مريم

صمنا مع مريم لله في هذا الصيف لأننا اذا ذكرناها في إقامة أعيادها انما نختلي بهذه الصوامة الكبيرة لتطهير النفس والشوق المريمي الى الله.
مريم تنتظرنا للتطهّر معها اذ ليس لها انتظار آخر.
لأنها كانت اما للسيد امست أم جميع الذين يحبونه من اي حي روحي كانوا. 
نحن جميعا حيزها وبها نتقبل الله اي ننقطع عن اي ما كان غير إلهي. 
المسيحيون منا مريميون وبعض من الموحدين الآخرين يذوقون مريم لكونهم لامسوا المسيح. هي تجالس الناس اذا دنوا منه او هي معهم اليه لأن من ذاقت نفسه الحب الإلهي يقدر ان يذوق مريم.
يلفتني دائما ان لوقا لما تكلّم عنها قال الله به: "وأنتِ سينفذ سيف في نفسك" اي انك ستعرفين الآلام برؤية ابنك مجروحا.
ستكونين شريكة المصلوب في القدر الذي يعطيكِ. وأنت معنا في كل اوجه حبنا له. لما كنتِ واقفة عند صليبه كنت تتألمين من اجلنا. مشاركة الآلام هي مشاركة الفرح. في وجه لا يعرفه الا الخاصة انت تحمليننا كما حملته.
نحن نقول في الكنيسة ومع الآباء انك حواء الجديدة.
في الدقة اللاهوتية نحن مولودون من المعمودية ولسنا مولودين منك الا اذا قلنا اننا لما كنا في المسيح عند ولادته رجونا ان نجيء منك. فأنت مع كونك والدة السيد في الجسد جئت منه بالروح القدس ونحن في صورة سرية ننحدر من احشائك. لا يفهم هذا الا من تمرس في الحياة الروحية ونما في الذوق الالهي. وكل مقاربة اخرى باطلة.
أنت تلديننا بعذريتك والعذرية وحدها تلد. والمراد بهذا انك ان جئت فقط من الله فأنت أُم لذرية جديدة هي ذريته. عندما نقول ان العذرية وحدها تلد نريد بها عذرية الروح اي مولوديته الوحيدة من الله. من جاء من غير الله لا يلد. لا يلد الا الذين "وُلدوا لا من دم ولا من رغبة جسد ولا من رغبة رجل بل من الله" (يوحنا 1: 13). الذين يضعون أولادا من أجسادهم هم ككل الكائنات الحية. اما المولود من الله فيلد ناسا الهيين.
الأجساد أجساد. اما من جعلته النعمة ابنا لله فهو مولود من فوق أي ليس من جسد أمه.
مريم تعلمنا اننا نقدر ان نولد من جديد بلا أب وبلا أم، بمشيئة النعمة وان نبقى في الحضن الإلهي.
نحن لا نحتاج الى نزعة انثوية فينا لنقيم لمريم مكانة عظمى في نفوسنا. نحن نحتاج الى بتولية الروح اي الى الانضمام الكلي الى الله بلا شرط ولا إضافات اليه. ان لقاء الله وحده هو الذي يؤهّلنا لنجعل لمريم مكانة علينا في نفوسنا وهي التبتل لله وحده.
التبتل له لا يعني العذرية. انه يعني الانضمام اليه بلا شرك ولا انصهار. بلا شرك بحيث لا نجعل احدا مع الله وبلا انصهار لأن الله لمحبته ايانا يريدنا امام وجهه لا ذائبين فيه.
مريم امام المسيح لا تطوعه ولا تطوعنا. ليس في الحب تطويع. انها هادئة، محبة، حاضنة. لذلك نرجو ان يفهمنا اولئك الذين يشكون في ان المسيح عندنا هو المعبود الوحيد. ان يكون السيد لنا كل شيء لا يفضي الى إقصائنا احباءه من حوله. هم لا يضيفون اليه بهاء. هم يكشفون بهاءه.
كل القول اننا نعبد مريم حكي يحكى. نحن لم نكتشفها حقا الا لكونها مختارة الله. ليس لها وجود ازاءه. لها وجود معه اي منه وبه. فمن احبه يحبها ويتعظ بها. من ذاق المسيح حقا يحب مريم ويجلّها ويبجّلها. هذه اشياء متماسكة ان كنا عالمين.
محبتك للمسيح مشعة. هو لا يفصلك عمّن أحبهم. وهو احب امه وتلاميذه. 
فأنت مخلص له ان أحببتهم. نحن لا نكلّمهم في صلاتنا الا لأنهم هم يكلمونه. نحن لا نخترع صلة روحية بيننا وبين القديسين. هو اخترعها. نحن ورثناها. 
فاذا شعرنا بمريميّتنا لا يضعف ايماننا بانتمائنا الى الوسيط الوحيد بين الله والناس الذي هو يسوع المبارك.


المطران جورج خضر 
عن جريدة النهار 
17 أب 2013