خبرة القيامة

" هذا هو اليوم الذي صنعه الرب لكي نفرح ونتهلل فيه "
هكذا تنشد الكنيسة في إحدي تسابيح خدمة أحد الفصح.
لماذا الفرح والتهليل؟
 لأن المحبة قوية كالموت، والمياه القوية الجارفة لن تقضي عليها، كما يقول نشيد الأنشاد،
 لأن الظلمات لم تتمكن من خنق النور،
 لأن مخلصنا قد نهض من القبر حيًا، ممجدًا.
ولأن الفصح أيضًا يجلب لنا، نحن بالذات، كلمة قيامة وحياة؛ يدعونا إلي حياة قيامة، إلي حياة جديدة، إلي حياة متحررة من سلطان الشر، ترنو برجاء إلي الذي غلب الخطيئة والموت. 
ومع ذلك فلن يكون فرحنا بالفصح أبدًا كفرح التلاميذ الذين لهم ظهر يسوع بعد قيامته. لقد رأي التلاميذ والنسوة حاملات الطيب المسيح الناهض، رأوه بأعينهم، رأوه في جسده، سمعوه ينطق. 
ويذكر القديس بولس، فيما يكتب إلي أهل كورنثوس، أن المسيح الناهض من القبر لم يظهر فقط للأثني عشر بل لأكثر من خمسمائه من الأخوة، وأكثرهم كان علي قيد الحياة وقت كتب بولس رسالته. 
ويقول القديس يوحنا في رسالته الأولي:
"الذي رأيناه بعيوننا الذي تأملناه ولمسته إيدينا به نبشركم".
 من حظ الجيل المسيحي الأول أنه رأي السيد قبل موته وبعد قيامته. 
أما بالنسبة لنا فالأمر ليس هكذا إلا في بعض الحالات الاستثنائية، وهي أكثر مما نظن غالبًا. ليس المسيح الناهض مرئيًا الآن بالنظر أو محسوسًا بأي حاسة أخري من الحواس. لقد صارت قيامة الرب بالنسبة لنا موضوع إيمان. إننا نؤمن بالقيامة. وللوهلة الأولي يضعنا هذا الإيمان في حالة أدني من التي عرفها التلاميذ الذين رأوا القيامة وتلمسوها.
ألا نجد أننا أقل حظًا إذًا قارنا فرحنا الفصحي بفرح الشهود الأولين، بفرح الذين رأوا السيد الغالب الموت؟ 
 الجواب الصريح: لا ويجب إن نشدد علي هذه النقطة. لأن فيها جوهر بشري القيامة، لأن فيها قلب هذه البشري. لنا، نحن، اليوم بالذات، خبرة حية لقيامة المخلص
إن هذه الخبرة تختلف دون شك عن التي إختبرها التلاميذ. فليس المقصود بعد رؤية حسية للقيامة بل خبرة داخلية. خبرة روحية، يمكنها مع ذلك أن تغدو خارجية وحسية في التصرف والعمل.
أنها كخبرة الشهود الأولين من حيث صحتها وحقيقتها. سنري أيضًا أن خبرتنا نحن للمسيح الناهض قد تتخطي، في بعض النواحي، خبرة التلاميذ. 
كيف بإمكاننا أن نعرف اليوم خبرة حقيقية، شخصية لقيامة المسيح؟ 
عندنا، بداهة، اللقاء الحسي الروحي بشخص المخلص، لقاؤه في جسده ودمه. ويجد هذا اللقاء التعبير عنه في اشتراكنا في القربان المقدس.
عندنا أيضًا اللقاء الحميم الشخصي، لقاء الشخص مع الشخص أو بالأحري لقاء القلب مع القلب الذي يتم عندما لا تعود صلاتنا الفردية نصًا نردده بفعل الممارسة، عملاً أليًا بل تغدو حوارًا وأكثر من حوار مع المعلم، تغدو توثب حب وإتحاد صرفًا صامتًا نحو الحنان المطلق والرحمة المطلقة. 
ومع ذلك فإننا تركز علي ناحية أخري من خبرتنا الحالية للقيامة. 
لقد دعا ربنا يسوع المسيح الرسول توما ليقرّب أصبعه ويقدّم يده ويلمس جراحات آلامه. لا يمكننا أبدًا، اليوم، أن نلمس الجراح التي عرفها جسد المسيح التاريخي
ولكن بإستطاعتنا في كل يوم، في كل لحظة أن ندنو من جراحه، من شقاء أنفس البشر وأجسادهم. وكلما فعلنا ذلك من كل قلبنا، بمحبة كلية تمحو كل تعلق بالذات، نشعر بوجود المسيح. أنه وجود حي، حادّ، قوي حتى أننا لا نستطيع الشك فيه. وعندئذ نعرف خبرة صحيحة لقيامة الرب. 
لقد عرف التلاميذ خبرة وجود الرب الناهض قبل القيامة وبعدها. 
ولكنه كان وجودًا محدودًا، محصورًا في نقطة. أما إذًا آمنا، إذًا شعرنا أن المسيح حاضر بالنسبة لنا بشكل جديد حيثما نحب بصدق وإخلاص، فتصبح خبرتنا للقيامة اوسع وأشمل من خبرة التلاميذ
فلنرفع إلي الرب، في هذا الفصح الشكر لأنه وسّع إلي أبعد الحدود خبرة الناس لقيامة المسيح، ولأنه علّمنا أن الحب الناهض، هو دومًا حب بلا حدود. 

الأب ليف جيلله +
راهب يتبع عائلة الكنائس الارثوذكسية الخلقدونية  
عن الكتاب الشهرى للشباب والخدام - مايو 2011
اصدار بيت التكريس لخدمة الكرازة بالقاهرة  
نقلا عن مجلة النور الأرثوذكسية بيروت لبنان.