فليعطينى روحك جسارة المحبة

مُناجاة
إلي شُعاع مجد الآب
الذي أظهر لنا المحبّة الثالوثية
و إتحَّد بالبشرية إتِّحاد أبدي
فأدخلها في شركة لا تنحَّل مع الثالوث
إلي المُحِب الأزلي
الذي علَّمنا أن التواضُع ظِلّ المحبّة
فإنحني يوم الخميس الكبير يغسل أقدامنا
و مازال ينحني يخدمنا و يغسلنا من أوساخنا
إلي رأس الكنيسة
الذي سكب حياته بالتدبير
و مازال يسكبها كل يوم علي المذابح
لنتغذّي و ننمو إلي مِلء قامة الخلقة الجديدة
إلي ربنا يسوع المسيح
حَبّيت فيَّ إيه و أنا مضروب بالموت؟
ده لا منظر لي و لا جمال
محبتك مالهاش سبب
محبتك طبيعتك
تُحرِّكها إرادتك الحُرّة
لو ليها سبب ما تِبقاش حُرّة
لو تِخضَع لضرورة تِبقى مخلوقة

+ + +
كَرَزت لي بالمحبة بينك و بين الآب
محبة أزلية سابقة لزمان وجودي
محبة عطاء كامل للكيان
عطاء حر لا يخضع لضرورة
و في العطاء إخلاء ذات
أنت في الآب و الآب فيك

+ + +
محبتك منذ الأزل أعلَنْتَها في الزمن
محبتك لم تحفظ حياتك لذاتك
محبتك أعطت الكون حياة  
حياة من حياتك يا رئيس الحياة
محبتك خَلَقَت من العدم وجود ..
وجود بك يحيا و يتحرك و يوجد
صَوَّرت الطَبائِع في أشكالها ..
و لم تَطْبَع عليها صورتك ..
المسكونة أصغر مِن صورتك بحدودها ..
تَرَكْت في الأعالي كل الأركان العالية ..
و جَعَلْت لك فيَّ شبهك ..
أوجَدْتَّني مِن العدم بصلاحك ..
ووَضَعْت فيَّ صورتك
صورتك أنت يا صورة الآب
أشركتني في قوّتك الذاتيّة يا حكمة الآب ..
شركة تَبَعِيَّة الظل للنور ..
لأعيش عاقلاً مقدساً ..
أتأملك فأفهَم كياني و أعيش مِلء وجودي فرِحاً
لأنْعَطِف دائماً نحوك فتَجَدَّد قُوي حياتي ..
بشركة قوّة حِكمَتِك أعرِفك فأعرِف الآب
و أُدرِك معني أزلِيٌة حياتك ..
و ما أحتاجه لأحفظ نِعمة الصورة
بشركة حياتك أحيا حياة القديسين للأبد ..
و بشركة الآخر أعيش المحبة كصورة الثالوث
كَمُحِب أزلي أعلَنْت لي:
"إختَرتُك قبل تأسيس العالم ...
نَسَجتُك في بطن الأزل ...
أسَّسْت حياتك فيَّ بالإرادة الأزلية ..
محبتي دعتك للوجود من العَدَم …
أشركتك في حياتي، عِشْ فرحاً .. و أوصيتني: "إبقَ في الشركة فلا تموت موتاً

+ + +
بإرادَتي رَفَضْت الشركة
إستَدَرْت لذاتي
ظَنَنْت ذاتي حياتي
فرَجِعْت لعَدَمي ..
و إختَطَفْت موتي
و فيما أنا حزين هارِب من وجهك
خَجلان عُريان من نعمتك
مُتَعَدِّي حدود طبيعتي
مُزَيِّف وجودي
خائِف من موتي
باحِث عن خلودي
قُلت لي: "لا تخف. محبتي تغرسك في الحياة"
تَعَدِّياتي إستَدْعَت تَحنُنك ..
عَدلُك أمر بإحيائي
صَلاحُك لم يحتَمِل فنائي ..
خَطِيَّتي لم تَغلِب محبتك
محبتك طبعك
طبعك ثابت أزلي لا يحِدّه زماني
ضُعفي طبعي
طبعي مُتَغَيِّر خاضع لتَغَيُّر زماني
الزَمَني لا يَغلِب الأبَدي
سقوطي لم يَغلِب صلاح تَحنُنك الأبدي

+ + +
في مِلء زمان تدبيرك أعلَنْت محبتك بحضورك المُتَجَسِّد
أخلَيْت ذاتك بلبسك صورة العبد
و ألبَسْت جسدي حياتك كثوب..
تَجَسَّمَت محبتك بعطاء أبدي
فأخَذْت كياني حبيباً أبدياً
و أعطَيْتَني ذاتك لأُشارِكَك أبدية حياتك
قَرَّبْت طبيعتي إليك بإتِّحاد أبدي لا يَنحَّل ..
و طَمأنتَني:
”هذا عَهْد محبتي الأبدي …
لا موت يجرؤ علي إرهابك ...
سَكَنْتُ في مدينتك كملك يخافه عدوك ..
أنا فيك و أنت فيَّ “

+ + +
سَلَّمْتَني حياتك يوم خميس عهدك
أعطيتني جسدك و دمك المُتَّحِدين بألوهيَّتك
بَذَلْت حياتك قبل جمعة صلبوتك
مُعلِناً أنك تَضَعْها بسُلطانك وحدك
فأعلَنْت أزليَّة إرادتك التي تسبق زماني
و محبتك الحرَّة التي لا يحدَّها سقوطي 

+ + +
في جثيماني طَلَبْت من الآب لأجلي
طَلَبْت أن يكون فيَّ الحب الذي أحبَّك هو به
وجَّهْت نحوي مَسامِع الآب ..
و جَعَلْت إستجابته حاضرة ..
خَرَجْت كجبار لمُلاقاة الموت
نسيت ذاتك في طريق صلبك
لأنك و أنت الحياة و النور الأزلي
لم تَتَأفأف من ظلمة موتي
لم تَمنَع حياتك عني
مَزَجت حياتك بموتي ..
قَبِلت ذوقه من أجلي
أصاب جسدك فإنعَدَمَت قوته ..
لم يَحتَمِلَك و أنت الحياة بطبعك ..
إبتَلَعك فتَقَيَّأني معك و فيك ..
كغالب في الحروب بموتك أبَدت موتي

+ + +
قُمت كعزيز قدير بطبيعتي ..
فاضَت منك لي قوة ما أكمَلْته ..
رَدتَّني فيك الي عدم الفساد
غَرَست بذرة الخلود في كياني
و سَلَّمتني خلقة جديدة مُمجَّدة
غالبة فساد موتي الأول
و لأن عَهْد محبتك أبدي
أصعدت باكورتي فيك إلي سماك
و هَيَّأْت لي طريقاً أبدياً
طريقاً لا يمنع دخولي فيه كاروباً و لا موتاً
طَمأنتَني لمَّا حملتني فيك إلي السماء ..
فتَيَقَّنت أن إتِّحادك بي أبدي لا إنفصال فيه
غَرَسْت طبيعتي فيك في حضن الآب ..
فيك يا من هو كائن في حِضنه كل حين
و جعلت فيَّ مَسَرَّته
أنت فيّ و أنا فيك 

+ + +
عند صعودك لسماك جسدياً مَلأتَني من لاهوتك
لا لأصير أنت بل لأصير أنا
أنا التي لم تَتَقَزَّز مِن أن تأخُذها الي أقنومك ..
و لم يُلاشيها صلاحك مِن بعد الإتِّحاد
بل حَفِظَت محبتك تَمايُزها في شركة لا تَنحل
شركة مُحييَّة غَرَسَت فيّ مِن أبدية حياتك…
أنا التي حَوَّلْت أنت بدايتها و أصلها الي ذاتك 
و حَفِظْت وجودها فيك وجود جديد أبدي مؤسَّس علي ثبات شخصك …
أنا الجديدة كما رأتها مسرّتك منذ الأزل
إنسان حي لا يقوي عليه موت الخطية ..
إنسان مُتَألِّه بنِعمة شركة حياتك الأبدية ..
إنسان يُمارِس المحبة بحسب الصورة
إنسان حُر لا تَتَسَلَّط عليه الأنا
إنسان مُتأقنِم في حركة خروج دائم
خروج من عدمية الذات
و في الخروج حياة
لأن فيه مثال في كيانك القائم
أنت في الآب و الآب فيك

+ + +
لم تَترُكني يَتيماً
أبوك الصالح أرسل لي بإسمك روحك
الأُقنوم الواحد معك و معه في الجوهر
الروح الذي أعطَيتَني عربون سُكناه لمَّا إستَقَر علي إنسانِيّتك في الأردن ..
الروح الذي نَفَختُه مرة أخري في طبيعتي ..
بعدما قُمت بها مُتَجَدِّدة جاهزة لإستقباله ..
و مَسَحتَني به بعد حميم الميلاد الجديد
مَسحَة ثابتة لسُكني أبدية في هيكلي
روح التَبَنّي يصرخ في قلبي
يُعيد وعيي لهويتي الجديدة
"إبن أشرَكتَني في بنوّتك بنعمتك"
أصرخ بروحك بجسارة "أبّا أيُّها الآب"
فتأتيني الشهادة الأبدية "أنت إبني الحبيب”

+ + +
نَعَم، أعطيتَني روح التقديس
ليَطبَع في كياني صورتك ..
ليُعطِني من ذاته تقديس
فأستَرِد ما هو أصيل في كياني
كياني الذي رأته مسرّتك منذ الأزل …
ليُعطِني من ذاته ثبات
فأثْبُت في الإنسان المُتَجَدِّد حسب الصورة ...
ليُذَكِّرني بما هو حق وغاية لوجودي
فأُحَقِّق كياني و لا أخزل ذاتي بعد.
نعم، أعطيتَني روح المحبة ليَمكُث معي
ليَسكُب في كياني من محبّتك
فأُحِب كما أحبَبت أنت
محبّة أعظم من عمل قوات
محبّة تشهد للعالم عن مَنْ هو المحبّة
محبّة تُذَكِّرني بضَمانتك لعَهدَك و أمانَتك
مازِلت تخدم خلاصي يا قوة الآب
مع أبيك الصالح و روحك القدوس
تركت لي حياتك حاضرة علي المذبح
أتناول من مائدتك السماوية
فأتقوّي بطعام حياتك المحيي
أذوق جسدك و دمك المُتَّحدين بلاهوتك ..
فأنغَرِس في حياة الأبد غالبة الموت ..
و أرجِع من تيهي الي أصل طبيعتي الجديدة
و الي إنساني الفاخر الذي سَلَّمتَني إياه
أشترك في إفخارستيَّتك
فأدخل في شركة الثالوث المُحييَّة
و أنمو في ممارسة المحبة
أنت في الآب و الآب فيك
و بإفخارستيَّتك تَثبُت فيَّ و أنا فيك

+ + +
نعم يا مُعَلِّم المحبّة الحقيقي
بإرادتك و مَسَرَّة أبيك و فِعْل روحك
تنازلت الي طبيعتي المضروبة بالموت
عَلَّمتَني: "مَن يحفظ حياته لذاته يُضيِّعها"
و قلت: "لي سلطان أن أضعها لأجلك”
فتيقَّنت أن في تنازُلك حرية
و أن الحرية هي عماد المحبّة
لا قهر و لا تهديد في المحبّة
الحياة في المحبّة

+ + +
نعم يا مُعَلِّم المحبّة الحقيقي
أريتني فيك المحبّة الحقّة
لمَّا تَجسَّدت و قَبِلْت طبيعة غير طبيعتك
طبيعة مُتمايزة عن لاهوتك
فعرفت: التمايز طريق للمحبّة
أريتني فيك المحبّة الحقّة
لمَّا صُلِبت و قَبِلْت ما هو ضد طبيعتك
الموت الذي قَبِلْت ذوقه في كيانك المتجسد
و أنت الحياة بطَبعِك
دُسته أنت فدُسته أنا فيك
فعرفت: البذل خاتم المحبة
أريتني فيك المحبّة الحقّة
لمَّا قُمْت و صَعِدْت بطبيعتي
طبيعتي التي إتَّحدت بها إتِّحاد أبدي
فغرستها غرس أبدي في شركة الثالوث
فعرفت: عهد الإتِّحاد بلا إنفصال تاج المحبة
نعم يا مُعَلِّم المحبّة الحقيقي
تَحرَكْت بمحبّتك نحوي لأحيا
لم تمسك ذاتك عني
لم تحفظ حياتك لذاتك
وَهَبتَني حياتك بالتدبير الأزلي
و مازِلت تَهِبني حياتك بالسرائر
تَستَعلِن فيها عمل محبّتك الأبدي
عمل تحريرك لطبيعتي من الموت 

+ + +
وَصِيَّة جديدة أعطيتني
وَصِيَّة لائقة بصَلاح خِلْقَتي الجديدة
وَصِيَّة مَدعومة بشرِكتي فيك و بسكيب روحك
وَصِيَّة أن أُحِب كما أحبَبت
و قلت لي: "حِب تَنتَقِل من الموت للحياة"

+ + +
نعم، محبّتك أبديّة لا يَغلِبها زمان ضُعفي
نعم، محبّتك تنقلني من موتي الي حياتي
فليُعْطِني روحَك جَسارة المحبّة



سامر حنا 
من الكنيسة القبطية الارثوذوكسية