الكرازة ومدرسة الإسكندرية - 1 -

لقد كانت مدرسة الإسكندرية بشكلٍ عام معهدًا للكرازة،
على الرغم من أنها لم تكن منظمة لإعداد الكارزين بالمعنى الحديث.
والكرازة كانت هي قلب ونواة بل وحياة المدرسة. وكان منهجها هو سيمفونية الحب الإلهي.
فكلَّما يُمارَس الحب الإلهي، كلما اشتعلت القلوب بالرغبة في الكرازة بغير انقطاع. مع أن المدرسة لم يكن بها قسم "اللاهوت الكرازي" إلا أنه كان لديها القدرة على تحريك قلوب الأساتذة وتلاميذهم للعمل الكرازي في مصر وخارجها. 
المدرسة في تكوينها التنظيمي وفي مراحلها المختلفة وفي فهمها للكتاب المقدس ومنهجها اللاهوتي وكذلك في نظرتها للكنيسة وتقليدها، هي معهد كرازي حيّ، علمي وعملي، إنجيلي كنسي واقعي أيضًا. 
مدرسة الإسكندرية والقلب الناري 
عندما نتكلم عن مدرسة الإسكندرية فإننا لا نقصد المعنى الحرفي لكلمة مدرسة، فنفكر في مباني المدرسة أو مباني الكنيسة.
 إن المدرسة في جوهرها، هي المُعَلِّم بقلبه الملتهب مثل الجمر. أينما كان فإنه يُلهب قلوب تلاميذه بالحب الإلهي، وفي مقابل ذلك يشتاق التلاميذ لمشاركة جميع البشر خبرتهم في هذا الحب الإلهي الناري. 
إن دراستنا لمدرسة الإسكندرية، تُعلِن حقيقة أن الكنيسة الأولى في مصر هي كنيسة الكرازة. أصبحت الكنيسة شاهدة لهذا الحب المُلتهِب الإلهي الذي لم يتمكن العالم كله من إطفاءه. هذا الحب يرفع كل إنسانٍ، إن أمكن، إلى عرش الله. 
مفهوم الكرازة في الكنيسة الأولى 
لقد فهم مسيحيو الكنيسة الأولى المسيحية، على أنها دعوة للخلاص. لقد أقروا بأنهم أعضاء في جسد المسيح الواحد كما أدركوا سُكنَى الروح القدس في داخلهم. وبهذا المفهوم العملي، استمر المؤمنون في الكرازة.
ولقد كانت شهوة قلب جميع المؤمنين هي الاستمرار في الكرازة حتى يُمجِّد كل البشر، الله، من خلال عمل الثالوث القدوس. 
ولم يكن عند المسيحيين الأوائل خطط محددة للعمل الكرازي، بل الكنيسة ككل: كهنة وشعب، كانوا يُعتَبَرون كارزين أتقياء.
 فمثلاً القديس يوحنا ذهبي الفم قال مرة لشعبه "أنتم هو الأسقف!". لقد شعر أن رسالته هي أن يُعِدَّ كل أحد للخدمة والكرازة. هذا دليل على أن كل عضو في الكنيسة سيستمر في العمل من أجل انتشار ملكوت الله على الأرض. ولذلك اعتبر القديس يوحنا ذهبي الفم أن كل عضو في الكنيسة هو أسقف.
 وذات مرة، نظر القديس يوحنا مرة إلى الكاتدرائية في القسطنطينية ولاحظ أنها مزدحمة جدًا، فقال للشعب "إنني سأحزن كثيرًا لو سمعت بوجود ولو شخص واحد في هذه المدينة لم يعرف كيف يتمتع بالخلاص". هذا يُظهِر بوضوح قلب القديس يوحنا المُلتهب الذي هو مثال لقلب المؤمن الحقيقي. 
الكرازة في المراحل المختلفة للمدرسة 
لقد نشأت هذه المدرسة المسيحية كمدرسة لتعليم مبادئ الديانة المسيحية؛ فقد كان عمداء الكلية ــ في الحقيقة ــ مُعَلِّمين لمبادئ الديانة catechists، وقد كان الموعوظون يلتحقون بها ليتعلموا الإيمان المسيحي.
 ولقد قام العلامة أوريجانوس بوصف عمل المُعَلِّمين catechists في أكثر من كتاب من كتبه موضحًا أنه كان يُعَلِّم العقيدة([1]) ويعطي تعليمات عن الحياة المسيحية؛ حيث قال أنه لو أردتَ أن تَقْبَلَ المعمودية:
[ يجب أولاً أن تتعلم كلمة الله، وتقطع جذور رذائلك وتصحح حياتك الطائشة البربرية وتمارس الوداعة والتواضع. عندئذ تصبح أهلاً لقبول نعمة الروح القدس]([2]) . 
إنَّ كلمات أوريجانوس تظهر أن هدف المدرسة الأولى هو الكرازة لغير المؤمنين وإعدادهم ليتمتعوا بالبنوة لله. 
ولقد أشار القديس كليمندس السكندري إلى المراحل الثلاثة لهذه المدرسة التي تشرح عمل الكنائس الكرازي في: 
(1) كتابه الأول "نُصْح لليونانيين" Protrepticus Pros Ellinas شرح وجود مرشدين عظماء اختاروا أن يكرسوا حياتهم لرد غير المؤمنين وحتى أيضًا المؤمنين الذين ضلّوا، وارجاعهم إلى الكنيسة. وأيضًا شرح خيانة الذين اختاروا أن يتبعوا أصنامًا وأخلاقيات هي من وضع المجتمع. 
(2) الكتاب الثاني "المُعَلِّم" Paidagogos وهو يشجِّع الذين قبلوا الإيمان المسيحي أن يتشكلوا بأيدي يسوع المسيح، المخلِّص. 
(3) الكتاب الثالث "المتفرقات" Stromata وهو يُظهِر حياة إنسانًا قَبِلَ الإيمان بالثالوث القدوس وكيف أن الرب يُظْهِر له إرادته، حكمته وأسراره المقدسة بواسطة روحه القدوس. ويوضِّح الكتاب أنه سيجلس عند قدمي مُعَلِّمه ليتفهم الحياة الفاضلة والرب سيحمله إلى ملكوته كما حَمَلَ العريس السماوي (الرب) عروسه السماوية (النفس البشرية). 
إنَّ هذه المراحل الثلاثة تُظهر مدرسة الإسكندرية كأمٍ مُحِبَّة تحتضن البشر وتجعلهم أولاد روحيين وناضجين لله، وأعضاء حقيقيين لكنيسة المسيح الواحدة. لذا فقد أسهمت في اشباع ثلاث فئات من المجتمع: 
+ غير المؤمنين: ليكتشفوا الطريق الإلهي للخلاص ويتحولوا إلى المسيحية. 
+ الموعوظون: لتُعدَّهم لقبول سر المعمودية، والدخول في دائرة التبني للآب السماوي. 
+ المؤمنون: لينمو ويصيروا ناضجين روحيًا. 
هكذا تشرح الثلاثة كتب الدور الكرازي لمدرسة الإسكندرية التي كان يشتهي كل من عمدائها وتلاميذها رؤية البشرية وقد صارت عروس سماوية على شِبه العريس السماوي.
 لهذا لم تكن الكرازة في مدرسة الإسكندرية مجرد دعوة لقبول الإيمان كتعاليم نظرية، بل بالأحرى كانت دعوة للحياة العملية، كأعضاء في جسد المسيح. ولم يسترِح عمداء المدرسة حتى يروا العالم وقد صار عروسًا سماويًا. 
الكرازة ووجهة نظر المدرسة تجاه الكتاب المقدس 
لقد استوعب عمداء مدرسة الإسكندرية الكتاب المقدس كرحلة النفس إلى السماء. لذا فقد ولعوا بالكتاب المقدس. ولقد ترجم القديس بنتينوس مع تلاميذه في القرن الثاني الكتاب المقدس إلى اللغة القبطية، وكتب تفاسير على كل أسفار الكتاب المقدس تقريبًا. 
أما العلامة أوريجانوس فقد كرَّس حياته لدراسة الكتاب المقدس وكان يقضي معظم لياليه في قراءة الكتاب مع السجود والصلاة. وكان قلبه وعقله وروحه وحواسه ملتصقة كليةً بالكتاب المقدس.
إنَّ هذا المنهج دفعه أن يكرز على الدوام أثناء رحلاته في بلادٍ كثيرة. 
ولم يتجاهل أوريجانوس الطريقة العلمية في دراسة الأسفار المقدسة. وكان يؤمن أن الكتاب المقدس هو رسالة شخصية موجهة لكل إنسان. وكان مشغولاً جدًا في دعوة العالم كله ليشترك في المجد الأبدي. 
وعلى الرغم من أن كثيرين كان عندهم موهبة الكرازة إلا إنه لم يكن عندهم النعمة الإلهية، لهذا لم يقدروا أن يلمسوا قلوب الناس ليقودوهم إلى الإتحاد بالآب وصُحبة الابن وسكنى الروح القدس. 
الكرازة ومنهجهــــــا 
يمكننا أن نكتشف فكر السكندريين في الكرازة عن طريق خصائص فكرهم اللاهوتي. فمثلاً: 
(1) تجديد الطبيعة البشرية 
لقد قرر الكثير من الدارسين أن تجديد الطبيعة البشرية أو نعمة التجديد إنما هو قلب علم اللاهوت السكندري. وهذا يتم بحسب الفكر السكندري بمشاركتها خصائص ربنا يسوع المسيح. ولقد تكلَّم القديس بطرس الرسول عن تمتع المؤمنين بأن يصيروا "شركاء الطبيعة الإلهية" (٢بط١: ٤) وكذلك القديس بولس الرسول عن الإنسان الذي يتجدد "حسب صورة خالقه" (كو٣: ١٠).
 إن تجديد الطبيعة البشرية يوجه قلوب السكندريين بعيدًا عن الخلافات حول تعريف المصطلحات اللاهوتية ويقودهم إلى الحصول على النعمة الإلهية مثل التمتع بالاتحاد بالآب في ابنه الوحيد من خلال عمل روحه القدوس. 
ويقول القديس كليمندس السكندري: 
[ لأجل هذا نزل، لهذا اتخذ طبيعة بشرية، لهذا احتمل آلام الإنسان بإرادته، حتى أنه وضع نفسه إلى مستوى ضعفنا حتى يرفعنا إلى مستوى قوته ]([3]). 
ولقد كان تركيز علم اللاهوت السكندري على "تجديد الطبيعة البشرية" حتى نتلامس مع حب الله الفائق. إنه يُحَوِّل كيان الإنسان إلى أيقونة لله خالقه، ويجعله شريكًا للطبيعة الإلهية.
إنه لا يتوقف عند كيان الإنسان الداخلي فحسب بل يمتد إلى الجسد نفسه، حتى يحوله تدريجيًا إلى طبيعة ممجدة. فتصبح حياة المؤمن رحلة يومية إلى السماء مجتذبًا إخوته معه حتى يتذوقوا الحياة السماوية. 
إن الفكر السكندري يركز على فتح أعين الكثير من المؤمنين حتى يكتشفوا إمكانياتهم، فلا يصيرون فقط أيقونة للمسيح بل أيضًا يكونون واثقين في تجديد الطبيعة البشرية، ويجدون متعتهم في الكرازة على الرغم من الصعوبات، مؤمنين أن القدرة على الكرازة إنما هي برهان على نعمة الله التي فيهم وفي إخوتهم. فيثقون أن الله سيجدد ويقدس أرواحهم لأجل ملكوته السماوي. 
(2) اللاهوت الخلاصي (السوتيريولوجي) Soteriological theology 
لقد انتشرت المسيحية في الإسكندرية بمصر بكرازة القديس مرقس الرسول والإنجيلي. 
هذا القديس الذي انقطع حذاؤه أثناء السير فذهب لإسكافي بمدينة الإسكندرية يُدعَى أنيانوس الذي بينما كان يُصلِح نعل القديس، ثقبت الإبرة يده، فصرخ: "يا الله الواحد". فشفى القديس يده باسم ربنا يسوع المسيح.
 بعدئذ شهد أنانيوس للإله الواحد الذي كان يؤمن به ولكن بدون معرفة. وقد بشَّر القديس مرقس الإسكافي بالله الذي يشفي ليس فقط أجسادنا بل أيضًا طبيعتنا البشرية بواسطة ابنه، الكلمة المتجسد، يسوع المسيح. فآمن أنانيوس وأصبح مسيحيًا. ثم رسمه القديس مرقس أسقفًا لمدينة الإسكندرية. 
لقد استخدم مار مرقس شفاء جرح أنانيوس باسم يسوع المسيح كنقطة بدء لكرازة الإنجيل ولم يُظهِرْ الله كاعتقاد يؤمن به، بل بالأحرى كمُخلِّص يفدي الطبيعة البشرية. لهذا فنحن نعرف الله، ليس من خلال مناقشات نظرية بل خلال أعماله الخلاصية.
 وحتى الآن هذا هو المعتقد الأساسي للاهوت السكندري. الله يهب لنا معرفة جديدة وحياة أبدية وممجدة. 
هكذا زرع القديس مرقس حقًا في تُربة التعليم اللاهوتي بذرة قد أنتجت ثمر خلال السنين. واحدى هذه الثمار هو الارتباط الوثيق بين المعرفة اللاهوتية والخلاص.
 فالله يهب المعرفة التي لا تنفصل عن خلاصنا. هذا يظهر بوضوح في الفكر اللاهوتي عند للقديس كليمندس السكندري الذي كان يُقدِّم دائمًا ربنا يسوع المسيح بصفته "المعلم". 
ففي كتابه المُسَمَّى Paidagogos "المُعَلَّم" أو "المُرَبِّي" تكلم عن المُعَلِّم الإلهي بصفته "الطبيب الشافي لجميع البشر([4])".
 وفي كلمات أخرى يقول القديس كليمندس أن المعرفة الإلهية لا يمكن أن تنفصل عن خلاصنا. ولقد كان شديد الإيمان بـ [أنها إرادة الله بوجوب أن نبلغ إلى معرفة الله التي هي الاتصال بعدم الموت] ([5]). 
إن إحدى السمات الرئيسية للمدرسة الإسكندرية هي اللاهوت الخلاصي Soteriological theology الذي هو نظام اللاهوت المؤسَّس أصلاً على خلاص الإنسان. إنَّ هذا المنهج رسولي بالأساس؛ فقد كان الآباء الرسل يشهدون أثناء تبشيرهم بالإنجيل، بأن الرب يسوع هو المسيا Messiah مُخلِّص البشر.
 فهم لم ينهمكوا في مجادلات لاهوتية، لكنهم كانوا منشغلين بخلاص الإنسان. فاللاهوت الخريسطولوجي عندهم يتأسس على الفكر الخلاصي. 
ويقول جارازلوف بليكان Jaraslov Pelikan :- أن المسيحيين الأوائل اشتركوا في الإيمان الراسخ بأن الخلاص هو العمل الذي لا يمكن أن يكون عمل أي أحد سوى رب السماوات والأرض.
وإننا لنجد أنَّ أقدم عظة بقيت من الكنيسة الأولى تُفتتح بهذه الكلمات: [ إخوتي، يجب أن نفكر في يسوع المسيح بصفته الله، ديَّان الأحياء والأموات. ويجب ألاَّ نقلل من شأن خلاصنا لأننا عندما نقلل من شأنه، فحينئذ نتوقع أن نأخذ قليلاً ] ([6]). 
+ أثيناغوراس في كتابه "التماس من أجل المسيحيين" Plea on behalf of Christians كتب للإمبراطور ماركوس أوريليوس أنطونيوس Marcus Aurelius Antonius (١٦١م. -١٨٠م.) ولابنه كومودوس Commodus، داحضًا الاتهامات الثلاثة التي وُجِهَت ضد المسيحيين في ذلك الحين وهي: الإلحاد، أكل لحوم البشر وممارسة المعاشرات الأوديبية. ولم ينجح فقط في الدفاع عن المسيحية بل أيضًا سعي لكيما يكرز للأباطرة.
ولقد كانت فرصة عظيمة أن يعلن أثيناغوراس الحق لهؤلاء الأباطرة، ولأولئك الذين قرأوا الالتماس ليشهدوا للحياة الإنجيلية. كان هدفه ليس فقط أن يدافع عن الإيمان المسيحي بل أيضًا أن يدعو كل أحد لخلاص المسيح. 
+ لم تُقدِّم الكنيسة الأولى أفضل من القديس كليمندس كمُمثِّل للمُفكِّر المسيحي . إنه يؤكد على أن هدف التعليم المسيحي هو [عملي وليس نظري وأن غرضه هو الارتقاء بالنفس، لا تعليمها، بل تدريبها لحياة طاهرة تفوق العقل.]([7]
+ إن كتابات العلامة أوريجانوس تكشف أن اهتماماته الأولى تكمن في خلاص أنفسنا. لذا يقول رون جرير [Rown A. Greer )[8) عن حالة جهاد الروح للرجوع إلى الله.
إن أفكار أوريجانوس بخصوص الاستشهاد، الصلاة والكتاب المقدس تندمج في رؤيا واحدة للحياة المسيحية؛ انه اتجاه نحو معرفة كاملة لله والاشتراك معه من خلال المسيح. 
من خلال هذا الاتجاه السوتيريولوجي، لا يستغرق المؤمن في مناقشات نظرية، ولكنه يحمل رغبة صادقة في أن يشترك جميع البشر معه فيما هو يمارسه.
إن اللاهوت الخلاصي لا يمكن أن ينفصل عن الكرازة؛ فكلما يصل المؤمن إلى بركات الخلاص يلتهب قلبه أكثر بالحب الأخوي. وفي الوقت نفسه، كل شهادة للمخلص تمنح المؤمن خبرة خلاصية جديدة. وبينما هو يخدم الآخرين، يكون هو نفسه مخدوم.
 هكذا نستطيع أن نقول أن خلاصنا وتبشيرنا للإنجيل هما حقًا عمل واحد ذو بُعدين متكاملين، عندما نفقد أحدهما لا يمكن أن نحتفظ بالآخر. 
(3) المصطلحات اللاهوتية 
بسبب إنتشار الثقافة اليونانية في العالم كله، استخدمت مدرسة الإسكندرية مصطلحات فلسفية يونانية لشرح العقائد المسيحية لتربح الفلاسفة والهراطقة. وعلى الرغم من استخدام السكندريون المصطلحات الفسلفية إلا إنهم لم يكونوا عبيدًا لها. هذا ما قصده القديس أثناسيوس حينما قال أن المنازعات حول الكلمات لا يجب أن تقسم هؤلاء الذين يفكرون بنفس الطريقة.([9]). 
الآباء السكندريون لم يعطوا تعريفات محددة لأي مصطلحات لاهوتية لأنهم كانوا منشغلين فقط في تطبيق اللاهوت. لقد لاحظ بنجامين درويري Benjamin Drewery أنه لم يستطع أن يجد تعريفًا محددًا لنعمة الله خلال الكتابات العديدة لأوريجانوس. فاستنتج إذن أنه [لو طُلِبَ من أوريجانوس تقديم تعريف رسمي للنعمة، لأجاب إلى حد ما هكذا: "النعمة هي قوة الله الحرة، ولكنها ليست غير مشروطة، فهي موضوعة عند تدبير الإنسان"] ([10]). 
بهذه النظرة اللاهوتية، نكتشف أن المؤمنين لم ينشغلوا بالمصطلحات النظرية، ولكنهم اشتهوا الخلاص وتمجيد جميع البشر. 


القمص / تادرس يعقوب ملطى
عن مجلة مدرسة الاسكندرية
السنة الاولى العدد الاول 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]Against Celsius 3: 15; Jean Daniélou: Origen, NY. 1955, p.10. 
[2] In Leirt. Hom. 11: 3. 
[3] Dives Slavetur 37. 
[4] St. Clement: Paidagogos, Book 1, Ch. 2, Section 6. 
[5] Stromata: 4: 6: 27. 
[6] 2 Clem. 1: 1-2; Jaroslov Pelikan; The Christian Tradition, Vol. 1: the Emergence of the Catholic Tradition (100-600), 1961, p.173.
[7] See Carl A. Vol Z: Life and Practice in the Early Church, Minneapolis, 1990, p.103, 222; Paidagogos; 1: 1. 
[8] Rown A. Greer: Origen, p.28. 
[9] Qoud non sint tresde (that they are not three Gods) 
[10] Fr. T. Malaty: The Terms: Physis Hypostasis in the Early Church, 1977, p.4.