد عن قصة الخديعة الكبرى (فقال الرب الاله للمرأة ما هذا الذى فعلت؟ فقالت المرأة الحية أغرتنى فأكلت )تك 3 :13 وعن الخوف (سمعت صوتك فى الجنة فخشيت لانى عريان فأختبأت)تك 3 :10 وصار الناموس الالهى مطاردا لضمير الانسان(من أعلمك أنك عريان هل أكلت من الشجرة التى أوصيتك أن لا تأكل منها )تك 3 :11 والالم والشقاء (تكثيرا أكثر أتعاب حبلك وبالوجع تلدين اولادا والى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك )تك 3 :16 
وهذه كلها تمثل القليل من مظاهر حياة الانسان بعد السقوط والذى يعيش مائتا او يموت عائشا وهو واقف امام الفردوس الذى طرد منه (فطرد الانسان وأقام شرقى جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة )تك 3 :24 وأدم او الانسان الذى عرف منذ البدء ومن خلال وصية الله (وأخذ الرب الاله أدم ووضعه فى جنة عدن ليعملها ويحفظها وأوصى الرب الاله أدم قائلا من جميع شجر الجنة تأكل أكلا وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتا تموت )تك 2 :15-17 عرف ادم من خلال الوصية امكانية عمل الشر الان يعرف واقعية الشر اى الخطية وبدلا من ان يحقق التماثل بالله الذى وعدتهم به الحية دخل الموت الى تاريخ الناس ولانه بدون الشركة مع الله تتوقف الطبيعة البشرية ان تكون اصيلة اى تتوقف ان تكون طبيعة طبيعية اى تصير غير طبيعية
 Γίνεται παρά φύσιν 
ويصير الوجود والكيان الانسانيان بالسقوط فاسدان اى لاوجود الهى لهما اى تحيا فى العدم اى تسقط من علوها وهذا الفساد هو هو الخطية لانه بدون الشركة مع الله يموت الانسان مادام من المسلم به أن الشركة مع الله هى حياة الانسان كأنسان 
Η κοινωνία τού Θεού είναι ή ζωή τού άνθρώπου ώς άνθρώπου 

فالخطية الجدية عامة وايضا كل خطية شخصية خاصة تمت نتيجة فشل محاولة الانسان فى ان يحقق ذاته ويصير شخصا حيا وهى بالتالى فقد خاصيته كمخلوق حر مادامت أصالة الخليقة الاولى تتناسق تماما مع الشركة مع الله لان كل خطية وكل الخطية هى ضد نعمة الله تلك النعمة التى بها تم خلق العالم (التكوين ) وحفظه (الشريعة والانبياء ) وبها خلص العالم (التجسد) وهذا الضد اى الخطية هو هو الموت وفى الرؤية المسيحية نعتبر الموت أمر غير طبيعى لان الخطية امر ضد الطبيعة أى غير طبيعى الشركة مع الله هى تعدى الموت اى رفع الموت 
والخطية هى ضد هذه الشركة اى الخطية هى امر غريب ومضاد لاصالة الانسان كأنسان ولقد وجد الانسان فى العالم الذى عاش فيه بعد السقوط وهو يخيم عليه شبح الخطية الجدية ولقد مثلت الخطية الجدية للبشرية التى عاشت فى الحقبة ما بين ادم والمسيح أى عصر ما بين السقوط والفداء واقعا مرا فلقد أعتبرها اساتذة العقيدة على أنها (حالة خطية فعلية) البروفسور أندروتسوس : العقائد ص 145 
فالخطية الجدية كمرض أصاب الطبيعة الانسانية جعلت الخطية الفعلية أمرا حاضرا وواقعيا فى التاريخ(وحدث اذا كانا فى الحقل ان قايين هجم على أخيه هابيل وقتله) تك 4 : 8
 قبل أن يقرر كل أنسان فى مرحلة ما بعد السقوط وما قبل الفداء ان يفعل الخطية ولقد فقد الانسان كل انسان وكل الانسان الاصالة الاولى اى القداسة وما يضادها اى السقوط وخطية ادم وخطية كل انسان يتشكلون كامكانيات فى الطبيعة وواقع الشروط اللازمة لاختبار حرية الانسان
الانسان المدعو ليصير شخصا بعمل الصلاح فالخطية الجدية ليست هى الخطية الشخصية لكل أنسان ولكنها الفساد الذى أصاب كل الطبيعة البشرية وهذا لا يبرئ باى حال الانسان من المسئولية ولا العقاب لانه هو وبارادته الحرة يحول تيار الفساد الموروث الى خطايا فساد فعلية
يعاقب عليها القانون الوضعى قبل القانون الالهى ولأنه لو أكتفينا بالقول اننا ورثنا مجرد فعل الخطية وليس فساد الطبيعة فكان يمكن لله كما يقول المعارضون ان يغفر وهو فى سماه بدون عناء التجسد ويكون المسيح مات بلا سبب على حد تعبير بولس وتصير الكنيسة والاسرار مجرد (شبه) للامور السماوية على حد تعبير أغناطيوس الانطاكى (الرسالة الى المغنيسيين الاباء الرسوليون منشورات النور 1984 ص 122 ) ويصير المسيحيون مشبهون بالله وليسوا مؤمنون بالله المتجسد فى تاريخ الناس وتصير الاسرار مجرد ذكريات واشجان واصوات وحركات وليست نزول السماء على الارض وتنتهى الكنيسة بان تصير مؤسسة اجتماعية يسود فيها روح العالم وليست مكان للروح وتقديس الانسان وتوبات وتجليات وشركة وحب وتواضع وغفرانات ومواهب وبشارة كما تشهد الكتب الليتورجية
 اذن لقد ورثنا الضعف والفساد والاهتراء والتشوه البشرى ولم نرث الخطيئة فنحن نرث ضعف أدم ولا نرث معصيته ولهذا لا نستطيع أن نقول ان كل ألم هو بالضرورة خطية شخصية أو عقاب على الخطية فهذا نهج يهودى أو متهود (لا هذا أخطأ ولا أبواه ) يو 9 :3 (المطران جورج خضر نفس المرجع السابق) ويعتبر كل أنسان جزء من هذه الطبيعة وممثل لها وحامل سماتها وفى هذا كتب كيرلس الاسكندرى فى تعليقه على الاية 18 الواردة فى الاصحاح الخامس من رسالة رومية ونورد النص باللغة اليونانية للتدقيق العلمى ثم محاولة ترجمة للغة العربية 

(Νενόσηκεν ούν ή φύσις τήν άμαρτίαν διά τής παρακοής τού ένός ,τουτέστιν Αδάμ ούτως άμαρτωλοί κατεστάθησαν οί πολλοί,ούχ ώς τώ Αδάμ συμπαραβεβηκότες , ού γάρ ήσαν πώποτε ,αλλ, ώς έκείνου φύσεως όντες τής ύπό νόμον πεσούσης τόν τόν τής άμαρτίας . Ωσπερ τοίνυν ήρρώστησεν ή ανθρώπου φύσις έν Αδάμ διά τής παρακοής τήν φθοράν....ούτως άπήλλακται πάλιν εν Χριστώ) Κύριλλος Αλεξανδρείας ,Είς Ρωμ.ε,18,P G 74,789 AB 

لقد عرفت الطبيعة الخطية بعصيان الواحد اى ادم وصار الكثيرين خطاة ليس لانهم اشتركوا مع ادم فى فعل الخطية لانهم لم يكونوا معه حينما أخطأ 
ولكن لانهم قائمون فى طبيعة ادم وهم كائنون مع الطبيعة التى سقطت تحت ناموس الخطية وهكذا أصاب المرض الطبيعة البشرية فى ادم وبالعصيان دخل الفساد والذى خلصت منه البشرية فى المسيح 
ان جوهر الخطية الجدية وكل خطية شخصية - والتى تتعارض مع جوهر الانسان -هو التجديف والاهانة لله عن طريق محاولة الاستقلال عن الله بكسر الوصية وناموس الله وحسب عقيدة الخطية الجدية فأن حرية الانسان النسبية أدت الى السقوط وفقدان الشركة مع الله وهذا السقوط تم فى الطبيعة البشرية والتى اى الطبيعة التى صارت بعد السقوط تشمل كل الطبيعة البشرية للبشرية جمعاء والتى سيفديها المسيح فالصورة الالهية فى الانسان التى كان مقررا لها حسب قصد الله قبل السقوط ان تصير شخصا اى تنتقل من (على صورتنا) الى ان تصير ( كمثالنا) تشوهت وأعوزها- بسبب السقوط – مجد الصورة الاصلية والتى هى الشركة مع النعمة الالهية وبسقوطها من اصالتها التى منه سقطت من شركة النعمة الالهية صارت غير طبيعية او ضد الطبيعة فالانسان الخاطئ (مش طبيعى) والانسان القديس - انسان طبيعى 

والوعى اللاهوتى الارثوذكسى الابائى يتمسك بمبدأ الخطية كحالة فساد عامة فى الطبيعة وكفعل شخصى محدد 
فهى ابتعاد وانحراف عن القصد النهائى من حياة الانسان فى أصالتها الاولى فالخطية كتجديف على الله هى عبارة عن محاولة الأنا الانسانى الفاشلة لكى يصير شخصا حيا بدون الله اى الاخر(الأنت) فأذا الخطية الجدية هى محاولة الانسان للوصول الى الكمال(ستصيران مثل الله) تك 3 :5 
 ليس بتحقق الطاقات الالهية فيه نحو الصلاح ولكن تم تحقيق هذه الطاقات نحو الشر لأن الطاقة الكامنة فى الانسان التى تدفعه للأكل من الثمرة المحرمة (تك 2 :17 ) أظهرت أن الوصية الالهية قد فجرت داخل ادم وحواء الميل للعصيان وهى هى نفس الوصية التى تدعو الانسان الى الكمال اى الى تحقيق امكانيات النعمة الكامنة في الطبيعة الانسانية لتصير شخصا 
أذن وبتعبير أخر فأن الخطية الجدية ليست هى مسيرة الأنا من الطبيعة الى الشخص ولكنها رحلة سقوط من اصالة الانسان كأنسان الى اللاصالة الى الفردية والانانية وهكذا يسجل التاريخ ولأول مرة فى تاريخ ارادة الانسان الحرة محاولة ان تصير الطبيعة الانسانية شخصا حيا وذلك بدون الله وهى بهذا تتعارض مع نفسها كصورة الله أذن الفشل فى تحقيق القصد من حياة الانسان يمثل الخطية والعوز والفشل وضياع الهدف (وهذا هو المعنى الاصلى للكلمة خطية هامارتيا) فبينما تشكل وصية الله ناموس الاصالة الانسانية وعلى حد تعبير القديس يوحنا ذهبى الفم ( أن الله عندما خلق الانسان وضع فيه الناموس الطبيعى) العظة 12 باترولوجيا جريكا 49 والخطية هى التعدى (1يو3 : 4 )   وهكذا بصيرورته متعديا للناموس صار عدوا لنفسه اى ضد النعمة ويجب ان نؤكد ان التركيز على البعد الشخصى للخطية بدون الالتزام بالبعد الاشمل للخطية وهو فساد الطبيعة لا يتناسب مع التعليم الابائى للخطية الجدية فأباء الكنيسة يعلمون ان طبيعة الانسان صالحة من البدء فهم يؤكدون ان الخطية الجدية قد جلبت الفساد على الطبيعة وهذا الفساد قد تم علاجه فى تأنس الله وهنا يرى الاباء أن كلمة الله المتجسد قد أتحد بكل الطبيعة البشرية وقد ألهها بهذا الاتحاد ففى المسيح تم رفع الفساد اى الخطية الجدية وهذا لا يلغى بقاء الميل الى الخطية ولكن كأمكانية لا تتحقق ففى المسيح لم تعد الخطية الجدية لها وجود كخطية ولكن توجد مجرد ذكرى حزينة لماضى خاطى مع أحساس كبير بالعرفان نحو المخلص فالخلاص الذى تم فى الطبيعة البشرية بتجسد الكلمة التى ادت الى تأله الطبيعة البشرية اى صيرورتها شخصا حيا
 فالانسان يخلص كشخص من خلال التقديس الشامل للطبيعة لانه عند اباء الكنيسة لا تشكل الخطية الجدية تدميرا كاملا لصورة الله فى الانسان ولكن تشويه للصورة 
Δέν είναι καταστροφή της κατ,εικόνα αλλ 
Αμαύρωσις
ولهذا فانسان ما بعد السقوط ليس محروما تماما او عاجزا بالكلية عن عمل الصالحات فالابن الضال الذى استعمل حريته فى ترك الفردوس الابوى للتغرب فى كورة بعيدة ليس هو ابن ضال فقط بل هو لا يزال ابن فالابن الضال ليس هو ضال فقط بل هو ابن ايضا ابن الله ايضا ولعل القوة التى ارجعته لحضن الاب هى قوة الابوة الساكنة قيه كأبن وليس مجرد مذلة الخطية!!  وهذا التركيز الابائى على بنوية الابن الساقط وامكانية عمل الصلاح جزئيا تقف ضد بدعة بيلاجيوس الذى بالغ فى تجاهل عظم الخطية الجدية فلم يقدر ان يفهم تأنس الله حق الفهم ولا قوة توبة الانسان وذلك لان البيلاجية تتجاهل الفساد الذى اصاب الطبيعة البشرية وتكتفى برؤية الخطية كعرض وليس كمرض وهذا العرض اصاب الارادة الانسانية فقط لهذا لايرى اصحاب هذه البدعة الخطية كحقيقة موجودة فى فساد الطبيعة البشرية ولكنها شئ عرضى
 ولقد وقف ضد هذا التيار البيلاجيانى كما هو معروف القديس اغسطينوس والذى كرد فعل شدد على نتائج الخطية الجدية وتنكر لاى امكانيات خير فى الانسان بعد السقوط
 واما الايمان الارثوذكسى الجامع بخصوص الخطية الجدية فيتجنب التطرفات والمبالغات البلاجيانية من ناحية والاوغسطينية من ناحية أخرى وهى تتمسك بالفكر اللاهوتى الواقعى والروحانية المتفائلة وهذه الواقعية التى تميز الفكر الابائى الارثوذكسى تتجنب السقوط فى الفشل واليأس والعدمية من ناحية أن الطبيعة البشرية قد دمرت بالخطية ومن ناحية اخرى تهرب من الاحلام والاوهام بأن كل شئ تماما والامر مجرد خطية عارضة لم تنفذ الى اعماق النفس البشرية وهذه التفاؤل الواقعى فى علاقته بماضى وحاضر ومستقبل الانسان ينبع أنثروبولوجيا وأكليسيولوجيا من التحليل الدقيق لحالة الانسان (من هو الانسان حتى تذكره وابن الانسان حتى تفتقده ..بالمجد والكرامة قد كللته ) عب 1  
ويتأسس لاهوتيا على ارادة الله الصالحة والدائمة السعى لخلاص الانسان ولهذا يتجنب اللاهوت الارثوذكسى الجامع المبالغات الاصلاحية البروتستانتية بخصوص اختفاء صورة الله تماما من الانسان بعد السقوط (كارل بارث)او بعض الاتجاهات العصر اوسطية المبالغة فى التفاؤل والتى ترى ان صورة الله فى الانسان لم تتأثر بالسقوط وان اثر الخطية الجدية لم يكن فى جوهر الانسان بل فى العوارض الخارجية لجوهر حياة الانسان وان الامر يتطلب مجرد ارضاء غضب الله وهذا يكفى (أنسيلم) ويجب الاشارة فى النهاية الى المفارقات بين اللاهوت الغربى واللاهوت الشرقى فيما يخص الرؤية الى الخطية الجدية بل والى كل سر الخلاص فاللاهوت الغربى يفكر حسب ظروفه التاريخية من منطلقات قانونية وسكولاستيكية عصر أوسطية بينما اللاهوت الشرقى يفكر من منطلقات وجودية كيانية وسلوكية ولكننا نلاحظ هذه الايام اتساعا فى الرؤية اللاهوتية من خلال الحوارات اللاهوتية الصريحة التى تجرى بين الكاثوليكية والبروتستانتية ومن ناحية أخرى يلاحظ الدارسون ان الغرب بدأ فى التعرف على التراث الابائى الشرقى بعمق وذلك على يد لاهوتيون كبار أمثال 

R. Guardini-H.De Lubac –H.Urs Von Baltasar-K.Rahner-M.Schmaus 
والذين يتفهمون 
التمييز الارثوذكسى فى موضوع الخطية الجدية بين الطبيعة والنعمة ولقد كان لهذه المناقشات بين اللاهوتيين الغربيين اثرا طيبا على البعد الكنسى الاكلسيولوجى لموضوع الخطية الجدية حيث تم التاكيد على ان البشرية لم تتوقف حتى فى مرحلة ما بعد السقوط ان تنتمى للكنيسة لان تاريخ الكنيسة يغطى أيضا الفترة بين ادم والمسيح بالانبياء (عب 1:1 ) اى ان التراث القديم الذى يتكلم عن الابرار قبل المسيح يرى النور فى تقييم جديد ورؤية كنسية جديدة 
ويجب أن نلاحظ أنه ومن وجهة النظر اللاهوتية فأن قضية الخطية الجدية لا تنحصر جغرافيا فى (أين؟ ) ولا تاريخيا فى (متى؟ ) بل هى وان اشرنا الى بدايات لها ومراحل تاريخية ومكان من أجل التوضيح الا انها تخص الانسان فى كل مكان وكل زمان لان أيمان الكنيسة فى هذه القضية لا يستنفذ فى البحث التاريخى والجغرافى ولا يقتصر عليهما وذلك لانها قضية وجودية كيانية وكونية ولا تقتصر على الشعوب المسيحية فى العالم ولقد قام احد اللاهوتيين الافارقة بعمل بحث عن سقوط الانسان الاول فى التراث الافريقى الغير المسيحى وقارنها بالرؤية العبرنية فى الكتاب المقدس 
Sola Ademiluka (The Fall of Man:A Study of Genesis 3 in an African Background in Bulletin of Biblical Studies ,Athens ,vol. 15 January-June 1996 pp.52-59 

ويجب ان لا تصرفنا البساطة الشكلية لقصة السقوط كما وردت فى الكتاب المقدس ولا تعقيدات الابحاث العقائدية الميتافيزيقة, التى تمت لاحقا وخاصة فى الفكر اللاهوتى فى القرن العشرين(راجع اللاهوت فى القرن العشرين صدر بالايطالية وتم ترجمته باليونانية فى اثينا فى مؤسسة ارثوس زويس عام 2002 )                  يجب ان لا تصرفنا عن الاعلان عن الحقيقة الانسانية الكبرى والتى تشكل جوهر التعليم المسلم مرة عن الخطية الجدية وخاصة التحليل الابائى الرائع لشخصية الانسان وقصته مع الله والذى يمثل أروع صفحات الفكر البشرى الكيانى والواقعى والتى قامت على التفسير الكيانى واللاهوتى والروحانى والانسانى لمعطيات الكتاب المقدس ككل وليس كايات منتقاة بلا رؤية لاهوتية رصينة لتخدم قضايا فرعية هامشية غير شاملة ولا مندمجة فى رؤية لاهوتية مهما كانت اهمية هذه القضايا الفرعية كما يفعل الهراطقة فرواية سفر التكوين التى تشير الى اصالة الانسان الاولى ورغم بساطتها المتناهية التى أعثرت المفسرين ونسبوها الى تأثيرات افلاطونية وغنوسية أنما تشير الى حقائق أنثروبولوجية كيانية عميقة وعظيمة والتى تخص اصل ومصير ومستقبل كل انسان فى هذا العالم ولهذا فمن غير المسموح ان تستغل قصة أدم وبشكل تفسير حرفى غير لاهوتى كأساس لتلفيق نظريات لا اساس لها وغير نافعة فى حياة الانسان فالتفسيرت العشوائية والتى لا تصب فى مصلحة حياة الانسان الافضل وخلاصه وحريته وكرامته وحقه فى حياة افضل فى عالم افضل لا تنتمى باى حال الى اللاهوت الارثوذكسى الجامع 
وبالطبع لا يشكل التراث الكتابى والتفسير الابائى لقضية الخطية الجدية -مهما عظمت التفسيرات- نهاية طريق التفسير فلكل جيل الحق فى اختبار وفحص وتفسير التراث كل التراث من اجل خلاص الانسان كل الانسان وكل انسان فى جيله اى من منطلق تساؤلات كل جيل ومشاكله وطموحاته ومن ناحية أخرى فأن الصعوبات التفسيرية والتاريخية التى تطرحها قضية الخطية الجدية على الفكر اللاهوتى ليست سببا باى حال ان نقلل من شأن قضية الخطية سواء أصلية او شخصية وأثرها الانثروبولوجى على الفكر اللاهوتى ويزداد الامر صعوبة حينما يقوم اللاهوتيون والمفسرون والوعاظ بشرح قضية الخطية الجدية وقصة سفر التكوين والتعبيرات الواردة فى التراث الابائى على ضوء ما حققه الانسان المعاصر من تقدم ووعى بذاته ولا يكفى لحل هذه القضايا المصيرية فى حياة الانسان ان نحتقر عقله ونقلل من شأن هذه القضايا الخطيرة تحت مسمى ان هذه القضايا (اسرار) لا تفهم مع ان الكتاب يقول (اننا بالايمان نفهم )عب 11 :3 !!!فيجب على الفكر اللاهوتى اليوم وأمام نضوج الانسان نضوجا كبيرا ان لا يسرف فى استخدام مفهوم ( السر المستيريون) للهروب من مشاكل لاهوتية كبيرة قد لا يجد لها حلا اليوم ولكن وليس من المستبعد ان يوجد لها حل فى المستقبل عن طريق البحث اللاهوتى العلمى الجاد
 فليس المطلوب ان يحل كل جيل كل مشاكل الاجيال اللاهوتية فلنترك شئ للاجيال القادمة وللابدية حيث سنعرف كما عرفنا (بضم العين وكسر الراء)على حد تعبير بولس الرسول وبالنسبة للقضية التى تشغلنا وهى قضية الخطية الجدية فيجب على الفكر اللاهوتى ان يظهر معناها ومكانتها فى حياة الانسان بشكل واقعى وعلمى وروحى وليس بشكل عراكى دفاعى لا يفهم منه الشعب الكثير لخلاصه بتكرار الفاظ معروفة ورش الايات رشا بدون ربط لاهوتى وابائى وتاريخى من النصوص الاصلية واللاهوت مدعوا ان يظهر قيمة هذا التعليم ليس ليس فقط فى حياة اى انسان بل فى حياة الانسان المعاصرخاصة بكل ما انجزه من تقدم ووعى وعلم والاساس العقائدى لهذه القضية هو ان العقيدة ترتبط دائما بفحوى وجوهر حياة الانسان وهذه الحياة تكتمل وتفهم كشركة مع الله 

ومن ضمن القضايا المعاصرة التى تم ربطها بمفهوم الخطية الجدية هو علاقة الخطية بعلم النفس وخاصة المفهوم الفرويدى لاعماق اللاشعور ومهما كانت نتائج هذه الابحاث وقيمتها وضرورة أن يلم بها اللاهوتيون والرعاة فى خطابهم اللاهوتى والروحى الا انها لا تشكل وباى حال من الاحوال المعيار الاول والاخير للانثروبولوجيا المسيحية التى تنطلق من الكتاب المقدس واراء الاباء والاهم ان الخطية الجدية هى مستقلة روحيا واعمق من مجرد بعض حالات الاحساس بالذنب النفسانية والتى يمكن لاى طبيب نفسانى معالجتها والتى تنتج عن بعض الاعمال الناتجة عن الافراط فى استعمال حرية الانسان

 وفى الختام نقدر ان نلاحظ الاتى بخصوص الخطية الجدية  


"1"
 اذا اخذنا الطبيعة البشرية فى اصالتها الاولى سنجدها  
انها مسيحية حسب تعبير ترتليانوس 
Anima naturaliter Christiana 
فالطبيعة البشرية فى برارتها الاولى بدون الخطية الجدية والخطايا الشخصية هى ايقونة الله وهى شاهدة على الليتورجيا السماوية 
"2"
ان الفساد والموت الذى دخل الى العالم عن طريق الطبيعة البشرية    ليس هو فقط (بحسد أبليس ) بل هو وبالدرجة الاولى مسئولية الاباء الاولين-  فأكلت بأرادتى
"3" 

 الخطية دخلت طبيعة البشر كلهم وخاصة الموجودين بعيدا عن سر تأنس الله سواء قديما او حديثا جهلا او رفضا 
"4"
 ان مفهوم وراثة الخطية هو مفهوم سليم ولكن الوراثة توجد فى ان الشر يوجد كواقع فى تاريخ ووجود الانسان كل انسان على الارض ولكن هذا الشر لم يكن موجودا فى خليقة الله الاولى 
ورأى الله كل شئ حسنا جدا 
"5"
أن الفساد الذى حل بالطبيعة نتيجة السقوط لم يكن تدميرا كاملا  لصورة الله فى الانسان بل فساد جزئى أو تشويه للصورة حسب اثناسيوس الرسولى فى تجسد الكلمة فالانسان الساقط هو خاطئ ولكنه ليس فقط خاطئ بل هو ابن ساقط كما سبق وقلنا عن الابن الضال فهو ليس فقط ضال ولكنه ابن أيضا فالانسان الخاطئ هو ايضا مشروع قداسة مثلما ان اكبر قديس هو ايضا خاطئ فالطبيعة الانسانية الساقطة لم تهلك تماما لدرجة العدم كما أنها لم تتقدس تماما لدرجة العصمة 
"6"
الخطية الجدية هى سقوط للانسان ككائن روحى حر ومفكر (وانفتحت أعينهما فعرفا ....) تك 3 : 7 وذلك لان الكائنات الغير العاقلة والتى لا تفكر ولا تعى لا يشعرون بثقل السقوط من الوجود الى العدم ومن الحياة الى الموت ومن الفردوس الى الشقاء وربما يشعر بعض الحيوانات الرقيقة ذات التربية الراقية بالذنب حسب رأى علماء الحيوان 
"7"
 بدون تأنس وتجسد الله تفقد الطبيعة البشرية المتأصلة فى التاريخ أى تاريخ الاصل الاول والصورة الاولى والمحبة الاولى ولهذا فالاحتياج الى الخلاص هو أمر كونى ومسكونى وأنسانى جامع مادام وهذا حق بشهادة الكتاب المقدس ( أجتاز الموت الى جميع الناس اذ أخطأ الجميع ) رو 5 :12 فالجميع بالتالى يعوزهم الخلاص(الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله ) اى مجد الله المعلن فى المسيح بالروح القدس 
"8"
فى تأنس الله تم تأليه الطبيعة الانسانية الفاسدة اى رجوعها الى اصلها واصالتها ورتبتها الاولى وهنا تأخذ الاسرار الكنسية مكانتها فى نقل بركات نعمة الخلاص وزرع الطبيعة الجديدة مكان العتيقة
"9"
 تشكل المعمودية بكل مدلولاتها اللاهوتية والكنسية والروحية الوسيلة الاساسية للخلاص من الخطية الجدية بتجديد الطبيعة و غفران الخطية -  راجع نص طقس المعمودية 
"10" 
أن المقاربة الكتابية والابائية بين أدم والمسيح تشهد بالدرجة الاولى ان المكانة الاولى فى قصة الانسان وخلاصه ليست هى فقط فى مأساة السقوط أى سقوط ادم بل وبالدرجة الاولى فى القيامة قيامة الانسان فى المسيح وهذا يشكل ينبوع لا ينضب للرجاء والامل والتفاؤل للوجود الانسانى كله فى ماضيه وحاضره ومستقبله


البروفسور قسطنطينوس بابابتروس                               

استاذ اللاهوت الابائى بكلية اللاهوت جامعة أثينا 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ***
وردت هذه الدراسة فى الموسوعة الدينية والاخلا قية اليونانية الجزء العاشرص636 -640 عام 1967 ثم أعيد نشرها بتوسع فى كتاب (المداخلات -البروسفاسيس) اثينا 1979 ص 83 -91 ولقد قمنا بالترجمة من المرجع الاحدث والذى قام بتدريسه لنا المتنيح البروفسور باباتروس فى الجامعة باثينا فى الثمانينات(1980 -1984) من القرن الماضى 
تعريب تلميذه الاب الدكتور اثناسيوس اسحق حنين