هذه النصرة نشترك فيها من وقت أن قررنا الانتقال من مملكة الظلمة إلى مملكة النور وانضمامنا إلى مملكة المسيح.
إن المقبل على المعمودية يشترك مع المسيح في مصارعة الشيطان الذي يحاول جاهدا أن يثنيه عن القيام بهذا العمل وتسجيل اسمه في قائمة المقبلين على العماد.
بحسب الإجراءات المتبعة في الكنيسة الأولى كما دونها الأب جان دانيللو في كتابه : الكتاب المقدس والليتورجيا، يبدأ تسجيل أسماء المرشحين للعماد عن طريق أحد الكهنة في اليوم السابق لبداية الأربعين المقدسة، ومن اليوم الأول في الأربعين المقدسة يفحص الأسقف بتدقيق أسماء المرشحين رجلاً كان أم امرأةً، ويسأل الإشبين وجيران المرشح عن سلوكه، هل هو سكير، كذاب؟ وإذا كان غير مُلام يكتب الأسقف اسمه بنفسه وإذا كان ملوُماً، يُعطي الأسقف تعليماته قائلاً أخرجوه خارجاً "الي أن يصير أفضل وعندئذٍ يتقدم للعماد"[1]. .
هنا نجد الدقة والحرص من قبل الكنيسة علي موضوع الإقبال علي العماد لخطورة الموقف لان العبور من عالم الظلمة (الذي ينتمي إليه الإنسان العتيق) إلى عالم النور (الذي ينتمي إليه الإنسان الجديد) يتطلب إرادة وقبول ونية صادقة ومرحلة التسجيل هذه هي مرحلة خطيرة ويخبرنا الآب ثيودور أن الشيطان يعمل جاهداً لكي يُعيق بشتى الطرق عملية التسجيل مُدعياً إننا لا نملك الحق في أن نخرج من دائرته، زاعماً أننا بالوراثة ننتمي إليه أو بالحرى نحن إرث لرئيس هذا العالم [2].
وينصحنا الأب ثيودور بأن نُسرع إلى المحكمة لنُدلي بأسمائنا وأن نعتمد بالأولي علي الله الذي خلقنا علي (صورته ومثاله) [3].
التسجيل هنا محاولة جادة من (المقبل علي العماد) للهروب من دائرة إبليس التي ينتمي إليها حتى هذه اللحظة، لذلك يُصلي الكاهن علي المعمد قائلاً " تباركت يا ملكنا الرب ضابط الكل. مبارك هو ابنك الوحيد يسوع المسيح ربنا. هذا الذي من قبله دعوت كل الأمم من الظلمة (دائرة إبليس) إلى النور الحقيقي العجيب. ومن الضلالة وأباطيل الأوثان الي معرفة الحق" [4].
وفي رأي الأب ثيودور أن اختيار المرشح للعماد وقت التسجيل – كما أشرنا - هي عملية اشتراك في تجربة المسيح على الجبل واجتياز المرشح لهذا الاختبار بنجاح هو الاشتراك في انتصار المسيح علي الشيطان علي جبل التجربة والحقيقة أن المسيح علي جبل التجربة هو آدم الجديد المنتصر فآدم الأول سقط وهو صورة للمقبل علي العماد أيضًا، ولكن هذه المرة هناك إمكانية النصرة في آدم الجديد. في إنجيل (مرقس 13:1) يربط الإنجيلي بين تجربة المسيح وتجربة آدم مقدمًا لنا المسيح علي انه آدم الجديد الذي يتسلط علي الحيوانات المتوحشة ، ويُخدم من الملائكة (مر3:1).
ويخبرنا الأب ثيودور أنه في التقليد السرياني يقف المرشح للعماد علي مفرش من الشعر (نجد أيضًا مثل هذه العادة وقت جحد الشيطان) ويقول إن المفرش هذا يرمز إلى (تكوين 21:3) " أقمصة الجلد " التي تشير الي سقوط آدم الأول، وكون المقبل علي العماد يدوس عليها برجليه يعني في رأيه انه يدوس علي الخطايا القديمة.
أيضًا تسجيل الأسماء يقول عنها القديس غريغوريوس النيصي "أعطوني أسمائكم لكي اكتبها بحبر. الرب نفسه سوف يسطرها فوق الألواح العديمة الفساد مثل ناموس العبرانيين" [5]،
هذا يعني أن التسجيل المنظور في سجلات الكنيسة هو صورة لتسجيل المختارين في الألواح السماوية. هذه الفكرة نجدها في (خروج 32 :31 ،32 ) " فرجع موسى الي الرب وقال آه قد اخطأ هذا الشعب خطية عظيمة وصنعوا لأنفسهم آلهة من ذهب والآن أن غفرت خطيتهم . والإ فامُحني من كتابك الذي كتبت "
وفي( لوقا 10 :20) يقول المسيح للتلاميذ " ولكن لا تفرحون لهذا أن الأرواح تخضع لكم بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كُتبت في السموات " وفي (رؤيا 3 :5) " من يغلب فذلك سيلبس ثياباً بيضا ولن أمحو اسمه من سفر الحياة وسأعترف باسمه أمام أبي وأمام ملائكته".
وشهادة الليتورجيا القبطية واضحة فيصلي الكاهن علي المُعمد قائلاً: " أنت دعوت عبيدك هؤلاء باسمك القدوس المبارك اكتب أسماءهم في كتابك واحسبهم مع شعبك وخائفيك " [6].
إننا عن طريق الأكل – كما يؤكد القديس كيرلس الإسكندري في شرحه لإنجيل لوقا - انهزمنا في آدم وبواسطة الصوم انتصرنا في المسيح:
" بواسطة الطعام الذى يخرج من الأرض، يتقوى جسدنا الأرضي، ويسعى إلى الحصول على غذائه مما هو مجانس له، أما النفس العاقلة فإنها تتغذى وتنمو إلى الصحة الروحانية بواسطة كلمة الله. لأن الطعام الذى تقدمه الأرض يغذى الجسد الذى هو قريب لها، أما الطعام الذى من فوق ومن السماء فيقوى الروح ويشددها. طعام النفس هو الكلمة الآتية من الله، أى الخبز الروحاني الذى يقوى قلب الإنسان كما يُرنم في كتاب المزمور. وإننا نؤكد أن طبيعة خبز الملائكة القديسين هي أيضًا الكلمة الإلهية ".
تجربة ممالك العالم: لوقا5:4 " ثم أصعده إبليس إلى جبل عال وأراه جميع ممالك العالم فى لحظة من الزمان " .
يقول القديس كيرلس : " وأنت أيها الكائن الخبيث الشرير الملعون، كيف تتجاسر أن تُري الرب ممالك الخليقة كلها وتقول: " إنها لي؟ فإن سجدت أماميي سأعطيها لك". فكيف تعد بشيء ليس هو لك؟ من جعلك وارثًا لمملكة الله؟ من جعلك سيدًا على كل ما تحت السماء؟ إنك حصلت على هذه الأشياء بالخداع والاحتيال، لذلك أرجعها، للابن المتجسد، رب الكل ".
إذن لا الخبز العادي هو المصدر الحقيقي للغذاء بالنسبة لنا نحن المسيحيين ولا نسعى للتملك والمماليك الأرضية ليست هدف لنا في هذه الحياة وسر نصرتنا عليها هو المسيح الذي انتصر قبلاً وأعطانا إمكانية النصرة.
تجربة جناح الهيكل: لوقا9:4 : " ثم جاء به إلى أورشليم وأقامه على جناح الهيكل وقال له: إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل" .
التجربة الثالثة التي يستخدمها الشيطان هي المجد الباطل قائلاً: " ألق نفسك إلى أسفل"، كبرهان على ألوهيتك. ولكنه كما يشرح لتا القديس كيرلس - لم يستطع أن يسقطه بواسطة الغرور، بل إن سهم الشيطان أخطأ الهدف. فقد أجابه الرب: " إنه قيل لا تجرب الرب إلهك".
فإن الله لا يمنح معونته لأولئك الذين يجربونه، بل لأولئك الذين يثقون به، ولا ينبغى بسبب تلطفه ورحمته علينا أن نتباهى ونغتر.
إذن سوف ننتصر أيضا على محبة المجد الباطل والظهور المغلف بالكبرياء والغرور لأن المسيح آدم الجديد قد سبق وأنتصر على محبة المجد الباطل. وبالتالي الذي يقبل على العماد أنتصر مع المسيح على الاعتماد على الخبز المادي والخيرات الأرضية وكذلك على السعي تجام الممتلكات والممالك الزائلة وأيضاً على محبة المجد الباطل.
ينبغي علينا نحن الذين نلنا العماد ونحن صغار أن نجدد نصرتنا مع المسيح في حياتنا اليومية رافضين ان يكون هدفنا في الحياة الأكل والشرب والاستمتاع باقتناء الممالك الأرضية ومحبة المجد الباطل.
د.جورج عوض إبراهيم
دكتوراة فى العلوم اللاهوتية
باحث بالمركز الارثوذوكسى للدراسات الابائية بالقاهرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] Οδοιπ. Αιθερία., 45, σελ. 255-257.
[2]PG, 12.18.
[3] PG, 12, 19.
[4] صلوات الخدمات في الكنيسة القبطية، مكتبة المحبة، ص 31.
[5] P.G. 46, 417B.
[6] صلوات الخدمات في الكنيسة القبطية، مكتبة المحبة، ص 31.