أنت مدعو إلى فوق رغم التجارب

خلقنا في حالة البراءة - الشر من حرية الإرادة
1- كل الجواهر الروحانية، أي الملائكة والنفوس البشرية والشياطين، كل هؤلاء قد خلقهم الخالق في حالة البراءة والبساطة التامة.
أما كون البعض منهم قد تحولوا إلى الشر فهذا ناتج من حرية ارادتهم
فباختيارهم حادوا عن طريق التفكير السليم. فاذا قلنا أن الله خلقهم هكذا أشراراً، فاننا بذلك نجعل الله قاضياً ظالماً بارساله الشيطان إلى النار.
أن بعض الهراطقة قد قالوا أن المادة أزلية أي ليس لها بداية، وان المادة هي أصل كل الاشياء. وان هذا الأصل هو القوة، وهي قوة كافية بذاتها.
وهذا الكلام نجيب عليه قائلين: "اية قوة اذن هي القوة الغالبة؟ هي بالتأكيد قوة الله اذاً فالمغلوب ليس معادلاً للغالب لا في القوة ولا في الزمن".
واولئك الذين يقولون أن الشر هو جوهر حقيقي، لا يعرفون شيئاً فبالنسبة إلى الله ليس هناك شر جوهري وذلك لأن الله حسب طبيعته الالهية غير قابل للتألم أو للأهواء، أما فينا نحن قان الشر يعمل بقوة كاملة ويجعل نفسه محسوساً ويوحي بكل الشهوات الرديئة ولكن الشر ليس مختلطاً بنا، كاختلاط الخمر بالماء كما يقول البعض، ولكنه مثل الزوان مع القمح فالقمح وحده والزوان وحده، رغم انهما موجودان في نفس الحقل، كما انه في بيت واحد قد يوجد اللص في جزء منه، ورب البيت في جزء آخر. 
اختلاط الخطية بالنفس
2- أن ينبوع الماء ينبع ماءً صافياً رغم انه يوجد طين أسفل الينبوع تحت الماء. فلو أن احداً حرك الطين، فان الينبوع كله يتعكر.
وهكذا النفس حينما تثار فانها تتنجس وتختلط بالشر، ويصير الشيطان واحداً مع النفس، كروحين متفقين، في فعل الزنا أو في القتل. لهذا السبب "فالذي يلتصق بزانية هو جسد واحد" (1كو 6 : 16) ولكن في لحظة أخرى تكون النفس قائمة بذاتها، تائبة عما فعلته من خطية، وتبكي وتصلي وتتذكر الله، لأنه لو كانت النفس غارقة دائماً في الشر فكيف يمكنها أن تفعل ذلك؟
اذ أن الشيطان لا يريد ابداً أن يأتي الناس إلى التوبة. لأنه خال من كل رحمة أو شفقة. 
شركة الروح القدس مع النفس
والزوجة باتفاقها مع زوجها تصير واحداً معه، ولكنهما في لحظة أخرى يفترقان، لأنه قد يحدث أن احدهما يموت والآخر يعيش. وعلى مثال هذه الشركة تكون شركة الروح القدس مع النفس. فيصيران روحاً واحداً "لأن من التصق بالرب فهو روح واحد" (1كو 6 : 17) وهذا الأمر يحدث عندما يمتلئ الإنسان بالنعمة فتحيطه من كل ناحية. 
3- ولكن يوجد البعض من الذين حصلوا على تذوق الله، ولكنهم لا يزالون خاضعين لتأثير العدو، وهم يستغربون، بسبب نقص خبرتهم انه بعد افتقاد الله لهم بالنعمة فانهم لا يزالون معرضين للشكوك في أسرار المسيحية.
وأما أولئك الذين نضجوا فلا يستغربون هذا الأمر وكما أن الفلاحين المهرة بسبب طول الخبرة، فانهم في زمن الرخاء لا يزال عندهم حذر وحرص، وينظرون إلى أوقات القحط والغلاء، ومن الجهة الأخرى فحينما تأتي أوقات الغلاء والقحط فانهم لا يتضجرون وييأسون لأنهم يتوقعون تغير الحال إلى الأفضل في المستقبل، وهكذا هو الأمر في الحال الروحاني حينما "تقع النفس في تجارب متنوعة" (يع 1 : 2) فحينما تقع النفس في تجارب متنوعة، فهي لا تعتبره أمراً غريباً من ناحية ومن الناحية الأخرى لا تيأس، لأنها تعلم أن التجارب تأتي بسماح لأجل امتحانها وتهذيبها بالشر الذي يقابلها. 
ومن الناحية الأخرى فحينما تكون في غنى كثير واطمئنان فانها لا تتخلى عن اليقظة والحذر، بل تضع في اعتبارها احتمالات تغير الحال في المستقبل. 
أن الشمس التي هي جسم مخلوق، تضيء في الأماكن ذات الرائحة الرديئة ، حيث يوجد الوحل والقاذورات، دون أن تصاب الشمس بأي أذى أو نجاسة، فكم بالحري جداً يحتفظ الروح القدس النقي بشركته مع النفس، حينما تكون تحت تأثير من الشرير، دون أن يصبه (اي الروح القدس) أي شيء من هذا الشر "والنور يضيء في الظلمة والظلمة لا تدركه" (يو 1 : 5)
الرجاء الثابت وعدم اليأس
4- لذلك فحينما يكون الإنسان في عمق (الروح)، وهو غني بالنعمة، لا يزال فيه بقية من الشر موجودة معه. ولكن يوجد له معين قريب منه ليسعفه ويعينه. لذلك فحينما يكون الإنسان في الشدائد وتثور عليه موجات عظيمة من الأهواء فلا ينبغي أن ييأس، لأن اليأس يجعل الخطية تزدهر وتجد فرصة أكثر للتملك على الانسان. ولكن حينما يكون للانسان رجاء مستمر ثابت في الله، فان الخطية تتناقض وتذوي وتجف. 
أن الشلل والتشوهات، والحمى أو الأمراض، هذه كلها ناتجة عن الخطية. 
لأن الخطية هي أصل كل الشرور، وكل الشهوات الناتجة عن أهواء النفس أو من أفكار الشر، انما ترجع كلها إلى الخطية. فان كان هناك نبع ماء جاري - ويحيط به مستنقعات وأراض رطبة موحلة، ومع ذلك فحينما يأتي عليه الحر، فان النبع وما يحيط به من أراض - يجف تماماً.
هكذا الحال مع عبيد الله الذين تفيض فيهم النعمة وتزداد فان هذه النعمة تجفف الشهوة سواء كانت من العدو الشرير، أو الطبيعة، فإن رجال الله الآن، أعظم من آدم الأول. 
الله في كل مكان
5- أن الله غير محدود وغير مدرك وهو يظهر نفسه في كل مكان، في الجبال، وفي البحر، وتحت العمق، ولكن بدون أن ينتقل من مكان إلى آخر مثل الملائكة الذين ينزلون من السماء إلى الأرض. فهو في السماء، وهو هنا على الأرض.
ولكنك ستقول لي :- كيف يمكن أن يكون الله في الجحيم؟ أو كيف يمكن أن يكون في الظلمة ، أو في الشيطان، أو في الأماكن الفاسدة؟
 فأجيبك أن الله غير قابل للتأثر بالشر ويحوي كل الاشياء، لأنه غير محدود، وأما الشيطان الذي هو خليقة الله، فهو مقيد.
أما طبيعة الصلاح (الله) فلا تؤثر فيها النجاسة أو تلوثها كما أن الظلمة لا تستطيع أن تجعله مظلماً. فاذا قلت انه لا يحوي كل الاشياء بما فيها الجحيم والشيطان، فانك بذلك تجعله محدوداً من جهة المكان الذي يوجد فيه العدو الشرير، وعلى هذا الأساس فيقتضي البحث عن واحد آخر أعلى منه.
فالله اذن يلزم أن يكون في كل مكان. ولكن اللاهوت له طبيعة سامية ونقية جداً حتى أن الظلمة، رغم وجودها فيه فانها لا تستطيع أن تدركه أو تفهمه، ولا يستطيع الشرير أن يشترك في نقاوته رغم انه موجود فيه. وبالنسبة لله لا يوجد شر جوهري حيث أن الشر لا يستطيع أن يصيبه بأي أذى. 
لنحول أفكارنا إلى المسيح
6- أما بالنسبة لنا، فالشر حقيقي، لأنه يسكن في القلب ويعمل فيه اذ انه يوحي بالأفكار الشريرة والمنجسة، ولا يدعنا نصلي بنقاوة، بل يجذب عقولنا إلى العبودية لهذا العالم، وقد جعل النفوس ملبساً له وتغلغل حتى إلى عظامنا ولمسها مع أعضائنا. 
فكما أن الشيطان موجود في الهواء، وكما أن الله موجود هناك، فان الله لا يصاب بأي أذى نتيجة وجوده مع الشيطان في الهواء. وهكذا فان الخطية موجودة في النفس ونعمة الله موجودة فيها كذلك دون أن تحس نعمة الله بأي أذى وكما أن الخادم الذي يكون بجوار سيده هو في خوف مستمر بسبب قربه من سيده، وهو لا يفعل شيئاً بدون سيده.
هكذا يجب علينا أن نحول أفكارنا إلى سيدنا المسيح ونكشفها له، وهو الذي يعرف القلب، وليكن في داخلنا رجاء وثقة انه هو "مجدي، وهو أبي، وهو غناي". 
ينبغي أن يكون لك في قلبك حرص ومخافة. فحتى إذا لم يكن الإنسان حاصلاً على نعمة الله مغروسة وثابتة فيه بشدة حتى انها ليلاً ونهاراً وبلا انقطاع تقوده وتوقظه وتحثه على الاشياء الصالحة وتكون مرتبطة بنفسه كما برابطة طبيعية، فعلى الأقل، ينبغي أن يكون له الحرص ، والخوف والاجتهاد، وانسحاق القلب ثابتة فيه باستمرار كأنها حقيقة طبيعية غير متغيرة. 
النعمة تنشئ المحبة الالهية وتغير القلوب
7- ومثل نحلة تضع قرص العسل في الخلية هكذا النعمة تنشئ المحبة الالهية سراً في القلوب وتغيرها من المرارة إلى الحلاوة ومن الخشونة إلى الرقة واللطف، وكما أن الصائغ والنقاش حينما يحفرون أو ينقشون لوحة، فانه يغطي أجزاء من الصور التي ينقشها على اللوحة، ولكنه حينما ينهي عمله، فانه يظهرها لامعة بالنور، هكذا الرب الصائغ والفنان الحقيقي يحفر على قلوبنا وينقشها، ويجددها في صمت وسكون إلى أن يأتي يوم خروجها من الجسد، وحينئذ يظهر جمال النفس بوضوح. 
واولئك الذين يريدون أن يصنعوا أواني، ويصوروا فيها صور حيوانات فانهم يصنعون تصميمهم أولاً على الشمع (قالب)، ثم يصبون المعدن على القالب، وهكذا يكتمل العمل على حسب التصميم الموضوع أصلاً. هكذا الخطية، رغم انها ليس لها جسد، ولكن لها صورة وهي تتخذ اشكالاً كثيرة، وبنفس الطريقة فان الإنسان الباطن هو مثل واحد من هذه الحيوانات (التي ترسم) فان له صورة وله شكل لأن الإنسان الباطن هو على مثال الإنسان الخارجي.
وما أعظم هذا الاناء وما أثمنه اذ انه هو الاناء الوحيد الذي سر الرب به من بين جميع المخلوقات. وأفكار النفس الصالحة هي كحجارة ثمينة ودرر، وأما الأفكار النجسة فهي مملوءة "عظام أموات وكل نجاسة" ورائحة رديئة (مت 23 : 27). 
من هم المسيحيون بالحق؟ 
8- فالمسيحيون اذن هم من عالم آخر وهم أولاد آدم السماوي جنس جديد، أولاد الروح القدس وأخوة المسيح المضيئين، مثل أبيهم آدم السماوي المضيء. وهم من تلك المدينة، ومن ذلك النسب ومن تلك القوة ، انهم ليسوا من هذا العالم، بل من عالم آخر، والرب نفسه يقول "أنتم لستم من هذا العالم كما اني أنا ليست من هذا العالم" (يو 17 : 16). 
ولكن كما أن التاجر الذي كان في رحلة طويلة لأجل تنمية تجارته ويكون قد سبق قبل عودته وأرسل لأصدقائه ليهيئوا له منازل وحدائق وملابس بحسب ما يلزمه وحينما يعود إلى بلدته فانه يحضر معه أموالاً كثيرة ويلاقيه أصحابه وأقرباؤه بفرح عظيم، كذلك في الأمور الروحانية فالذين يجعلون الغنى السماوي هو موضوع عملهم وانشغالهم فان اصدقاءهم وأهل بلدتهم، أي ارواح الصديقين القديسين والملائكة يعرفون عملهم واهتمامهم، ويقولون بفرح واعجاب: "ان اخوتنا الذين على الأرض قد أتوا بغنى عظيم.
فهؤلاء عند رحيلهم من العالم يكون الرب معهم ويسببون فرحاً عظيماً لأولئك الذين هم فوق، واولئك الذين هم خاصة الرب في السماء، يستقبلونهم مجهزين لهم بيوتاً وبساتين وملابس كلها لامعة وثمينة جداً. 
الحاجة للاعتدال والافراز
9- اننا نحتاج إلى الاعتدال والتبصر في كل الأمور، حتى لا تتحول الاشياء الصالحة التي تبدو اننا قد امتلكناها، إلى ضرر لنا. فان الذين هم رحومين بطبيعتهم، إذا لم يحفظوا انفسهم فقد ينزلقون تدريجياً إلى الضلال عن طريق نفس شفقتهم ورحمتهم، واولئك الذين عندهم حكمة يمكن أن تخدعهم حكمتهم. 
فيجب على الإنسان أن يكون معتدلاً ومتزناً معاً في جميع الاتجاهات: بأن يجمع الشفقة والشدة معاً، والحكمة مع حرية التصرف، والقول مع العمل، وفي كل شيء يضع ثقته في الرب لا في نفسه. 
لأن الفضيلة تتبل بتوابل متوعة كثيرة، كما أن طعامنا الضروري يتبل بأنواع من البهارات - ليس بالعسل فقط، بل بالفلفل أحياناً - وهكذا يصير صالحاً ومناسباً للأكل. 
10- واولئك الذين يقولون أن الخطية غير موجودة في الإنسان هم مثل اناس مغمورين تحت مياه كثيرة فائضة، ومع ذلك لا يقرون بأن المياه تغمرهم، بل يقولون: "اننا سمعنا صوت المياه سماعاً" ورغم انهم يكونون مغمورين في عمق أمواج الشر، فمع ذلك يقولون أن الخطية غير موجودة في عقلهم أو افكارهم. 
الفرق بين الفكر النظري وبين الدخول للكنوز السماوية
يوجد فرق عظيم بين اولئك الذين لهم فكر نظري وقدره على الكلام، ولكنهم غير مملحين بالملح السمائي - الذين يتحدثون عن المائدة الملكية دون أن يكونوا قد ذاقوا منها شيئاً أو تمتعوا بها وبين انسان يرى الملك نفسه، وقد كشفت له الكنوز السماوية وقد دخل اليها، وصار وارثاً لها، وهو يأكل ويشرب من المأكولات السماوية الثمينة. 
الحرص وانسحاق القلب وعناية النعمة
11- وان كان لأم ابن وحيد، وسيم جداً، وعاقل وحكيم ومزين بكل الاشياء الصالحة، وقد وضعت كل آمالها فيه فاذا مات هذا الابن ودفنته فانها تصاب بأحزان لا نهاية لها وبكاء ونحيب حتى انها لا تستطيع أن تتعزى
وهكذا ايضاً ينبغي على العقل أن يحزن ويبكي حينما تموت النفس عن الله ويكون له كآبة كثيرة وقلب منسحق، ويكون في خوف وحرص، وفي نفس الوقت يكون له جوع وعطش باستمرار إلى كل ما هو صالح
 فمثل هذا الإنسان تأخذه يدي نعمة الله والرجاء الالهي لتعتني به النعمة فلا يعود يحزن ايضاً، بل يبتهج ويفرح كمن وجد كنزاً عظيماً، ولكنه يرتعد خوفاً ايضاً لئلا يفقد الكنز لأن اللصوص يحضرون كثيراً للهجوم عليه. 
ومثل انسان تعرض لخسائر كثيرة من اللصوص واستطاع أن ينجو منهم بصعوبة شديدة وبعد هذا حصل على غنى وفير وخيرات كثيرة، فانه لا يعود يخشى تأثير الخسارة عليه بسبب ثرائه الوفير، هكذا الرجال الروحانيون فانهم يتعرضون اولاً لتجارب وضيقات مخيفة ، ولكنهم حين يمتلئون بالنعمة ويفيضون بالصالحات، فانهم لا يعودون يخافون من اولئك الذين يريدون أن يسرقوهم، بسبب أن غناهم صار عظيماً، ولكنهم يخافون - ليس خوف المبتدئ من أرواح الشر، بل لهم خوف وحرص كيف يستثمرون المواهب الروحية التي ائتمنوا عليها. 
النعمة تغرس التواضع في النفس
12- والواحد من هؤلاء الروحانيين، يعتبر نفسه أحقر من جميع الخطاة، ويتأصل فيه هذا الفكر حتى يصير كجزء من الطبيعة وكلما تقدم في معرفة الله، بقدر ذلك يحسب نفسه جاهلاً تماماً، وكلما تعلم فانه يحسب نفسه انه يعرف أقل. أن النعمة هي التي تقوم بهذا التأثير في النفس وتجعله كجزء من الطبيعة في النفس. 
ومثل الطفل الذي يحمله شاب قوي، والذي يحمله يأخذه إلى حيث يشاء، هكذا النعمة التي تعمل في أعماق النفس فانها تحملها وترفعها إلى السموات، إلى العالم الكامل، والراحة الأبدية. 
الراحة وعدم الراحة
ولكن النعمة فيها درجات ورتب. اذ أن رئيس العسكر الذي يحق له الدخول إلى الملك يختلف عن الضباط. وكما أن البيت الذي يمتلئ بالدخان يفرغ الدخان ايضاً إلى الفضاء الخارجي هكذا الخطية المخزونة في النفس تخرج إلى الخارج وتنتج ثمارها.
وكما أن اولئك الذين كلفوا بحكم احدى الولايات أو كلفوا بادارة الخزانة الملكية هم دائماً في قلق وحذر لئلا يسيئوا إلى الملك، هكذا أولئك الذين استئمنوا على العمل الروحاني هم دائماً في حذر وحرص رغم انهم يكونون في راحة الا انهم لفترة من الوقت يكونون كأنهم لم يحصلوا على الراحة بعد. لأن مملكة الظلمة التي دخلت إلى مدينة النفس والقوات الغريبة التي سيطرت على مراعيها هي في طريقها أن تطرد خارج النفس. 
13- والمسيح الملك يرسل لينتقم للمدينة ويقيد الظالمين بالسلاسل، وتعسكر الجنود السماوية وجيش الأرواح المقدسة هناك كأنهم في السموات، وحينئذ فان الشمس تضيء في القلب وتخترق اشعتها وتدخل إلى كل الاعضاء، وهكذا يملك سلام عميق ويصير هو القوة المسيطرة هناك. 
استمرار الصراخ إلى الله
ولكن عزيمة الإنسان في الحرب والجهاد وقيمته الحقيقية. وارادته الصالحة من نحو الله، كل هذه تظهر حينما تتأخر النعمة ولكنه يظل شجاعاً ويستمر يصرخ إلى الله.
انك حينما تسمع أن هناك أنهار من التنانين، وأفواه أسود وقوات مظلمة تحت السماء ونار تحرق الأعضاء فانك لا تفكر فيها، غير عالم انك أن لم تنل عربون "الروح القدس" (2كو 1 : 32)، فان هذه كلها تمسك بنفسك عند خروجها من الجسد ولا تدعوك تصعد إلى السماء. 
أتى هو بشخصه ليدعوك إلى فوق
وبنفس الطريقة، حينما تسمع عن كرامة النفس وكيف أن جوهرها العاقل ثمين جداً، فانك لا تفهم أن الله لم يقل عن الملائكة، بل عن الطبيعة البشرية "لنصنع الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك 1 : 26).
وان السماء والأرض تزولان ولكنك أنت قد دعيت إلى الخلود، والتبني، والأخوة للملك ولتكون عروساً للملك. في هذا العالم الذي حولنا كل ما هو للعريس يصير للعروس. وهكذا كل ما هو للرب، مهما كان فانه يودعه اياك. 
لقد أتى هو إلى معونتك بشخصه، ليدعوك إلى فوق، وانت لا تقدر ولا تفهم مقدار كرامتك. لذلك فالمرنم الملهم يبكي على سقطتك قائلاً: "انسان في كرامة ولا يفهم، فهو مثل البهائم بلا عقل، وهو يشبه بها" (مز 49 : 20). فليكن المجد للآب وللابن، وللروح القدس. إلى الأبد آمين. 



عن كتاب عظات
القديس مكاريوس المصرى الكبير 
العظة السادسة عشر
ترجمة دكتور نصحى عبد الشهيد 
المركز الارثوذوكسى للدراسات الابائية 
بالقاهرة