غير المؤمن هو الشخص الأكثر تعاسة بين الناس، لأنّه أنكر الشيء الوحيد الأكثر ثمنًا في العالم، الإيمان، الذي هو الدليل الأصدق للحقيقة والثروة الصالحة.
الغير المؤمن تعيس جدًّا، لأنّه أنكر الرجاء الدعامة الوحيدة الثابتة في طريق الحياة المضني الطويل.
الغير المؤمن تعيس للغاية، لأنّه يفتقد إلى المحبّة الحقيقيّة للناس المحيطين بقلبه المضطرب.
الغير المؤمن هو الأشدّ تعاسة، لأنّه أنكر الجمال الإلهيّ، وصورة الإله الخالق وشبهه، هذا الجمال الذي كتبه الفنّان الإلهيّ في قلوبنا، والذي يكشفه إيمانُنا للعيان.
عينُ غير المؤمن لا ترى سوى قوى الطبيعة في الخليقة، فيما تبقى صورة الخالق المقدّسة المشرقة وجمالها المدهش مخفيّة عن عينيه وغير معروفة، فهو لا يرى عظمة الخلق وجماله في أيّ مكان ارتاده.
لا يتلمّس حكمة الله، ولا يندهش من قوّته الفائقة. لا يكتشف صلاح الخالق، بل تبقى عنايته الإلهيّة إلى جانب عدالته ومحبّته لخليقته محجوبة عن عينيه.
يتعذّر على عقله تجاوز العالم الحسّيّ المادّيّ، فيبقى قلبه بليدًا لا يستطيع إدراك الحكمة والقوّة الإلهيّتين. لذلك، فبقاؤه على هذه الحالة المرهقة هو مدعاة اضطرابه وألمه ويأسه.
كلّ الأشياء الجذّابة في العالم، والتي تشدّ انتباهه، لا تولّد لديه أيّ مشاعر للعبادة أو شوق للتعرّف على الله، لأنّها فقدت جوهرها وقيمتها الإلهيّة.
تبقى شفتاه مغلقتين، وفمه مستدًّا، ولسانه جامدًا، لأنّ كلّ مباهج الحياة التي يعيشها غير قادرة على جعله سعيدًا، فهو، أبدًا، قلق حزين.
لقد خُلق الإنسان ليكون مسكنًا لله، لذلك فقمّة ابتهاجه وغبطته تكمن في فعل الصلاح، لأنّه يوجد، فقط، بالله. أمّا غير المؤمن، فلا يستمتع بهذا الصلاح لأنّ الله غادر قلبه.
وبما أنّ قلبه عاد غير مليء بالله اللاّنهائيّ واللاّمحدود، فكلّ شيء حوله يئنّ مغلَّفًا باليأس. يسعى ويتوق ويلهث وراء الأشياء، ولكن لا شيء يملأه، لأنّ كلّ متع الحياة عاجزة عن ملء الفراغ في قلب الإنسان.
عندما تتوقّف المتع والملذّات الدنيويّة أو تتعطّل، تترك في القلب شعورًا بالمرارة. وعندما تزول أمجاد العالم الباطلة تخلّف وراءها الحزن والأسى.
فالغير المؤمن يؤكّد أنّ سعادة الإنسان لا تتمّ إلاّ عن طريق الانغماس بالملذّات الدنيويّة، ويتعامى عن إنّ التعاسة نصيب كلّ من يتجاهل الله ووجوده. السعادة الحقيقيّة توجد في محبّة الله اللاّنهائيّة وفي أعمال الصلاح المفضيّة إلى الحياة الأبديّة. من ينكر الله يشبه شخصًا ينكر سعادته ونعيمه الأبديّين، فيعيش تعيسًا يناضل ضدّ معارك الحياة المنهكة لقواه لغياب الله من حياته.
وهكذا، فإنّ الغير المؤمن، وفي حالة من اليأس القاتل والخوف المعشعش في قلبه، يمشي، دون أن يعي، إلى قبره الذي يحفره بيده. إنّ العجائب اليوميّة الحاصلة أمام عينيه يخنقها بتجاهله الحكمة والنعمة والقوّة الإلهيّة كلّ التجاهل، فهي تجري أمامه من دون أن يلاحظها.
وعلى الرغم من أنّ المياه الحلوة الرقراقة لنهر الفرح والسعادة تتدفّق وتجري تحت قدميه، إلاّ أنّه، بعدم إيمانه، غير قادر على إنعاش جفاف قلبه، وري يبوسة لسانه بها.
وهكذا، فإنّ العطش إلى الله هو الذي يحرقه، لأنّ عمى عينيه أفقدة رؤية المياه الجارية من البئر الإلهي، هذه المياه القادرة، وحدها، على إطفاء ظمئه، ولذلك لا يستطيع أن ينشد مرتّلاً ممجّدًا الله شاكرًا إيّاه على عطاياه التي يغدقها عليه.
الفرح المنتشر في الكون لا يطرق قلب غير المؤمن، لأنّه نأى بنفسه عن الله، فملأ قلبَه الفراغ والحزن، وغدا قلبه متعنّتًا صلبًا، لأنّ غياب الرغبة في السعي الروحيّ طاغ على روحه.
لقد ضلّ في هذا الليل المظلم الحالك الذي يكتنفه خلوًّا من أيّ قبس من النور ينير سبله المعوّجة المظلمة. لا يوجد من يوجّه خطواته ويرشدها، ولذلك يبقى في سباق الحياة وحيدًا. يبحر في الدنيا بلا رجاء يحدوه لحياة أفضل وأسمى. يثب بين العديد من الفخاخ، ويقع فيها وهو يئنّ من نيرها، ولا يوجد من يريحه منها أو يخفف من ثقلها.
لقد تغلغل الحزن عميقًا عميقًا، فانتفى سلام الروح وهدوء القلب من داخل غير المؤمن. الفرح الذي يجده المؤمن في إتمام الوصايا، والبهجة الناتجة عن تذوّق حلاوة الحياة الروحيّة هي مجهولة، تمامًا، لغير الؤمن.
الفرح الناتج عن الإيمان لم يزر، يومًا، قلب غير المؤمن، والقناعة النابعة من الاستسلام للعناية الإلهيّة التي تخفّف من وقر العراك مع الحياة هي قوّة غير معروفة لغير المؤمن.
الشعور بالشكر والامتنان الناتجين من المحبّة هما سرّ لا يدرك لغير المؤمن.
الغير المؤمن الذي وضع الأمور المادّيّة في المرتبة الأولى، حصر السعادة الحقيقيّة لنفسه بدائرة من المتع العابرة ما يجعله غارقًا بدوّامة لا نهاية لها من القلق، لأنّه يحاول إرضاء نفسه، دائمًا، بالأمور المادّيّة. الرغبة في الفضيلة غريبة كلّيًّا عنه، لأنّه لم يذق حلاوة النعمة الإلهيّة، ولم يختبر فعلها فيه. الغير المؤمن يغضّ النظر عن مصدر الفرح الحقيقيّ، ويهرع، دون أن يعلم، نحو مصدر المرارة.
الإنغماس في الرغبات العالميّة ملأه، وإتمامها لم يجلب له سوى الفراغ، والفراغ فقط. كان يجب أن يؤدّي به هذا الفراغ إلى الإيمان، ولكنّه ينزلق من قلبه، ويقع من شفتيه، بتذمّره وجحوده، وهو غير مبال.
آه، أيّها العبد التعيس لطاغية صعب التحرّر منها. كيف يسرق هذا المتسلّط العاتي فرح الحياة منك؟! كيف ينتزع منك هذا الكنز الثمين، إيمانك، لتنكر إلهك، وترمي الموهبة الوافرة لنعمه الإلهيّة. كم هي تعيسة حياة شخص كهذا!!
لقد أضحت حياته مليئة بالمشاكل، لأنّ فرح الحياة فقد نكهته لديه. تبدو الطبيعة حوله عقيمة قاحلة، لأنّها لا تملأه بأي شعور من النشوة والسرور. إنّه لا يبتهج لرؤيته أيًّا من مخلوقات الله، فحجاب الحزن يغلّف كلّ الطبيعة، فعادت لا تجذبه بسحرها. أمست حياته عبئًا يستحيل عليه حمله، ومع مرور الوقت أصبحت معاناة لا تطاق.
هذا هو السبب الذي يظهر فيه اليأس أمامه كجلاّد معذِّب رهيب. إنّه يرعب الرجل التعيس التي تخلّت عنه شجاعته، وضعفت مقاومته، وأفسد عدم الإيمان أخلاقه.
إنّه يبدو مثل رجل أسلم حياته لأغلال مخيفة من اليأس خالية من الرحمة والرأفة. قطع حبل حياته بقوّة وقسوة، فأُلقي في أعماق الجحيم، في ظلمة جهنّم حيث لا خلاص له.
إمّا الآن، فيستدعيه صوت خالقه الإلهيّ، هذا الخالق الذي أنكره طوال حياته، والذي سيحاسبه على جحوده إيّاه، ثمّ يتمّ الحكم عليه، ويقذّف به إلى النار الأبديّة.
القدّيس نكتاريوس
إعداد راهبات مار يعقوب الفارسي المقطع، دده – الكورة
من موقع www. Johnsanidopoulos. com
نقلا عن orthodoxlegacy.org