الجمال الهندسى للروح

" وأعطى داود سليمان إبنه ... مثال كل ما كان عنده بالروح لديار بيت الرب ولجميع المخادع حواليه ولخزائن بين الله وخزائن الأقداس ( من جهة هندسة المبانى ) . " ( 1 أي 28 : 11و12 ) 

روح الله هو المختص بالإبداع الفنى فى الخليقة .
 فالآب يأمر ، والإبن يُنفذ ، والروح يُبدع الجمال ويتقن ! وفى النهاية تحدث السماء بمجد الله ، والفلك يُخبر بعمل يديه . 
ولولا روح الله الذى فينا ، الذى هو روح الجمال والإبداع والتذوق الفنى ، ما أستطعنا أن نرى فى الخليقة أى جمال ، بل ولا عرفنا أنه يوجد جمال البتة !!


فالروح الذى أستطاع أن يُعبر عن مجد الله ، بواسطة الإبداع والإتقان للخلائق فى السماء والأرض ، عاد وأستقر فى روح الإنسان ، فألهمه إكتشاف الجمال فيها ، الذى هو لمسة يديه ، وبالتالى ألهمه معرفة القدير : " لأن أموره غير المنظورة تُرَى منذ خلق العالم مُدركة بالمصنوعات ، قدرته السرمدية ولاهوته ، حتى إنهم بلا عذر . " ( رو 1 : 20 ) 
وهكذا صار الجمال الهندسى لروح الله واسطة لمعرفة القدير . فالجمال وحى وإلهام ؛ وإن أحسن الإنسان تقبُّله وإستخدامه ، دخل فى مجال الرؤيا الكاشفة لمجد الله وحكمته !! 
وقد أعطى الله الإنسان فى صميم خلقته وكجزء من نفخة روحه فيه ؛ هذا الإحساس الجمال ، والتذوق الفنى والهندسى ، كنعمة عامة ، وكمدخل للتعرف على الله ، وإستقراء وجوده فى الخليقة ، وبالتالى فى نفسه . 
والإنسان أول ما عير بالإلهام عن الله ، بأعمال يديه ، عبر بالفن الهندسى .
 فالأهرامات تُعتبر أول مرحلة من التعبير الإلهامى عن اللاهوت – ممثلاً فى فكرة الخلود – الذى يحسه الإنسان فى أعماقه ، وقد صاغ الإنسان بالأهرامات ، تعبيره عن الله ، بالضخامة الهندسية ، وبأكثر ما يمكن من المادة ، وبآلاف آلاف الاطنان ، ليفصح عن إحساسه بعظم الله وضخامته . 
وفى المرحلة التى تليها من الإلهام ، أنتقل الإنسان فى تعبيره عن الله ، من الضخامة الهندسية إلى الدقة الجمالية ، فدخل فى مرحلة النحت ، نحت التماثيل الدقيقة والجملية . فبكمية من المادة ، أقل بكثير جداً من الأهرامات ، ربما بطن واحد أو أقل ، أستطاع الإنسان أن يُجسد إحساسه باللاهوت ، مستخدماً إحساسه الفنى الدقيق ، ليفصح عن جمال الله وإنسجامه اللانهائى . 
وفى الدرجة التى تليها من الإلهام ، أنتقل الإنسان من مرحلة النحت إلى مرحلة التصوير بالألوان . وهنا بعدة جرامات قليلة من المادة ، أستطاع أن يُعبر عن اللاهوت فى أروع أحاسيس الحنان والطهارة . 
ومن عصر الإلهام بالصورة ، أنتقل الإنسان إلى عصر الإلهام بالموسيقى ، حيث بالحركة الآلية وإختلاف الأصوات ، أستطاع أن يُعبر عن إحساسه بالله بواسطة النغم الجميل ، باللحن المؤثر ، الذى يبلغ بالشعور حتى أعماق الإحساس بالله . 
ومع عصر الموسيقى ، أنفتح إلهام الإنسان إلى الترتيل ، حيث أكتشف فى حنجرته وفى صدره أعظم واسطة يُعِّبر بها عن إحساسه بالله . وهنا وبدون مادة أو أى حركة آليه – بالصلاة – وصل الإنسان إلى آخر درجة للتعبير عن الله ! 


صلاة ...

فيا روح المسيح ، الذى بث فى الإنسان ، فى كل العصور ، أن يُعّبر عن وجودك فى الخليقة وفى الإنسان ، ألهمنى أنا أيضاً الواسطة ، التى أَعبر بها عن إحساسى بك ،
 وأن أحسك وأراك فى كل هيكل ، فى كل جمال ، فى كل وجه ، فى كل صورة ، فى كل لحن ، فى كل صلاة ؛ حتى حينما أراك وأحبك فى كل خليقة ، وفى كل إنسان ، يصير كل شئ وكل جمال وكل جسد طاهراً فى عينمى ، وواسطة لينطلق فمى بالتسبيح لقدرتك الفائقة ، وجمال المبدع ، ووجودك فى كل وجود !! 


الاب / متى المسكين + 
راهب من الكنيسة القبطية 
والاب الروحى لدير القديس انبا مقار ببرية شهيت 
عن كتاب : الرؤية الالهية للاعياد الكنسية 
الروح القدس الرب المحيى