أيها المؤمنون، أنتم تعرفون خصائصه. إنّ ختمه الفريد هو بالحقيقة إشراق الروح القدس، مع العلم أنه يتّخذ أشكالاً متعددة في فعله، ومعالم متعددة في فضائله.
أوّلاً ومن حيث الضرورة يأتي التواضع، لأنه أساس الفضائل الأخرى كلّها وجوهرها: "إلى مَن أنظر، يقول الرب، إلاّ إلى الوديع، إلى المتواضع والذي يرتعد لكلماتي؟" (أشعيا 2:66).
ثانياً يأتي النوح منبعُ الدموع التي أود أن أقول عنها أشياء كثيرة، لكنّي لا أجد التعابير المناسبة لذلك.
إنها عجب لا يُستطاع التكلم عنه. أي كيف أن الدموع التي تسيل من العينين الحسيّتين تطهّر النفس عقليّاً من وسخ خطاياها؟
كيف أن تلك التي تسقط على الأرض تحرق الشياطين وتسحقها وتحرّر النفس من رباطات الخطيئة غير المنظورة؟ آه! أيتها الدموع المتدفقة بواسطة الاستنارة الإلهيّة، التي تفتح السماء هذه وتعطيني تعزية إلهيّة! إنني أعود وأكرر الكلمات نفسها بدافع شوقي وامتناني:
حيث يوجد، ايها الإخوة، دموع غزيرة بمعرفة حقيقية هناك أيضاً إشراق للنور الإلهي. وحيث إشراق النور هناك هبة الصالحات كلها، هناك يُختَم بخاتم الروح القدس داخل القلب، التي منه تأتي أثمار الحياة كلّها.
من هنا يُزهر من أجل المسيح السلامُ، الرحمة، الرأفة، الصلاح، البر، الإيمان والعفّة. وبالتالي محبة الأعداء والصلاة من أجلهم، الفرح في التجارب والافتخار في الشدائد. وأيضاً أن يحسب المرء خطايا الآخرين خطاياه، أن يبكي من أجلها وأن يضحّي بحماس بنفسه من أجل الإخوة.
لننظر إذاً، أيّها الإخوة، إلى أنفسنا ولنفحصها بدقة ونتعرّف إلى حالتها. هل يوجد فينا هذا الخاتم؟ فلنميّز من خلال العلامات المذكورة سابقاً إن كان المسيح فينا. أيّها الإخوة المسيحيّون أرجوكم اصغوا، تيقّظوا وابحثوا:
هل أشرق النور الإلهي في قلوبكم؟ هل تمتعّتم بنور المعرفة العظيم؟ هل افتقدنا من السماء الشمس المنيرة للذين في الظلام وظلال الموت؟
إن حصل ذلك فلنمجد السيّد الصالح باستمرار ولنشكرْه على الهبة التي منحنا إياها. ولنجاهد بواسطة عمل الوصايا (أي تطبيقها) من أجل أن نوقد في داخلنا الشعلة الإلهية.
لكن إن لم نحصل بعد على المسيح أو على خاتمه، إن لم نميّز في أنفسنا العلامات المذكورة أعلاه، بل على العكس نرى العالم الباطل يحيا فينا، ونحن الأشقياء نحيا فيه ظانين أن الأمور العابرة لهي شيء عظيم جداً،
وإن كنّا بعد نستسلم للشدائد، نحزن للمصائب، ونفرح للرفاهية والغنى، عند ذلك يا للتعاسة! يا للجهالة والعمى! يا للشقاء وعدم الاحساس! هذه السائدة علينا، التي تشدنا إلى الأرضيات وتعلقنا بها.
بالحقيقة يُشفَثق علينا وعلى شقائنا الكامل لأننا نكون غرباء عن الحياة الأبدية والملكوت السماوي نحن الذين ليس فقط لم نحصل بعد في داخلنا على المسيح، بل وجعلنا العالم الباطل فينا ونحن فيه ونهتم بالأمور الأرضية.
من الواضح أن هذا الإنسان هو عدو لله، لأن التصاقه بالعالم الباطل عداءٌ لله (يعقوب 4:4). وكما يقول الرسول: "لا تحبّوا العالم والأشياء التي في العالم" (1يوحنا 15:2) لأنه لا يستطيع أحد أن يخدم الله، وفي الوقت نفسه، أن يعيش بحسب العالم كون أمور العالم تعيق محبتنا لله وإرضائه.
القديس سمعان اللاهوتي الحديث
ترجمة الأرشمندريت أفرام كرياكوس
orthodoxlegacy.org