ميلاد المسيح وميلاد الإنسان

وُلِدَ المسيح من روح الله القدوس،
 ومن عذراء لم تعرف رجلاً تُدعى مريم،
 فكان ميلاداً إلهيّاً، لم يحدث له نظير قط لا من قبل ولا من بعد! سبق أن تحدَّثت عن هذا الميلاد الأسفار المقدَّسة،
 وجميع الأنبياء تنبأوا عنه بآيات كثيرة، وكانت الحوادث كلها تتجه نحوه، وتنتهي إليه، حتى الزمن قيل إنه سيبلغ ملئه يوم مجيئه، وقد كان، فبُدئ بالتاريخ جديداً منذ الميلاد. 
وهكذا لم يكن المسيح نبيّاً ليتنبَّأ عن مجيء أحد آخر،
 ولا رسولاً ينتهي عند تكميل رسالته، بل كان هو «كلمة الله» صار جسداً، صائراً في صورة الناس آخذاً شكل العبد! (في 2: 7)،
 وعاش كإنسان بين الناس، ودَعا نفسه «ابن الإنسان». 
ولكنه كان ذا مجد إلهي رآه أخصاؤه رؤيا العيان، مجداً فريداً «مجداً كما لوحيد من الآب» (يو 1: 14). وهو قال عن نفسه إن الله أبوه (يو 5: 18).
 والله ناداه من السماء على مسمع من تلاميذه «هذا هو ابني الحبيب، له اسمعوا.» (مر 9: 7) 
ولكنه وضع نفسه كالعبد، اختياراً، باتضاع عجيب ومُذهل،
 حتى يرفع كل العبيد إلى درجة بنوَّته!! «لا أعود أسميكم عبيداً... لكني قد سمَّيتكم أحباء لأني أعلمتُكم بكل ما سمعته من أبي» (يو 15: 15)،
 وأخلى نفسه قدر ما أمكنه من كل مجد ظاهر حتى يتفرَّغ لشركة الآلام مع الناس، هذه الآلام التي وُلد خصيصاً لكي يحملها عنهم كاملة، ليرفع لعنتها عن بني الإنسان، ويتوِّجها في النهاية بموت اختياري، قَبـِلَه كقضاء دين وحكم تأديب، عن كل خطاة الأرض، ليهبهم بموته براءة
وهكذا
لم يَعُد الموت للإنسان قضاء دَيْنٍ وحُكْمَ تأديب عن خطية وعن إثم وتعدٍّ، بل حكم براءة وكفَّارة! 
وقام المسيح من بين الأموات بمجد وجلال ومشيئة سبق أن أعلن عنها، فأعطى للإنسان بالقيامة قوة الغلبة على الموت، وطبيعة الحياة الجديدة الممتدَّة مع الله بعد الموت وإلى الأبد، يستمدها الإنسان من المسيح وبروح الله منذ الآن كعربون لما هو آتٍ. 
فأصبحنا، ونحن الآن في قيامة المسيح، لا يمنعنا الموت عن البقاء في حياة مع الله لا تزول. 
هكذا احتضن المسيح العالم كله بآلامه وموته وقيامته، فوهب الإنسان ميلاداً جديداً في ميلاده، وآلاماً شافية بآلامه، وموتاً بموته، وقيامة مبرَّرة لحياة أخرى أبدية. 
أو بمعنى آخر، فإن المسيح جعل الإنسان خليقة جديدة روحية بعد أن كان خليقة ترابية وحسب. وصارت حياة الإنسان ممتدَّة في الله إلى ما لا نهاية. 
وبالتالي، لم يَعُد تراب الأرض أو الجنس أو اللون أو العنصر الذي ينحدر منه الإنسان، سبب فخر أو علَّة عار فيما بعد! فالإنسان، كل إنسان، قد تجنَّس بالمسيح، وبالتالي بالله في المسيح!! 
ولم تَعُد المرأة من دون الرجل، ولا العبد من دون الحُر، ولا الفقير من دون الغَنِي، ولا الجاهل من دون الحكيم، لا كأنها حقوق إنسان تؤخذ بالمنطق أو تؤخذ غلاباً؛ بل هي عطية الله للإنسان بميلاد المسيح، إذ رفع البشرية فيه إلى درجة بنوَّته، فصار الكل أبناء الله يُدْعَوْن!! والبنون متساوون في كل شيء. 
لقد وُلِدَ الإنسان جديداً يوم ميلاد المسيح، لميراث أبوي محفوظ له في السموات، لفرح لن يُنـزع منه، ومجد لا يُنطق به.
 هو عطاء مجَّاني للإنسان الذي شبع شقاءً عَبْرَ الدهور، فكما كان ميلاد المسيح أعظم هبات الله للإنسان، هكذا صار لنا هذا الميراث معه في السماء كعطية مجَّانية، كالشمس والهواء للخليقة الترابية، فمَنْ ذا يشتري الشمس أو مَنْ ذا يبيع الهواء؟ هكذا الله في المسيح لا يبيع برّه بثمن، ولا قيامته ولا ميراثه في المجد. 
كل مَنْ يسأل يأخذ، ومَنْ يطلب يجد، ومَنْ يقرع يُفتح له (لو 11: 10).
 بل وأكثر من ذلك، فإنه يسبقنا إلى باب السؤال عينه:
 «هأنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشَّى معه وهو معي.» (رؤ 3: 20) 
إن بنويَّة الله قد صارت مَشاعاً على وجه الأرض كلها لكل بني الإنسان، في ميلاد المسيح! 
البشرية لم تستوعب ميلاد المسيح بعد، بمعناه الـ ”فوق بشري“، لأن عقلها صار لها فخًّا وعثرة، غير أنها تسير وتتحرَّك نحو هذا الميلاد بحركة تفوق وعيها.
فالبشرية يشدها إلى أعلى صوت مُبهم يقلقها من الداخل ويضطرم فيها اضطراماً، تُعبِّر عنه بمفهومات تنطقها دون أن تكتشف بعد مصدرها العلوي، وتخرجها كصيحات ترتفع من كل أقطار الأرض معاً وفي نَفَسٍ واحد.
 فالكل ينادي بضرورة وحتمية السلام، سلام على مستوى العالم كله!! وحقوق الإنسان لكل إنسان!! وحرية الشعوب، والرأي، والتعبير، والعبادة، وحق تقرير المصير، وعدم الانحياز، ورفع الفوارق بين الطبقات والحياة الأفضل. 

هذه ليست مجرَّد شعارات، كما يظنها رجل السياسة أو الاجتماع أو الاقتصاد أو الدين، ولكنها خصائص الإنسان الجديد الذي يتعطَّش إليها لأنها وُهبت له لتكون جزءًا حيًّا من كيانه وطبيعته العليا الجديدة،
 بدونها كأن الإنسان في شبه نوم يجلس في الظلمة وظلال الموت مُذَلاًّ بقيود كأنها من حديد، حتى أشرق عليه نور الله يوم ميلاد المسيح «أنا هو نور العالم، مَنْ يتبعني فلا يمشي في الظلمة» (يو 8: 12)،
لأن في المسيح تنازل الله إلى أعماق كيان الإنسان وأضاء بحبه وقداسته كل ظلام طبيعته، وبدَّد كل أحزانه، وقطع كل قيوده وأوهامه، وأعطاه كل ما يتناسب والحياة الأفضل، ونعمة فوق نعمة (يو 1: 16)؛ كل خصائص الإنسان الجديد. 
وطالما شعر الإنسان أنه فاقد لهذه الصفات، فسيظل حائراً قلقاً بل ثائراً متمرِّداً على كل وضع، لا يفتأ يطلبها بإلحاح ويحطِّم في سبيلها كل القيود، لأنها روحه الجديدة التي لن يستطعم للحياة بدونها أي معنى. 
وإن كانت هذه الخصائص التي يُنادَى بها الآن تبدو كأنها مجرَّد حقوق أو أصالة إنسانية أو حق وطني أو تقدُّم حضاري أو افتخار بشري،
 إلا أنها في حقيقتها تظل تعبِّر تعبيراً خفياً عن امتداد روح الإنسان الجديد نحو الله، والتهيُّؤ المناسب للتلاقي معه على مستوى ميلاد المسيح! 
المسيح وُلِدَ بجسد من روح الله ومن عذراء؛ جسد إلهي هو، مقدَّس، ممتد، لا حدود له، يشمل البشرية كلها بالتبني؛ فقد قيل في الكتاب إن المسيح هو آدم الثاني، رأس البشرية الجديدة، كل مَنْ قَبـِلَه واعتمد باسمه يولد له بالروح ويصير ابناً لله فيه! 
المسيح، إذن، هو أبو البشرية الجديدة بالتبني!
 لذلك يقول الكتاب أنه «آتٍ بأبناء كثيرين إلى المجد» (عب 2: 10). هؤلاء في حقيقتهم الروحية هُم جسده الكبير الممتد ليغطِّي كل أجيال الدهور في السماء والأرض.
 يقول بولس الرسول عنهم وعنه هكذا: «ليجمع كل شيء في المسيح ما في السموات وما على الأرض، في ذاك.» (أف 1: 10) 
ولكن المسيح لم يبلغ بعد إلى ملء قامته في الإنسان! لأن البشرية لم تبلغ بعد ملء قامتها في المسيح. البشرية إلى الآن تنمو فيه مجرد نمو، ولكن لم تكتمل صورتها النهائية لتطابق صورة المسيح.
 المسيح بدأ يتصوَّر في الشعارات فقط، وكأن البشرية ”تتوحَّم“ بصورة جنينها الجديد، ولكنها في نفس الوقت تتقيَّأ، وباستمرار، تراثها الميت الذي عافته. فهي الآن في توتُّر بلغ أقصاه: حروب، نـزاعات، مجاعات، عداوة، خصام، تحزُّب، تكتُّل، تحدٍّ، حرمان، تجويع، فقر، إباحية، ثورة على التقليد والعفة والروتين والدِّين وعلى الله نفسه. 
لماذا هذا التقيُّؤ كله؟ نعم، لماذا هذا كله معاً وفي جيل واحد؟ أليس هذا لأن البشرية تجوز الآن مخاضها الأخير؟ إنها تصرخ متوجعة «لأن الأجنَّة دَنَت إلى المولد ولا قوة على الولادة.» (إش 37: 3) 
البشرية تصرخ بشعاراتها الجديدة وكأنها تهذي: سلام عالمي، سلام سلام وليس سلام! مؤتمرات كل يوم في كل مكان وبلا هدوء، ما هذا؟
 البشرية تريد أن تتغيَّر عن شكلها ولكن لا يسعفها ميراثها التقليدي، سياسياً كان أو اجتماعياً أو اقتصاديًّا أو حتى الديني!! لأن كل ميراثها أصبح يعوزه الروح. لقد تعفَّن القديم كله وأنتن، وقارب على الاضمحلال، وأصبح لا يُشبـِع البشرية ولا يُغنِي عن جوع، وليس أمل، في الواقع، إلا في ميلاد جديد لبشرية جديدة تولد من الروح!! 
هذه هي الحياة الفُضلَى! ولا يمكن أن تكون حياة أفضل من حياة إلا بمقدار عمل الروح، روح الله في التجديد.
 فالسياسة يعوزها الروح، والاجتماع والاقتصاد والدين وكل ضوابط البشرية، إذا لم يضبطها الله بروحه عاملاً في عمق كيان الإنسان بتجديد يشمل الفكر والضمير العالمي،
 لأَخَويَّة على الأرض تستمد روحها وأصالتها من بنوية واحدة لله؛ فسيظل الإنسان يتقيَّأ نفسه، وأي شعار مهما أتقنه ونفَّذه، إن هو كان خالياً من روح الإنسان الجديد، أي من عمق معنى التبني، فسيخرج هذا الشعار سَقْطاً ميتاً. 
فالسياسة، مهما ارتقت، إن هي لم تَرَ في جميع الأجناس والألوان والشعوب والأوطان أبناءً متساوين لله الواحد، لهم حقوق متساوية في أرض جديدة وسماء جديدة، فهي سياسة أرضية ميتة وسَقْط ممسوخ متكرر لتقليد ترابي عافه الإنسان جدًّا وتقيأه، وأصبح لا يطيق أن يسمع عنه أو يقرأ له! 
والاقتصاد لن يكون هو الاقتصاد الذي يحلم به الإنسان، بل ويمخض الآن به مخاضاً في وجع كوجع الموت عينه، إذا هو لم يَرَ في ثروات الأرض والبحار وكل خيرات الخليقة شيئاً آخر سوى أنها ميراث سمائي على المشاع، أُعطي من الله ليتقاسمه بنو الله جميعاً بحق تساويهم في الله، ووحدة بنوَّتهم له في الجسد الكبير الواحد، الذي وهبه الله للمسيح والذي جمعه المسيح لنفسه، ولا يزال، من أطراف الأرض جميعاً. 
والمسيحية لن تستحق اسمها إذا لم تنفتح بالروح على البشرية الجديدة التي ترى في الله أباً لكل بشر، والمسيح جسداً لكل إنسان بلا تمييز. حيث تُرفع الحواجز العقائدية التي صاغتها يد العداوة والتعالي والتحزُّب والتعصُّب الأعمى، تُرفع، تُرفع جميعاً؛ ليدخل الإنسان الجديد ويتذوَّق معنى التبني الحقيقي، ويرتاح كل إنسان مع أخيه، في حضن الله المريح، وينعم كل بشر بميلاد المسيح! 
أما السؤال الذي يتطارحه المتباطئون في الفهم:
 كيف نبدأ؟ فهذا يعلنه الله في المسيح، في بيت لحم، كيف بدأ الله وكيف بدأ المسيح بصنع الإنسان الجديد والخليقة الجديدة من مغارة مظلمة، من مذود للبقر، من فقر مدقع، من غربة وتخلٍّ عن كل معونة. أَلاَ نقرأ في الكتاب كيف أنه لم يكن للعذراء - التي بلغت مخاضها بعد أن بلغ سفرها اليوم الثالث - مكان ولا في أي منـزل؟ 
ومن هنا يبدأ المسيح مسيرة التجديد وبناء جسم البشرية الكبير! من هذا المكان الأقل جدًّا والمتناهي في التجرُّد والفقر بدأ المسيح المصالحة العُظمى بين السماء والأرض، بين قداسة الله الفائقة وعجز الإنسان المُطلق! 
ولكن، وإن كانت المغارة هكذا مظلمة، وكان المكان هكذا وضيعاً، ولكن نعلم كيف جلست الملائكة مع جمهور من جند السماء على حافتها الشامخة المنيرة في السماء ينشدون نشيد المجد لله في عُلاه، الذي استطاع باتضاعه المُذهل هذا أن يرفع الإنسان إلى علو الله! 
وهكذا نرى المسيح كيف استطاع وهو بعد في المهد رضيعاً أن يوسِّع دائرة ميلاده وشمول تجسُّده! انظر كيف جمع إلى نفسه في ساعاته الأُولى على الأرض حكماء من فارس من خارج حدود الأوطان؟ وجذب إليه الرعاة المساكين المتبدِّين في شتاء فلسطين ليجدوا فيه راحة وعزاء. 
ومنذ ذلك الزمان والمسيح لم يكفّ، بصور اتضاعه التي تركها منقوشة على صفحات قلوب محبيه، عن أن يجذب إليه الألوف والملايين على ممر الأجيال، ليجمع جسده الكبير الذي سيُقدِّمه في حينه إلى الله أبيه. 
ولكن المسيح لم يولد خُلواً من عناء وبكاء وألم، فقد كان ميلاده في شتاء، في أشد أيام الطبيعة قسوة وإيلاماً.
ولعله ظل يذكر هذا في نفسه إلى أن ذكره لتلاميذه يوماً: «صلُّوا لكي لا يكون هربكم في شتاء» (مر 13: 18). وكأنما وُلِدَ المسيح مصلوباً من الطبيعة لا يجد أين يسند جسده الضعيف الغض، إلا على كومة من تبن خشن في مذود من طين! 
وعلى نفس القياس نرى ميلاد البشرية يتم في هذه الأيام من خلال شتاء العلائق البشرية المجمَّدة وقسوة الإنسان على أخيه الإنسان، من خلال عوز إلى الصدق، وفقر في الرحمة، وصراع عنصري محزن، وشعور الناس بغربتها حتى في أوطانها، ومخاض ليل طويل، تجوزه الشعوب المظلومة والظالمة على السواء؛ والإنسان يكافح تحت وطأة غرائزه المسيبة التي تزيد فرص التجديد ضيقاً على ضيق ووجعاً على وجع. 
هوذا العالم كله يدخل في شتائه الطويل يعاني هذا المخاض عينه، وأصبح عليه أن يعي آلامه.
 فآلام العالم لا تأتيه جزافاً، بل هي حتماً آلام تجديد، وعليه أن يفهمها ويقبلها ويدرك من أين تأتي ليدرك مسبقاً ما ستؤول إليه، فيمهد لها بخلع ذهنيته القديمة، في العنصرية والطبقية والشعوبية، ويستعد ليلبس فكر المسيح في مؤاخاة جميع الناس، ليعم السلام حقًّا على الأرض ويهتف كل لسان بمجد الله! 
وفي النهاية نقول إن ميلاد المسيح حدثٌ إلهي كبير، تمَّ ليعُمَّ الأرض ويشمل الأجيال جميعاً، ومعناه كفيل لا أن يوقظ النائم عن خلاصه فحسب، بل وأن يحيي الميت المنتن في خطاياه!! 
فميلاد المسيح يشهد شهادة حيَّة ناطقة أشد ما يكون النطق أنه هكذا أحب الله الإنسان، أحبه حبًّا في ذاته، فأخذ منه جسداً اتحد به، واتخذه لنفسه إلى الأبد!
 فميلاد المسيح هو بحد ذاته ”عهد محبة“ قامت ودامت بين الله والإنسان، هو عهد قطعه الله على نفسه في بيت لحم، في جسد أخذه، ولن يتخلَّى عنه إلى الأبد، في اتحاد مع الإنسان يفوق العقل والمنطق، عهد مُصالحة عُظمى ووحدة مطلقة بين اللاهوت والناسوت! 
وهكذا، بهذا الميلاد الإلهي العذري انفتح عهد أُلفة ومودة عجيبة بين الله وكل إنسان، على مستوى شخصي كأعلى ما تكون العلاقة بين حبيب وحبيب، أفصح عنه الآب يوماً من نحو المسيح فناداه، وكأنما هو ينادي فيه البشرية كلها وكل إنسان: «أنت ابني الحبيب الذي به سُررت.» (مر 1: 11) 
فميلاد المسيح هو عهد حب مُعلَن من الله تجاه كل إنسان، كوثيقة تنازل مذهلة سجَّلها الله على نفسه في بيت لحم، في شخص يسوع المسيح، باستعداد التنازل عينه إزاء دعوة كل إنسان للحب والاتحاد! 
فميلاد المسيح، إذن، ليس نموذجاً محدوداً لحب وحَّد بين الله والإنسان في بيت لحم انتهى بانتهاء تاريخ الميلاد،
بل هو مجال إلهي انفتح بلا حدود على كل إنسان ولن يكفَّ حتى يصبح «الجميع واحداً، كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا، ليؤمن العالم أنكَ أرسلتني... ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم.» (يو 17: 26،21) 

الأب متى المسكين 
(يناير 1974) 
عن مجلة مرقس