تفسير المعجزات فى انجيل يوحنا - 4

تفسير المعجزات في إنجيل يوحنا عند آباء الكنيسة ومعلّميها 
-4- معجزة شفاء مريض بيت حسدا 

ملاحظات افتتاحية: 
إن شفاء مريض بركة حسدا ورد فعل اليهود (يو1:5ـ15) صارا دافعاً للحديث العظيم للمسيح الوارد في (يو19:5ـ47).
 وأيضاً لمقاومته الأولى المباشرة ـ في إنجيل يوحنا ـ للرئاسة اليهودية، وظاهرة عدم الإيمان.



 إن أول مواجهة للمسيح مع اليهود قد تمت فعلاً أثناء حادثة تطهير الهيكل المذكورة في ( يو14:2ـ22 ). 
لكن هذه المواجهة لم تؤدي لكشف واضح للعداوة اليهودية كما ظهرت في الإصحاح الخامس. 
هناك سببان قادا اليهود، لمحاولة قتل المسيح (يو16:5ـ18) 

الأول: عدم حفظ فريضة السبت من جانب المسيح (يو9:5ـ16). الثاني: إعلان المسيح أنه الله أباه (يو17:5ـ18).
على الجانب الآخر، فإن مواضيعًا هامة يتحدث عنها يسوع بمناسبة معجزة شفاء المخلع (يو19:5ـ47)، والتي تمثل تعليقًا لاهوتيًا على المعجزة، ومفتاحًا لفهمها. هذه المواضيع هي: 
وحدة المسيح مع الآب على مستوى الطبيعة (يو30،23،18،17:5)، ومستوى الأعمال (يو36،30،20،19،17:5)، ومستوى العطايا (يو40،29:5). 
تحديد عطية المسيح كحياة أبدية، والتي لها في نفس الوقت ملمح آني ومستقبلي (يو21:5ـ29). 
شهادة الآب عن المسيح (يو38،37،32:5)، وشهادة أعمالة نفسها (يو36:5)، وشهادة يوحنا المعمدان (يو33:5ـ35)، ومن الكتب المقدسة (يو47،46،45،39:5). 
أخيرًا، عدم إيمان اليهود وقساوتهم، إذ لم يضعوا في حسابهم كل هذه الشهادات، واستحالة فهمهم للهوية الحقيقية لشخص المسيح (يو41:5ـ47). 

تقسيم المعجزة: 

مقدمة (يو1:5ـ4)  
الشفاء المعجزي (يو5:5ـ9) 
راحة السبت (يو9:5ـ16)   
خاتمة، والإعلان الجديد بالمسيح

مقدمة:(يو1:5ـ4) 

يصعد المسيح إلى أورشليم، بعد العلامة الثانية، للاحتفال بعيد من الأعياد اليهودية . ومن الجدير بالذكر أن اليهود ينبغي لهم أن يعيدوا في أورشليم ثلاثة أعياد: الفصح وعيد الخمسين وعيد المظال.
 ولم يذكر الإنجيلي يوحنا ما هو هذا العيد. لكن يرى بعض الآباء مثل ذهبي الفم، أن هذا العيد هو عيد الخمسين. من جهة أخرى، يضع يوحنا خطاً فاصلاً بين العبادة اليهودية والعبادة المسيحية بوصفه أن العيد كان يهوديا. 
إن المعلومات المذكورة عن بِركة بيت حسدا في عدد:2 قد أكدها البحث الأثرى المعاصر. المكان يتكون من حوضين من المياه يفصلهما حائط عالي، وكل البناء يحتوي على خمسة أروقة.
 أربعة أروقة تحتوي على الحوضين من كل الجوانب، والخامس كان مبني فوق الحائط الذي يفصلهما. وإن تسميتها ببيت حسدا في العبرية تعني "بيت الرحمة"، وهذه التسمية ترجع إلى تجمع المرضى في الأروقة، وكذلك من الأشفية العجائبية التي تتحقق عندما تتحرك المياه بواسطة التدخل الإلهي (الملاك).
 أما "باب الضأن" فيعتبره البعض هو نفسه المذكور في سفر نحميا(1:3) 
في عدد3: يذكر الإنجيلي جموع المرضى الذين ينتظرون تحريك ماء البِركة، التي يمنح الله فيها قوة الشفاء. وذهبي الفم مثل معظم آباء الكنيسة يعتبر أن البِركة مِثال للمعمودية، قائلاً:
" أى طريقة شفاء هذه؟ وإلى أى سِر تشير؟ إن هذه الأمور لم تُكتب دونما سبب، لكنة يصف ما هو آتٍ بما يشبه العرض أو الصورة التوضيحية حتى لا يسبب ضرراً لإيمان الكثيرين. ورغم غرابة أسلوب الشفاء هذا وعدم توقعه إلا أنة كان يحدث. إذن ما هذا الذي يريد أن يصفه ؟ لقد أراد أن يتحدث عن المعمودية التي هي ملء القوة والنعمة"[1].
 هكذا أتى المسيح بدلاً من الملاك لكي يمنح قوة الشفاء بواسطة المعمودية ليس فقط للمخلع بل لجميع الذين يؤمنون به. على الجانب الآخر أراد الإنجيلي يوحنا أن يوضح، لمجموعات كانت في زمن المسيحية الأولى تؤمن بوسائل شفائية أخرى، أن المسيح هو الطبيب الشافي الحقيقي الذي يمنح الحياة للجسد والنفس. 
أيضًا يظهر المسيح ـ في عدد3 ـ للحشد المتألم والمنتظر لتدخل الله الخلاصي غير مدركين بأن المسيح يملك قوة الله المحيية. وعدم الإدراك هذا يجعلهم يظلون على حالتهم المريضة.
 هذا العدد يقدم الحالة اليائسة لأغلبية شعب إسرائيل الذي يتطلع إلى مجي يهوة، بيد أنهم لم يدركوا أن العصر الأخروي قد بدأ بمجيء المسيح ابن الله. 

2 ـ الشفاء المعجزي (يو5:5ـ9) 

يوجد بين حشد المرضى المنتظر عند البِركة في الأروقة الخمسة إنساناً مريضاً منذ ثمانية وثلاثون عامًا، وهذه المعلومة تساهم في التشديد على حجم شفائه بواسطة المسيح.
 إن عدد السنين يتماثل مع عدد السنين التي قضاها الشعب الإسرائيلي تائهًا في البرية، بالتالي فإن المريض يرمز إلى إسرائيل وشفائه بتحقيق الوعد. لا يذكر الإنجيلي اسم المرض، ولكن التقليد يخبرنا أن المرض هو الشلل على أساس عدد7، فيقول ذهبي الفم: [ لقد كان صبر المشلول مدهشاً، لمدة ثمان وثلاثين سنة، وفي كل سنة كان يأمل في التخلص من مرضه ] (المخلع ص12). وبحسب ذهبي الفم، لأجل هذا السبب بالتحديد تخطى المسيح كل المرضى وجاء لهذا الشخص مظهرًا، بطريقة غير مباشرة، مدى محبته للبشر مهما كانت حالتهم. 

3 ـ راحة السبت

: يدخل يوحنا في لُب الإصحاح الخامس حين يذكر في عدد9: ” وكان في ذلك اليوم سبت ”. 
وهو معارضة اليهود للمسيح (يو16:5ـ18) وكذلك المقارنة اللاهوتية لعطية المسيح مع ناموس موسى (راجع يو21:2، 24ـ29).
 يوبّخ اليهود الإنسان الذي شُفى لأنه حمل سريرًا في يوم السبت، وبحسب كتاب المشناة اليهودي فإن هذا العمل يستحق عقوبة الرجم (انظر إر21:17 وما بعده Mis. Sab. 10,5).
وسوف يبدو فيما بعد أن اليهود لا يهمهم شفاء إنسان كان مريضًا لمدة 38 سنة، مفضّلين التمسك بحرف الناموس (راجع يو16:9). ونتيجة هذا هو عدم ارتقائهم من معجزة الشفاء إلى الاعتراف بألوهية شخص المسيح، وبالتالي ابتعادهم عن الحياة الأبدية والتي يمنحها المسيح للمؤمنين به (يو12:8، 24 . 25:11، 26).
 هكذا فإن حمل السرير الذي هو برهان وعلامة الشفاء صار عثرة لليهود الذين لا يرون في هذا العمل إلاّ مخالفة للناموس بشأن راحة السبت
في يو11:5 حين أجابهم المريض الذي شُفى قائلاً " الذي أبرأني هو قال لي احمل سريرك وامش " نرى هنا أن هذا الرجل أطاع مَنْ منحه الصحة. وهذا الأمر يدل على أن المسيح ليس فقط له سلطان شفاء الأمراض، بل وأيضًا سلطان تخطي حفظ وصية السبت.
لكن كلام هذا الإنسان الذي شُفى جعل اليهود يغتاظون من المسيح معتبرينه أنه خالف وصية حفظ السبت كما يبدو من سؤالهم في عدد 12: " مَن هو الإنسان الذي قال لك احمل سريرك وامش ". 
وهذا السؤال ـ كما قلنا ـ يظهر جليًا كيف أن اليهود يتغافلون عن حدث الشفاء المعجزي، ويركزون اهتمامهم على مخالفة الناموس. 
إن إنشغالهم انصب في العثور على مَن خالف الناموس ليقبضوا عليه كما يبدو في عدد 16.
 وهذا الأمر الخاص بمخالفة المسيح لوصية السبت في نظر اليهود، وتغافلهم المتعمد للشفاء المعجزي سوف يتسع ويبلغ ذروته في معجزة شفاء الأعمى منذ ولادته (انظر يو15:9ـ34).
 لكن تمسك اليهود بحرف الناموس لم يترك مكاناً لتصديق أى سلطان لشخص فوق الناموس حتى لو هو شخص ابن الله (راجع يو18:5، 39ـ40). وليس صدفة أن يصف اليهود المسيح بكلمة "الإنسان" في هذا العدد دون أن يخطر على بالهم أنه ليس إنسانًا فقط بل هو ابن الله (راجع يو18:5). 
في يو13:5 يخبرنا الإنجيلي يوحنا بأن المشلول الذي شُفى لم يكن يعرف مَن هو الذي شفاه. لم يكن يعرف أن مَن شفاه ليس إنسانًا عاديًا بل الكلمة الأزلى مثلما حدث مع المولود أعمى في إصحاح 9 الذي ظن أن المسيح مجرد أحد الأنبياء (راجع يو17:9)، لكن الاعتراف بحقيقة شخص ابن الله مانح الحياة الحقيقية جاء بعد إعلان المسيح عن ذاته (يو14:5، راجع يو35:9ـ37).
 على الجانب الآخر تعليق الإنجيلي يوحنا عن اختفاء المسيح وسط الجمع بعدما فعل المعجزة له دلالة لاهوتية عميقة:
بأن المسيح ليس في متناول يد البشر بل هو دائمًا يأخذ المبادرة لكي يعلن عن ذاته عندما يريد هو (راجع يو35:9). 
في عدد 14 يذكر الإنجيلي يوحنا أن المسيح وجد الإنسان الذي شُفى في الهيكل.
 ومن الجدير بالملاحظة أن بِركة بيت حسدا تقع بالقرب من الهيكل من ناحية الجانب الشمالي. وهذا يدل على أن هذا الشخص هو تقي مُحب للعبادة كما يرى القديس ذهبي الفم (PG 59, 212). وللوقت عندما رآه يسوع قال له ها أنت قد برئت، ونصحه بألاّ يخطئ مرة أخرى لئلا يكون له أشر.
هذا العدد يعلّمنا بأن الشفاء يتم ويتزامن مع غفران الخطايا (راجع مت 5:9ـ6، مر9:2ـ11، لو24:5). إن المسيح لا يمنح فقط الحياة الجسدية بل يقيمنا من موت الخطية غافرًا لنا خطايانا ومانحًا لنا الحياة الأبدية. هكذا في هذا العدد 14 يعلن المسيح ذاته بكونه إله مانح الحياة وغافر للخطايا.
 والأناجيل الثلاثة الأولى أيضًا تربط بين إجرائه للمعجزات وغفرانه للخطايا (انظر مر5:2ـ11، لو20:5ـ24). ويذكر الإنجيل أيضًا مسألة إتهام اليهود للمسيح بأنه يجدف جاعلاً نفسه مساويًا لله. 
وقول المسيح للإنسان الذي شُفى " فلا تخطئ أيضًا لئلا يكون لك أشر " يشير إلى الموت والدينونة الأبدية (راجع يو29:5).
 والإنجيلي بقوله " إن الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله. وسيريه أعمالاً أعظم من هذه " (عدد 20). يظهر أن بكلمة (أعظم) إشارة إلى أن عمل الدينونة من مهام الابن وليس الآب " لأن الآب لا يدين أحد بل قد أعطى كل الدينونة للابن " (يو22:5).
 هكذا يربط يوحنا الإنجيلي عبارة " لئلا يكون لك أشر " بالحديث عن الدينونة الأبدية الوارد في (يو19:5ـ47) حيث يقدم المسيح كديان (يو22:5، 27) وأنه هو الذي يقيم الأموات سواء إلى "الحياة" أو إلى "الدينونة" وذلك بكلمة واحدة منه (يو29:5). 
هذا الديان الأخروي يمنح الحياة الأبدية إلى المشلول هنا، والآن بواسطة الشفاء الجسدي وبغفران الخطايا (يو25:5). لكن المشلول الذي شُفى يمكن أن يسقط من الحياة الأبدية التي مُنحت له من المسيح لو أخطأ من جديد، أى لو دخل ثانية في حالة الموت.
 ولم يكن صدفة أن يتم حديث المسيح الموجز مع المشلول الذي شُفى في الهيكل، إذ أن الهيكل هو مكان حضور يهوة حيث شركة الله مع البشر. وبالتالي هو المكان المناسب لإعلان المسيح عن ذاته كمانح للحياة الأبدية مثل إله العهد القديم. 
يكرز المشلول الذي شُفى في عدد 15 لليهود بأن الذي شفاه هو يسوع: " فمضى الإنسان وأخبر اليهود أن يسوع هو الذي أبرأه ". 
إن المشلول ـ في هذه المرحلة ـ قد فهم خصوصية شخص المسيح، وقد اعترف بهذه الخصوصية أمام اليهود. إيمان المشلول هذا ـ وفق الخط التعليمي للإنجيل الرابع ـ لم يكن هو الإيمان النهائي العميق والذي مُنح بعد القيامة وحلول الروح القدس، بل هو إيمان يتحرك نحو الإتجاه الصحيح والذي يسمو فوق الواقع الخارجي لحدث المعجزة ويتمركز حول شخص المسيح. 
في عدد 16 يتهم اليهود المسيح بأنه خالف الناموس بشأن راحة السبت لكن كما يقول ذهبي الفم إن المسيح هو فوق الناموس ولا يمكن أن يُتهم بمخالفة الناموس.
 إن الأفعال في صيغة المضارع الواردة في عدد 16 (يطردون ـ يطلبون أن يقتلوه) لا تنحصر فقط في وصف رد فعل اليهود تجاه معجزة شفاء المشلول لكن تصف موقف اليهود العام تجاه المسيح. كان اليهود ـ على عكس موقف المشلول ـ متمسكين بفهمهم الخاص في تفسير الكتب المقدسة (راجع يو39:5ـ40) ولم يروا أن الشفاء المعجزي يمثل آية لمجد الله وللعصر الأخروي الجديد ولعطية الحياة الأبدية. 

4 ـ ختام ـ الظهور الأول ليسوع (يو17:5ـ18) 

" فأجابهم يسوع: أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل. فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضًا إن الله أبوه معادلاً نفسه بالله" (يو17:5ـ18). 
هاتان الآيتان تمثلان ختام رواية معجزة شفاء مريض بركة حسدا، وفي نفس الوقت تمثلان مقدمة للحديث الذي دار بعد ذلك من عدد 19إلى47 عن العلاقة الخاصة بين ابن الله وبين الله الآب.
 إن قارئ الإنجيل يعرف بالطبع أن المسيح له حقًا علاقة خاصة مع الله الآب فهو كما يصفه الإنجيل: الكلمة الأزلي، الذي به كان كل شئ، والآتي من فوق والديان في نهاية الزمان ومانح الحياة الأبدية، إنه إله من إله 
وهذا ما يؤكده القديس يوحنا ذهبي الفم[2]. ويشرح القديس كيرلس كيف أن الآب يعمل كل شيء بالابن قائلاً: " إن كنت تعتقد أيها الإنسان أن الله قد خلق كل الأشياء وضبطها بأمره ومشيئته ويعمل في الخليقة يوم السبت أيضًا، إذ تشرق الشمس، وتتفجر الينابيع بالمطر، وتعطي الأرض ثمرها، فلا تأبى الإثمار بسبب السبت وتؤدي النيران دورها، وتخدم إحتياجات الإنسان بلا مانع، معترفة ومقره أن الآب يعمل أعماله الإلهية في يوم السبت أيضًا، لماذا إذن ودونما تأدب تتهمون (أيها اليهود) الذي لا يزال الله الآب يعمل به كل الأشياء؟ لأن الله الآب لا يعمل بطريق آخر سوى بواسطة قوته وحكمته أي الابن: لهذا يقول "وأنا أعمل"[3]
هكذا فإن عدد17 لا يكرز فقط بالوحدة الكيانية بين المسيح والآب على مستوى الجوهر بل وأيضًا على مستوى الأعمال طالما أن الآب يعمل حتى الآن بواسطة الابن. والابن بالتالي لا يعمل إطلاقًا من ذاته لكن فقط ما يرى الآب يفعله (انظر يو19:5، 30).
وهذا هو ما يعلنه المسيح أيضًا ولكن بطريقة مختلفة حين قال " ابن الإنسان هو رب السبت" (مر28:2، مت8:12. لو5:6)، أي أن للمسيح سلطان فوقاني ليُحيي ويدين في يوم السبت. والجدير بالذكر، أن ملمح المسيح في مجيئه الثاني يبدو واضحًا في هذه الأقوال من استخدام لقب " ابن الإنسان" في الأناجيل الثلاثة الأولي، إذ أن هذا اللقب يرتبط بمجيء المسيح الثاني.
 وطالما أن الابن يعمل أعمال الآب (يو34:4. 22:5، 36. 3:9. 25:10)، فإن عمله له هذا الملمح الإحيائي الذي ظهر في الخلق وكذلك في النهاية كديان للعالم حتى بعد راحته يوم السبت. هكذا الابن يُحيي الذين يؤمنون به وكذلك يُدين غير المؤمنين (يو16:3. 21:5، 24ـ26)، (يو18:3. 22:5، 27ـ29).
على الجانب الآخر يؤكد ذهبي الفم على أنه لا يزال يعتني بخليقته وهو مستمر في عمله برعايتها[4] في عدد18: " فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضًا إن الله أبوة معادلاً نفسه بالله"، ثم يختم الإنجيلي رواية المعجزة وينير الحديث العميق الذي سوف يُدَّون في الأعداد من 19ـ47 ذاكرًا للمرة الأولى بكل وضوح إستعداد اليهود لقتل المسيح.
لم تكن مخالفة السبت هى المبرر لإصرار اليهود على التخلص من المسيح بل العثرة العُظمى عندهم تتمثل ـ بحسب زعمهم ـ في علاقته الخاصة بالله الآب، الأمر الذي يعني " إنه عادل نفسه بالله" وبالتالي فهو يجدف.
إن اليهود يفهمون فهمًا صحيحًا مقام شخص الرب يسوع كما عُبر عنه في عدد 17 أي وحدته مع الله على مستوى الجوهر والأعمال. ولكن مشكلة اليهود كما يقول القديس كيرلسالأسكندري: [ وإذا حصروا افكاراهم في الجسد فقط ولم يعرفوا الله الساكن في الجسد، لم يتحملوا أن يكون هو أعظم من طبيعة الإنسان، بقوله إن الله أبوه ][5].
هكذا لم يعرفوا أن الذي أخذ شكل العبد لأجلنا [ هو الله الكلمة، هو الحياة النابع من الله الآب، الذي هو أب الابن الوحيد، الذي هو واحد معه، وهو أبوه بحق وبعدل ][6].
 والقديس كيرلس الأسكندري مثله مثل كل آبائنا الشرقيين يميز بين بنوة المسيح لله الآب. وبنوتنا نحن لله الآب فالفرق شاسع جدًا، لذا يقول: [ أما بالنسبة لنا فهو ليس هكذا بأي حال (ليس أبًا لنا بالطبيعة) لأننا نحن أبناء بالتبني. وقد أصعدنا إلى سمو فوق طبيعتنا بمشيئة ذلك الذي كرَّمنا. ونلنا لقب آلهة وأبناء بسبب المسيح الذي يسكن فينا بالروح القدس ][7]
لقد شدَّد اليهود على عظمة الكتب المقدسة معتبرين أنها تمثل لهم مصدرًا للحياة الأبدية (يو39:5) وتغافلوا عن شهادة الكتب عن المسيح ولذلك لم يأتوا إليه " لتكون لهم حياة" (يو40:5).
على النقيض هنا فهم يطلبون قتل يسوع. إن العالم الذي خضع لسلطان الخطية والظلمة والموت يرفض عمل المسيح ويطارده لكي يقوده إلى الموت (راجع يو9:1ـ11. 7:7. 18:15، 19. 20:16).
 لكن المسيح حوّل الموت وجعله وسيلة لتكميل عمله المحيي للمؤمنين (يو16:3، 17. 51:6. 46:12) وتمجد (يو23:12. 1:17ـ5)، بينما العالم أدُين لعدم إيمانه وبقى في حالة الموت (يو19:3. 17:14. 8:16، 9، 10). 

الدكتور / جورج عوض ابراهيم
دكتوراة فى العلوم اللاهوتية
باحث فى المركز الارثوذوكسى للدراسات الابائية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر كتاب المخلع للقديس يوحنا ذهبي الفم، ترجمة د. جورج عوض، مراجعة د. نصحي عبد الشهيد ـ المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية 2006م، (ص9). 
[2]ذهبي الفم P659,214 
[3]شرح إنجيل يوحناـ الجزء الثانيـ المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية مايو 1995، صـ93، (انظر مت23:10، 13، 14. 27:16، 28. 28:19. 27:24، 30، 37، 39، 44. 31:25. 64:26. مر38:8. 26:13. 62:14. لو26:9. 8:12. 24:17، 26، 30). 
[4] انظرP.G54,214 
[5]المرجع السابق، صـ94. 
[6]المرجع السابق، صـ94. 
[7]المرجع السابق، صـ94.