يسوع الى اورشليم

دخول يسوع إلى أورشليم في ذكرى الغد عند المسيحيين المشارقة يدل على ارتضائه الموت، هذا الذي جاء يحققه حباً بنا .
هو كان موته من أجل احياء البشر فيه بعد ان صلّى ليكونوا بذلك واحداً به كما هو واحد مع الآب .
ما من شك ان وجهاً من وجوه الفصح ان نكون واحداً مع الآب الذي هو المبتدأ والمنتهى.
الآب كثيراً ما كان منسياً عند عامة المسيحيين وهو الأول والآخر .
المسيح من حيث هو بشر متألم ليس نهاية كل شيء.
ان أنت نسيت انه الطريق إلى أبيه تخطئ فهم خلاصه. كان له ان يدلك أيضاً على انه آخر الطريق بالموت الذي ارتضاه لتكون أنت معه وترث الحياة التي فجرها بالقيامة.
وكان بدء الطريق بالشعانين أي بدخوله أورشليم لتقتله البشرية فيها.
كل البشرية ممثلة باليهود قتلته. مصير ابن البشر كما رسمه الآب ان يقتله الناس اذ كان قبوله هذا القتل علامة حبه والمنفذ إلى قيامته.
ولا تقتله إلا أورشليم ذابحة الأنبياء والمرسلين اليها . في مقاصد الآب ان يموت ابنه قتلاً من قبل الناس وحباً من قِبله. هذا هو سلوك الناس من جهة وسلوك الله من جهة. كان التصميم الإلهي ان يلتقي البشر ومخلصهم بالدم وبالتحرر من الدم إلى الأبد.دخل ابن الانسان مدينة الله في أحد الشعانين في كامل تواضعه ملكاً على البشرية لتقتله هذه بتفويضها قتله إلى اليهود.
وكان هذا في القصد الإلهي اذ كان المسيح هو الذبيح قبل انشاء العالم.
هذا هو السر المكتوم منذ الدهور ان البشرية قتلت مسيح الله مجرمة ثم مغفوراً لها من بعد لأن رد الله على الجريمة الحب.
يدخل يسوع الناصري مدينته المذنبة لأن أباه كتب عليه موتاً كان للبشر جميعاً خلاصاً وقيامة.
ما قاله يسوع وكان جديداً، ما قاله لمرتا أخت إليعازار: "أنا هو القيامة والحياة". كل ما قبل هذا الكلام وعود من الله انه هو يحيي الناس. يسوع الناصري قال عن شخصه انه هو الحياة. وأتى بهذه المفارقة انه ينبغي ان يموت ثم أتبع هذا الكلام بأنه سيقوم.
غير انه لم ينعت قيامته بأنها حادث فقط ولكنه قال أيضا: "أنا القيامة والحياة". هذا ليس له معنى باللغة. هو لم يقل فقط انه يعطي القيامة.
قال عن نفسه انه هو القيامة أي لم يقل فقط: أنا المقيم وكأنه قال: ان أنت كنت فيّ سأدخلك ذات القيامة. هذا ليس له معنى بلغة الواقع لكن يسوع الناصري يحيرك بأنه ينقلك عن واقعك المألوف ليشركك في واقعه.
ما كان السيد المبارك جزءاً من الحياة. كان كل الحياة ولا تستطيع ان تفهم ذلك بالتفصيل العقلي. ينبغي ان يدخلك هو سره لتفهم
وبدء الفهم انه دخل أورشليم لتقتله لمعرفته انه في مكوثه فيها ستذبحه كما ذبحت الأنبياء قبله وانه بهذا يتمجد وتتمجد أورشليم ان تابت. وتنتهي بموته كل إقامة هنا في الأرض اذ بهذا الموت ورثنا الحياة الأبدية الحاضرة بروحه فينا منذ الآن حتى تكتمل الرؤية بالإيمان واقتبال روحه القدوس.
كانت قبل يسوع الناصري شهادات بطولة وكانت بحجمها صورة عن مجد المسيح، هذا الذي بدا عليه لما كان معلقاً على الخشبة. في صلبه وقيامته صار لنا كل المجد.
مجده سطع في تواضعه لما دخل أورشليم . هي ما صارت مدينة الله الا عند قيامته من بين الاموات اذ سطع مجده آنذاك بصورة بليغة. سمو المسيح بدا أولاً لما كان معلقاً على الصليب. والعجائب كانت إفصاحاً عن هذا المجد. 
لكن غلبته على الخطيئة والموت ظهرت جلياً عند موته.
قيامته تعبير آخر عن المجد الذي كان عليه كاملاً لما كان مرفوعاً على خشبة العار. هو الذي حول عار الموت إلى النصر. من هنا انه ليس من فارق في الفاعلية بين موته وقيامته. انه لم يغلبه الموت لحظة. انبعاثه صدر عن الميتة التي رغب في ان يموتها. قيامته من بين الأموات كانت جلاء لنصر حققه على الصليب وبالصليب أتى الفرح لكل العالم. الفصح إفصاح عن ظفر كمل فيه وانتشر على العالمين.
عند موته تم النصر كاملاً وأُعلن عنه إعلاناً بقيامته لأن الخلاص لم يأت فقط من موت. الخلاص كان في شخصه.
في دخوله أورشليم قاتلة الأنبياء أبان مسيرته إلى الموت. وفهمنا بعد هذا ان الشعانين كانت تمهيداً للفصح. حوادث مختلفة أبانت بسبب من محبته انها موصولة، انها مراحل حب واحد وأنت لا تستطيع ان تهمل أية حادثة بين أحد الشعانين وفجر الفصح. كلها فصح واحد لأنه بها كشف تعابير مختلفة لاحتضانه ايانا في حركة حب واحد. ولكن ارتضى هو مشيئة الآب ليعبر خط خلاص واحد في مظاهر له مختلفة بين العشاء السري ونهوضه فجر الاحد العظيم. ولكن بسبب من حبك له لا تقدر الا تجمع في ذاكرتك كل الأحداث التي ذكرها الكتاب العزيز لأنها منذ ليلة التسليم حتى ظفره صباح القيامة تؤلف مطلات واحدة له.
أنت لا يحق لك ان تسمر ألحاظك على حادثة من حوادث الخلاص اذ يجب ان ترافق المعلم الى كل المحطات التي ذكرها الكتاب وبعد كل حادثة له من حوادث فدائه نقول في الصلاة انه أتمها لأجل خلاصنا كأن الخلاص مسيرة تنتهي بالقيامة وعندنا تصير القيامة وعدا بالروح القدس. ولذلك اذا ذكرنا في خدمة الآلام حادثة معينة نقول انه أتمها لأجل خلاصنا.
فكان عليك اذاً أن تستلذ روحياً كل مراحل خلاصه ولا تهمل عملا قام به اذ التأمل بكل أعمال السيد تناول منك لقدسية كل عمل وفرادته. طوبى للذي يعرف ان ينتقل من مرحلة إلى مرحلة في مسيرة الرب بفرح واحد وان يقف عند كل محطة لأن كل ما كتب كتب لأجل خلاصنا.
 فرحنا الكامل ينبع اذًا من كل حدث جرى للسيد ومن مرافقتنا لكل ما قام به المعلم وتركيزا وليس حصرا من العشاء السري إلى لحظة القيامة في انتظار نزول الروح القدس على التلاميذ يوم العنصرة وعلينا في كل قداس إلهي.
بورك السيد في كل أعمال خلاصه وقدر الله لنا ان نذوق كل أعماله واحدا واحدا حتى فجر القيامة التي هي فرح كل العالم.


المطران جورج خضر
2013-04-27
جريدة النهار