الانسان .. ذكرا وانثى - 2

إنسان اليوم السادس (قبل السقوط)
1ـ خلق الجنسين وطبيعتهما
أــ الجنسان متساويان ومن نفس الجوهر
إن الرجل والمرأة متساويان، إذ أنهما من طبيعة بشريّة ترابيّة واحدة. والطبيعة البشريّة تتكوّن من عنصرين؛ الأول: «من الطين» وهو العنصر المادي [1] ، والثاني: من «نسمة الحياة» وهو العنصر الإلهي. وبذلك بات الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يحمل في داخله كلاً من العنصر المادي (الجسد)، والعنصر الإلهي (نسمة الحياة). 
إن وجود العنصر المادي مع العنصر الإلهي أوضح أن الرجل والمرأة لهما علاقة مع الله، وأنهما ينتميان إلى الله. فسر القُرْبَى بين الإنسان (ذكرًا وأنثى) وبين الله ينبع من إيماننا بأن الأول مخلوق بحسب صورة الله ومثاله، كما تعلمنا من الكتب المقدسة ومن آباء الكنيسة. 
ب ــ الاثنان لهما نفس الكرامة
سبق ورأينا أن الخلق «بحسب صورة الله ومثاله» لم يُطبّق فقط على الرجل «آدم» ولكن على المرأة «حواء» أيضًا، والتعليم الآبائي يتفق تمامًا مع هذا الأمر [2] . ومن المؤكد أن الله عندما يوجِّه حديثه للإنسان لا يميِّز بين الجنسين والدليل على ذلك أننا نجد في نص سفر التكوين استخدام المفرد المذكر، والجمع: «نعمل الإنسان (مفرد) على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون (جمع) على سمك البحر وعلى طيور السماء. فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهم» [3] .. وهكذا، فالجنسان ــ بحسب الإعلان الكتابي ــ لهما نفس الكرامة والقيمة. 
بينما تُعتَبَر المرأة في المجتمعات البدائية خليقة من نتاج الآلهة الشريرة، فهي في نظرهم شخص ليست له أي أهمية على الإطلاق. أما الإعلان الكتابي فيُعطي للمرأة نفس الكرامة والتقدير اللائق بالشخص الإنساني آدم. فبعد أن تأمل (آدم) في جميع الحيوانات وتحقّق بحرية كيف أن أيًا من هذه الحيوانات لا تُشبهه وصار حزينًا، وبالتالي لم يستطِع أي حيوان أن يصير رفيقًا ومشاركًا له في الحياة: «وأما لنفسه فلم يجد معينًا نظيره» [4] ،لكن عندما خَلَقَ الله المرأة وقدمها إلى آدم، تحقّق منها ورأى أنها تختلف عن كل الحيوانات وتشبهه ولها نفس الطبيعة التي له [5] .
في نفس نص التكوين، يُذكَر تفصيلاً أن المرأة خُلِقَت «من جنب» الرجل، وبهذه الطريقة لا يمكن القول بأن المرأة هي كائن مختلف أو أدنى كما اعتقدت الشعوب البدائية القديمة [6] ، بل هي شخص بشري كامل، تحمل مع الرجل، اسم مشترك واحد وهو «إنسان»[7] . 
جـ ــ الجنسان في مفهوم آباء الكنسية
تناول آباء الكنيسة هذا الموضوع من جانبين: 
الأول: الجنسان وعلاقتهما أثناء السقوط  .    الثاني: حالة الطبيعة البشرية قبل السقوط. 
أولاً: علاقة الجنسين أثناء السقوط
إن آباء الكنيسة وكتّابها حاولوا البحث في حقيقة التمايز بين الجنسين وهدفه بمعطيات حالة ما بعد السقوط. ولكي ندرك هذا الموضوع جيدًا، لابد أن نعرف الأفكار الفلسفية التي كانت في زمن المسيحية الأولى، حيث سادت ثلاثة تيارات فلسفيّة: الأفلاطونيّة، الغنوسيّة، والأفلاطونية المحدثة. ولأن معلمي هذه المدارس قد بنوا آرائهم على معطيات حالة العالم والإنسان بعد السقوط، لذلك كانوا متشائمين وسلبيين فيما يخص الإنسان (ذكر وأنثى) وبرهنوا على أنهما مخلوقان بواسطة الآلهة الشريرة. 
ووفق الأسطورة اليونانية القديمة، عاقب زيوس[8] بروميثيوس لأنه سرق النيران وأعطاها للبشر وللأموات، فأمر هيفايستوس [9] Ἡφαιστος بتشكيل باندورا [10] Πανδῶρα وهي المرأة التي نشرت كل الشرور في الأرض. 
اعتقد اليونانيون القدماء بأن الآلهة خلقت ثلاثة أجناس: الذكر، الأنثى، والذكر الأنثى. وفق هذه الأسطورة القديمة ذَكَرَ أفلاطون في عمله «المأدبة» Συμπὸσιο أن هذه الكائنات أرادت أن تصعد إلى السماء لتضرب الآلهة، لذلك أمر زيوس، أبولونيوس، أن يفرقهم لكي يصيروا ضعفاء جدًّا. لكن عندما يتقابل أحد هذه الكائنات المنفصلة، بالنصف الآخر، يبقيا محتضنين بعضهما ويهملان أي عمل عندئذ. لذا غيّر زيوس مكان الأعضاء التناسلية لهما لكي يحدث لهما شبع جنسي ويعودا إلى أعمالهما. 
وعلى هذا، فإن معلمي الكنيسة الأولين ــ على خلفية هذا المناخ الفلسفي ــ خاصةً أوريجانوس، حاولوا ربط الفكر الفلسفي السائد عن الإنسان والمرأة والجسد مع الأنثربولوجيا المسيحية.  [11]
كان رأي أوريجانوس أن الله القديم والأزلي أراد أن يخلق كائن بشري واحد وهو «الإنسان» لا يحمل تمييزًا بين الجنسين. لكنه رأى مسبقًا ميل الإنسان تجاه الشر (أي السقوط) وعَرف النتائج المهلكة التي ستسببها هذه الحالة في الطبيعة البشرية (خاصةً الموت)،وهو ما جعله يؤمِّن الحفاظ على الجنس البشري بخلقهم ذكرًا وأنثى. 
كان الأساس الذي بنى عليه أوريجانوس هذا الرأي، ما ورد في (تك1: 26 و27). إذ ذُكِرَ في العدد 26 أن قرار الله الأزلي عن خلق الإنسان ــ كما قلنا آنفًا ــ يتحدّث عن وجود إنسان واحد «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا»، بينما أُعلن بوضوح في العدد 27 أن الله خلق كائنين بشرييْن وهما الرجل والمرأة «فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهم». 
وانطلاقًا من هذا الرأي، رأى بعض الآباء أنه إذا كان الإنسان قد اختار، بكامل حريته، طريقة الحياة بحسب الله ولم يسقط، فإن الله ما كان ليخلق الإنسان ذكرًا وأنثى. وسوف يتم تكاثر الجنس البشري بطريقة أخرى، وليس من خلال الولادة الطبيعية كما يحدث اليوم. وتأكيدًا على هذا الأمر، أشار بعض الآباء إلى الكائنات الروحيّة غير المادية مثل الملائكة، فضلاً عن ولادة يسوع التي صارت بدون زرع بشر بل من الروح القدس والعذراء مريم. إن هذا الرأي، قَبلِه بعض الآباء مثل غريغوريوس النيصي ويوحنا الذهبي الفم [12]
ثانيًا: علاقة الجنسين قبل السقوط
تناول الآباء موضوع العلاقة بين الجنسين من حيث طبيعة الإنسان الأولى قبل السقوط، وأكد الآباء أمثال: ثيوفيلوس الأنطاكي، ايريناؤس أسقف ليون، باسليوس الكبير، ويوحنا ذهبي الفم، أن طبيعة الإنسان قبل السقوط كانت مدعوة للكمال ولكنها لم تكن كاملة. فالله لم يخلق الإنسان في حالة الكمال من البداية. 
لكن، ماذا يعني أن الإنسان خُلِقَ «بحسب صورة الله ومثاله»؟ يعني أن الطبيعة البشرية خُلقت ولديها ميل تجاه الكمال وأنها مدعوة مسبقًا بحسب الصورة التي خُلقت عليها إلى الكمال.
إذن، لم تكن حالة أبوينا الأولين في الفردوس حالة نهائيّة وكاملة، فضلاً إلى أنه لم يكن شيئًا في تلك الحالة الأولى أيضًا في حالة كمال، إذ قيل: «ورأى الله كل ما عمله فإذ هو حَسَنٌ جدًّا» وليس «كامل». ونستدل على ذلك أيضًا من الوصيّة التي شرّعها الله للإنسان: «ووضعه في جنة عَدْنٍ ليعملها ويحفظها» (تك2: 15). هكذا، كان كل شيء غير كامل وفي احتياج للعناية. 
هذا لا يعني، بالطبع، أن الله لم يستطِع أن يخلق الإنسان في حالة الكمال المطلق. بالتأكيد كان يستطيع، لكن مثل هذا الكمال يأتي من جانب واحد؛ من الله فقط. علاوة على أنه لن يكون ذو قيمة أخلاقية للإنسان، طالما أنه لن يكون نتيجة اختياره الحر وجهاده الذاتي. 
لأجل هذا السبب فإن الله لم يضع الإنسان في حالة الكمال، ولكنه وضع الكمال موضوع العمل المشترك «συνεργασὶα» بين إرادتين حريتين: إرادة الله وإرادة الإنسان. 
إذن، كان على الإنسان أن يختار بمحض إرادته وحريته حالة الكمال، وأن يجتهد لينالها عن طريق معونة خالقة [13].
لكن، لابد أن ننتبه إلى أمر مهم وهو أن حالة عدم الكمال لم تكن في خلق جسديهما، فعندما شكّل، الله، الإنسان، لمع كتمثالٍ خارج للتو من المسبك.
فحالة عدم الكمال لأبوينا الأوليْن كانت في السلوك وفي الفكر. والإنسان في هذه الحالة كان يملك خاصية التغيُّر Τρεπτότητα والإمكانية ليعمل تجاه الصلاح أو تجاه الشر. 
ويقول القديس باسليوس: [داخل الفردوس، كان الإنسان (الرجل والمرأة) على طريقة واحدة. فالطبيعة البشرية كانت متجهة ناحية الله والخيرات الروحية، لكن هذا التحوُّل صار تدريجيًّا وبطريقة واعية. فالإنسان اختار بمحض حريته أن يكون له طريقة واحدة للحياة التي لها هدف واحد وفريد وهو الاتحاد بالله. وهكذا يصل الإنسان إلى حالة الكمال[14].
ولتحقيق هذا الهدف اتخذ الله الآتي
أولاً: خلق فئتين من البشر، الرجل والمرأة، حتى يمضيا بالحوار الشخصي بينهما في الحصول على النضوج والكمال. 
ثانيًا: بدأ الله في تربية أبوينا الأوليْن معطيًا لهما وصايا تربوية مختلفة، على سبيل المثال: تحريم الأكل من ثمار شجرة المعرفة ... إلخ. ويهدف هذا العمل التربوي إلى الوصول إلى حالة الكمال الروحي للجنسيْن.
وهو ما دعى ذهبي الفم ليقول: [إن التمايز بين الجنسين، وبالأخص في خلق المرأة، لم يصدر عن إجبار ولا يرجع إلى عناية الله لأجل عدم فناء الجنس البشري. لكن صار كوسيلة تتميم مسيرة الإنسان من «بحسب الصورة» إلى «بحسب المثال» في حصوله على كماله الأصلي].([15])
2ـ الجنس في مرحلة ما قبل السقوط
تناول الفكر المسيحي اللاهوتي، الحديث عن سر الجنس ليس فقط في الحالة الأولى لحياة الإنسان، حالة ما قبل السقوط، بل وفي الحالة الثانية، حالة ما بعد السقوط. وسوف نقدم التناولات اللاهوتية للأنثروبولوجيا المسيحية عن الجنس في حياة البشر في كلتا الحالتين. عن هذا الموضوع الدقيق، يوجد هناك رأيان أساسيان عند آباء الكنيسة في الشرق والغرب: 
الرأي الأول ــ أن أبوينا الأوليْن لم يستخدما إمكانية الجنس
ينادي كثير من الآباء بأن الجنس كان موجودًا «كإمكانية» في جسد كلٍّ من آدم وحواء في الفردوس، ولكن لم يستخدماه لأنهما كانا متجهين ــ بطريقة واحدة ــ نحو الله وكانا وفييْن في عشقهم الإلهي الأول. هكذا الجنس ظلّ بلا استخدام.
وإن ظل البشر مخلصين في عشقهم الإلهي ومحبتهم المتنامية من نحو الله، لما كانت هناك ضرورة لاستخدام «الإمكانية» التي كانت لهم ليعرف كلٌ منهما الآخر. وفي تلك الحالة لن يكون الجنس ضرورة لأجل تكاثر الجنس البشري، الذي يمكن أن يتحقق بطريقة مختلفة. 
ومعنى أن الجنس، قبل السقوط، كان موجودًا «كإمكانية» هو أن أبوينا الأوليْن لم يمارسانه بالضرورة، ولكن بعد السقوط انتقل الجنس من حالة الإمكانية إلى الفعل. 
ويشرح ق. غريغوريوس النيصي هذا الأمر قائلاً: [فذاك الذي جاء بكل الأشياء إلى الوجود وصنع الإنسان ككلٍّ بإرادته وحده، على صورته الإلهيّه ... رأى مسبقًا كل ما هو آتٍ؛ أي فشل إرادة الإنسان في الاحتفاظ بعلاقة مستديمة مع الخير، وانحداره التالي عن الحياة الملائكية. فلكي لا يتسبب ذلك في انقراض الجنس البشري بسقوط الإنسان، صنع لطبيعتنا هذه الوسيلة للتكاثر لتناسب أولئك (البشرية) الذين سقطوا[16].
إن قول الكتاب عن آدم وحواء أنهما «كانا كلاهما عُريانين، آدم وامرأته، وهما لا يخجلان» [17] يعني أن أبوينا الأوليْن بالرغم من أنهما كانا عريانين أمام الله وفيما بينهما، إلا أنه لم تكن هناك أي علاقة جسدية كما حدث بعد السقوط. فآدم وحواء لم يستخدما هذا الجنس «كفعل» بل ظلّ قائمًا «كإمكانية» قبل السقوط.
أما الآية «أثمروا واكثروا واملأوا الأرض» [18] لم توضح طريقة التكاثر ولا يُشير هذا العدد إلى طريقة بقاء الجنس البشري. لكن التركيز هنا على هدف الجنسين وهو خلق شركة بشريّة شخصانيّة وممارسة السيادة على كل المخلوقات. 
وعلى خلاف ذلك نجد الآية: «يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدًا واحدًا» [19] فإنها تشير إلى معرفة الرجل للمرأة بعد السقوط. وهكذا الآية: «عرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت» [20] أعلنت بوضوحٍ عن حالة ما بعد السقوط. 
إذن، بحسب شواهد النصوص الكتابيّة، نستطيع أن نستنتج أن أبوينا الأوليْن لم يعرف بعضهما الآخر في الحالة الأولى قبل السقوط.
أما عن خصائص حالة ما قبل السقوط فهي كالآتي
أـ البساطة Απλότητα
كان تكوين الإنسان النفسي والجسدي «كصورة» لله، بسيطًا، وهذا يعني أن كل العناصر النفسيّة والجسديّة في طبيعة الإنسان كانت تعمل معًا بتجانس. فالطبيعة الإنسانية البدائية لم تكن تميل لتناقضات الحياة التي قد تُسبب لها الاضطرابات. وهذا المفهوم نجده في الشهادة الكتابية بأن الإنسان كان «عريانًا» [21] كدليل مباشر على الحياة البسيطة التي كان يحياها. وكان للإنسان جسدًا لحميًا ولكن جسده لم تكن به خصائص جسد ما بعد السقوط؛ أي «الفساد».
ب ـ إمكانية عدم الفساد Δυνατότητα ảφθαρσὶα .
لم تنل التغيرات المستمرة والتحولات التي تتصف بها الخليقة غير العاقلة، مثل المرض والموت، من الإنسان في مرحلة ما قبل السقوط. [22] 
جـ ـ عدم الهوى (عدم التأثر) Απάθεια
لم يكن الإنسان مستعبدًا للشهوات ولم يكن في احتياج للشهوات الخاطئة الناتجة عن الغرائز غير السويّة. فالمنظومة النفسيّة والجسديّة لم تكن تعمل كما تعمل اليوم. وكان باستطاعة أبوينا الأوليْن أن يتناولا ثمار الفاكهة ولكن ليس بسبب أن الأكل هو وسيلتهم للبقاء بل للتمتع بعطايا الله. كما لم يكن الإنسان محتاجًا للملبس والمأوي. [23]
د ـ التشبه بالله 
مُنِح الجسد الإنساني «نفخة من الله» تعكس الجمال الإلهي في داخله ومجد الله أيضًا. 
إذن، الوجود النفسي والجسدي للإنسان، في حالته الأولى، وُجِدَ في النعمة والنور والمجد الإلهييْن.
هـ ـ العشق الأول واللّذة الأولى 
أكد آباء الكنيسة أن الله أعطى للطبيعة البشرية، منذ لحظة خلقها، حركة عشقيّة «ميل للحب والعشق» ووضع في الوجود البشري العشق الإلهي Θείο Έρωτα لكي يتجه الإنسان ناحية الله ومن ثم ناحية كل الكائنات العاقلة إذ يخرج من ذاته لكي يتقابل مع معشوقه. 
إذن، كان لآدم وحواء حرية الحركة لصُنْع علاقة مع الكائنات العاقلة، وخاصة الله من خلال العقل. ووصف القديس باسليوس الإنسان الأول بأنه ذو الاتجاه الواحد μονότροπος. وهذه الحركة العشقيّة التصاعديّة تجاه الله سبّبت لذّة لا تُوصف للأبويْن الأوليْن. لذا لم يستخدما العشق الجسدي (العلاقة الجسدية) ولم يشعرا بأي احتياج له، كما قلنا مسبقًا.
الرأي الثاني ـ الاستخدام الصالح للجنس 
أيضًا هناك آباء يدعمون رأي مختلف. فالقديس باسليوس في مسألة التمايز بين الجنسين يتبع حرفيًا سفر التكوين ولا يتفق مع رأي أوريجانوس ولا مع رأي أخيه غريغوريوس النيصي، لكنة يقبل بأن ولادة البنين بواسطة معرفة الرجل لامرأة في الزواج أُعطيت للبشر كتعزية παραμυθὶα بسبب الموت الذي أصاب الجنس البشري كنتيجة للسقوط. 
وواضح جدًا أن القديس باسليوس لم يساند إطلاقًا الرأي القائل بأنه لو لم يخطئ الإنسان لكان تكاثر بطريقة أخري كما يعتقد آباء آخرون، كما أسلفنا. 
على الجانب الآخر، فإن القديس أغسطينوس، بينما كان يُعلِّم بأن الشهوة الجسدية وخاصة الجنسية هي في طبيعتها خاطئة إلا أنه يعتقد بأن تكاثر البشر في حالة إخلاص الأبوين الأوليْن لعشقهم الإلهي، سيصير بواسطة معرفة الرجل لامرأة. بهذا يعني أنه في هذه الحالة، فإن تلك العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة سوف لا تظهر بملمحها الغريزي اليومي الذي هو خاطئ، كما يعتقد، ولكن ستظل بمثابة ممارسة طبيعية منسجمة انسجامًا مطلقًا مع كل الممارسات النفسية والجسدية للمنظومة البشرية وخاصة أنه سيكون عمل وفعل مُتحكّم فيه. 
في هذه الحالة، فإن الإنسان كان له أن يستخدم تلك الإمكانية الجسدية بلا شهوة؛ أي بدون الشهوة الجنسية مثلما يستخدم الأعضاء الجسدية الأخرى[24]
في هذه الحالة تكون الولادة البيولوجية بدون ألم، والتي صارت هكذا، بحسب الكتاب، نتيجة السقوط، كما سنرى لاحقًا. 
3ـ انفصال مسألة التمايز بين الجنسين من منظور الجنس «كعلاقة»
إننا نجد أن الآراء الآبائية عن التمايز بين الجنسين متنوعة، إلا أنه يوجد اتفاق بين الآباء بخصوص الجنس في الحالة الأولى للأبويْن الأوليْن. فالبشر في الحالة الأولى لم يكونوا في احتياج للعلاقة الجسدية ولم يمارسوها كما تُمارس اليوم بعد السقوط. على أية حال، فإن هذا يعني أن التمايز بين الجنسين ينفصل عن موضوع الجنس «كعلاقة».
وبهذه الطريقة، فإن الأنثربولوجيا المسيحية تعطي الأولوية للمساواة في الكرامة وللمشاركة بين الجنسين والمرتبة الثانية تعطيها للجنس . هكذا التعليم المسيحي يكرز أولاً بإعلان المساوة في الكرامة للجنسين وخاصةً للمرأة. 
والسؤال عن المرأة والجنس والذي اهتمت به البشرية منذ فجر تاريخها. أجابت عليه الأنثربولوجيا المسيحية، فالمرأة هي شخص بشري كامل. لها نفس الكرامة مع الرجل. 
والجنس كما أُعلن (بعد السقوط) ليس له علاقة بحالة الطبيعة البشرية الحقيقية كما خلقها الله منذ البداية (أي قبل السقوط).
خاتمــــة
لقد تحققنا مما قلناه، في المقالتيْن السابقتيْن، أن الطبيعة البشرية هي واحدة، وأن الجنسين؛ الرجل والمرأة، هما من نفس الجوهر، لهما نفس الكرامة، أما التمايز بينهما فهو يتعلق بخطة الله الأزلية وكذلك بكمالهما الشخصي واكتمالهما باتحادهما بالنموذج الأصلي للبشرية؛ يسوع المسيح الإله/الإنسان. أما الجنس، كوظيفة، كان موجودًا بالتأكيد في الحالة الأولي للجنسين، لكنه كان مجرد وظيفة ممكنة εν δυνάμει وليست وظيفة مفعّلة εν ενεργεία.
هذا يعني أن الأبويْن الأوليْن؛ آدم وحواء لم يستخدما هذه الوظيفة أثناء إقامتهم في الفردوس. وهذا لأن طبيعتهما كانت متجهة ناحية الله، في حركة تصاعديّة وعشقيّة دفعت البشر تجاه خالقهم. وبالتالي فإن التمايز بين الجنسين ليس له أي علاقة بالجنس «كعلاقة» على الأقل في الحالة الأولى. لكن هذا التمايز يدل على الملمح الشخصاني المزدوج للطبيعة البشرية التي خُلقت منذ البداية كشركة شخصيْن لهما نفس الجوهر «على صورة الله». 
وأيضًا هناك بعض الآباء مع القديس أغسطينوس ينادون بأنه حتى لو لم ينفصل الأبوان الأولان عن محبة وشركة الله، كانوا سيستخدمون الجنس «كعلاقة». وفي هذه الحالة ـ وفق هذا الرأي ـ سيظل الجنس يعمل كوظيفة إنسانية وليست غريزية. هذا يعني أن البشر كانوا سيستخدمون الجنس مثلما يستخدمون الأيدي والأرجل.
هذا الرأي مؤسّس على القناعة بأن الملمح الغريزي الشهواني للجنس هو تمامًا عنصر للطبيعة المتغيرة بعد السقوط. هكذا الفصل في التمايز بين الجنسين قبل السقوط يعطي الأولويّة للملمح الاجتماعي للجنسين من جهة التساوي في الكرامة وفي الجوهر، بينما الجنس له المكانة الثانوية. من هذا المنطلق، فإن الأنثربولوجيا المسيحية نادت بكرامة ومساواة الجنسين.


د.جورج عوض إبراهيم
دكتوراة فى العلوم اللاهوتية 
باحث بالمركز الارثوذوكسى للدراسات الابائية 
مدرس بالكلية الاكليريكية بالقاهرة 

+ نشر هذا البحث اولا فى مجلة مدرسة الاسكندرية - السنة الاولى - العدد الثالث  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] انظر تك2: 7. 
[2] انظر: ذهبي الفم، عظة 10 عن سفر التكوين ΒΕΠΣ 42,36 وأيضًا: غريغوريوس اللاهوتي ΒΕΠΣ 60,56. 
[3] انظر: ذهبي الفم، عظة 10 عن سفر التكوين ΒΕΠΣ 42,36. 
[4] انظر تك2: 20. 
[5] انظر ق. كليمندس الإسكندري PG8: 1272A. 
[6] انظر: ق. ثيوفيلوس الأنطاكيΒΕΠΣ, 40 . 
[7] انظر: ق. كليمندس الأسكندري ΒΕΠΣ 7,85 . 
[8] كبير آلهة اليونانيين وهو إله البرق والرعد. ومن ألقابه هو (الأب) وقد عرفه الرومان بهذه الصفة فلقبوه بجوبيتر (Jupiter) (والتي تحتوي على عنصر كلمة [أب] الهند أوربية pitar) كما عرفه الهنود بنفس الصفة باسم دياوس بيتا Dyaus pita. 
[9 ] ربُّ الصناعة والحدادة عند اليونانيين. 
[10] يعني اسمها (مانحة كل الهبات) أو (حاملة كل الهدايا). ومن ثم فقد ترمز إلى الأرض نفسها أم الأشياء جميعًا. على أية حال كان الذي استقبلها على الأرض هو أخ غبي لبروميثيوس ويدعى إبيميثيوس. لقد زيّن هيفايستوس، باندورا، بكل الهدايا التي وهبها لها الإله، فحملتها في إبريق يقبع في قاعه الأمل. فشرعت باندورا تبعثر هداياها أي شرورها في كل أركان الدنيا فامتلأت الحياة بالرذائل والرزايا وبقى الأمل وحده. انظر: 
Pandora. Encyclopædia Britannica. Ultimate Reference Suite. Chicago: Encyclopædia Britannica, 2009. 
[11] Θ. Ζήση, Άνθρωπος και κόσμος εν τή οικονομὶα τού θεοὺ, κατά τὸν ιερόν χρυσόστομον, εκ. Ιδρ. Πατερικῶν Μελετῶν, Θεσσοιλονίκη, 1971, σελ. 21 εξ. Επίσης βλ.: Γ. Πατρῶνου, Γάμος καὶ αγαμὶα, ὁπ.Π., σελ. 32 εξ. 
[12] عن رأي ق. غريغوريوس النيصي، انظر: 
H. Μουτσούλα, Η σάρκωση του Λὁγου καὶ η θέωσις του ανθρώπου, κατά τήν διδασκαλὶαν του Γρηγορὶου Νὺσσης, Αθάνα, 1965.
وق. يوحنا ذهبي الفم، انظر عن الكهنوت: PG 48: 546 . 
[13] Α. ΓιέBτιτς, χριστὸ-αρχή καὶ τὲλος, σελ. 40. 
[14] Ολ. Π. Τσανανῶ, η Ανθρωπολογὶα του Μ. Βασιλεὶου, εκ. Ιδρ. Πατερικών 
Μελετῶν, Θεσσαλονίκη, 1970, σελ. 53. 
يقول ق. إيريناؤس: [وإذ جعل الله الإنسان سيدًا على الأرض وعلى كل شيء فيها، جعله كذلك سيدًا على الكائنات التي كان ينبغي أن تخدمه. وبينما كانت هذه الكائنات في قمة قوتها، كان سيدها الإنسان لا يزال صغيرًا، كان طفلاً عليه أن ينمو لكي يحقق كماله]. انظر: 
القديس إيريناؤس، الكرازة الرسولية، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد ود. جورج عوض إبراهيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ط2، فبراير 2009، ص 78. 
[15] انظر: شرح ذهبي الفم على سفر التكوين PG54: 694. 
[16] Γρηγόριος Νύσσης, περί κατασκευής του ανθρώπου, ΕΠΕ 5, 17. 
انظر أيضًا: شرح سفر التكوين، أحد رهبان دير القديس أنبا مقار، دار مجلة مرقس، ط1، 2005، ص117. 
[17] تك2: 25. 
[18] تك1: 28. 
[19] تك 2: 24. 
[20] تك4: 1. 
[21] انظر ق. غريغوريوس اللاهوتي، في البصخة PG 36,632 
[22] انظر: غريغوريوس النيصيPG 46,148c-149 a. . 
[23] انظر: غريغوريوس اللاهوتي P36,63cc 
[24] Π. Тρεμπέλα, Δογματική, τόμ. 1, σελ. 509.