فى تعليم القديس كيرلس الكبير
إن تجسد الكلمة يغير من مفهومنا وإدراكنا لمعرفة الله ومحبتنا له . ونظراً لأن الكلمة المتجسد هو الله ، إذن فالمسيحى يستمد معرفته بالله الآب وحبنا له من معرفة الكلمة المتجسد وحبه للآب .
[ يمكن جداً القول بأن طبيعة البشر قد أستنارت منذ البدء ، وأنها نالت مع بدء وجودها نفس القدرة على إدراك المعرفة بهذا النور الذى فى العالم : معرفة إبنه الوحيد الذى يملأ الكل بقوة لاهوته غير المدرك ، والذى هو فى السماء مع ملائكته وعلى الأرض مع البشر . لا شئ يخلو من لاهوته ولا حتى الهاوية .
إذ هو يغمر جميع الكائنات بوجوده . فهو ليس غائباً عن أى منها ، حتى أن صاحب المزامير أستطاع أن يصرخ فى نشوة إعجاب ويقول بمزيد من الحكمة : " أين أبتعد من روحك وإلى أين أهرب من وجهك ؟ إن صعدتُ إلى السماء فأنت هناك ، وإن نزلتُ إلى الهاوية فهناك أجدك ، وإن أخذت أجنحة الصباح وسكنتُ فى أقاصى الأرض ، فهناك أيضاً تهدينى يدك وتمسكنى يمينك " ( مزمور 38 : 7-10 – الترجمة السبعينية )
فالأذرع الإلهية تحتضن – فى الواقع – كل المخلوقات وكل موضع على الأرض محتوية وحافظة فى وجودها الأشياء المخلوقة ، وواهبة الحياة إلى ما ليس فيه حياة ، والنور العقلى إلى من له قدرة على الإدراك . فهو ليس أحد الكائنات الموجودة فى فضاء الكون ، ولا يمكن أن نسند إليه أى تحرك فى مكان ما ( فهذه الحركة خاصة بالأجسام ) ، لكن علينا أن نقول إنه بإعتباره إلهاً ، فهو يملأ الكل . ولكن ألعل أحداً يثير هذا الإعتراض : ماذا يجب علينا أن نجاوب ، إن تعلل أحد بكلمة المسيح هذه : " أنا هو نور العالم ، أنا جئت نوراً للعالم " ( يوحنا 8 : 12 ، 12 : 46 ) . وحينما ينشد المرنم قائلاً : " أرسل نورك وحقك " ( مز 42 : 3 – سبعينية ) ، فإن المرنم يقول بوضوح إنه جاء إلى العالم وكأنه إنسان لم يكن موجوداً من قبل . زد على ذلك ، فإن داود كان يطلب أن الذى لم يكن بعد ، ليته يُرسل . كما نستطيع أن نلاحظ ذلك بالصيغة التى عبر بها لتفسير هذه الإرسالية " .
ونحن نجاوب على هذا الإعتراض بأن يوحنا اللاهوتى ينسب للإبن الوحيد كرامة تليق بالإله ، حينما يقول إنه موجود دائماً فى العالم من حيث هو بطبيعته ، ومن حيث أنه النور الجوهرى الذى أتى من أجل الخليقة البشرية لرفع شأنها .
وحيث أنه هو الله ، فهو لا ينحصر فى المكان ولا يحده إتساع الفضاء ، كما أنه لا ينحصر فى الكم . وخلاصة القول فهو لا يحده شئ ، ولا يخضع لضرورة الإنتقال من مكان إلى آخر . لكنه بإعتباره الكائن الأزلى ، فهو حاضر فى الكل وليس غائباً عن أى واحد . أما أنه " أتى " إلى العالم وهو الكائن من قبل ، فذلك قد تحقق عن طريق التجسد : " تراءى على الأرض وتجول بين البشر " ( باروخ 3 : 38 ) بالجسد ، جاعلاً لنا – بهذه الطريقة – حضوره أكثر أستعلاناً لنا .
وهكذا فهو الذى لم يكن أحد يستطيع أن يدركه إلا بالعقل وحده ، أصبح فى مقدور الإنسان الآن أن يدركه برؤية العين الجسدية ، لقد أُعطنى لنا – إذا جاز التعبير- الوسيلة التى بها نستطيع أن نحصل على المعرفة الإلهية ، وذلك حينما أعطى ذاته لنا بالعجائب والمعجزات.
واعتقد أن صاحب المزاميز حينما كان يطلب أن يرسل كلمة الله لكى ينير العالم ، لم يكن يفكر فى وسيلة أخرى ] .
وإليك أيضاً نص آخر عن الدور المزدوج الذى قام به المسيح :
[ لقد أشرق فى ذاته مجد اللاهوت ، ولم يرفض الواقع الذى يتناسب مع البشرية بسبب التجسد .
ومن السخف – حقيقة – القول إن المسيح أراد إنكار ما قبل تلقائياً أن يقوم به من أجلنا . إذ كما أنه لا ينقصه شئ بل هو كامل فى كل شئ تماماً مثل الآب الذى وُلد منه ، فهذا الإبن " أخلى ذاته " ( فيلبى 2 : 7 ) ليس لكى يحصل على شئ كان يحتاج إليه ، بل لكى يمنحنا ثمار هذا الإخلاء . فهو إذ أظهر نفسه إلهاً وإنساناً معاً ، فقد أراد بذلك أن يعلن لتلاميهذ – بطريقة ما – أنه أكان غائباً عنهم أم حاضراً ، فهو العامل فى كل ما يختص بخلاصهم وفق مشيئة الله ( الآب ) . وكما أنه تولى حمايتهم وحفظهم عندما كان معهم على الأرض فى جسد بشريته ، فهكذا سيحميهم بطريقة إلهية حتى فى غيابه الحسى عنهم ، وذلك بفضل عظمة سلطان لاهوته ] .
التقديس التدريجى للبشرية
لقد قال القديس كيرلس فى النص السابق ما يلى :
" إن الكلمة لا يحتاج شيئاً ، فهو كامل فى كل شئ ، تماماً مثل الآب السماوى الذى وُلد منه الإبن " . وأيضاً : " المسيح قد أشرق فى ذاته مجد اللاهوت وذلك بأنه لم يرفض الواقع الذى يتناسب مع البشرية بسبب التجسد " .
أما أن يعلن مجده الإلهى مع بقائه فى الجسد البشرى ، فهذه هى الثمار الأساسية للتجسد أى أن بشرية المسيح قد خدمت عملية إستعلان الله وكذا تأليه البشرية
وسوف نتبين ذلك بوضوح عندما نتكلم عن النصوص الخاصة بعقيدة " ثيئوسيس " . ونستطيع هنا أن نشير فقط إلى بعض الفقرات التى يتكلم فيها القديس كيرلس الكبير – ولو بطريق غير مباشر – عن الدور الذى قام به المسيح وهو فى بشريته ، وما يوجد بينه وبيننا من أوجه شبه ، وما فيه من حدود .
ويقول لنا القديس كيرلس إنه لم يحدث فى الكلمة المتجسد أى تطور أو تقدم ، ذلك لأنه كامل . إلا أن حكمته أستُعلنت لنا تدريجياً . وبشرية المسيح هى التى كانت تنمو ، وبها كان الكلمة يتسعلن حكمته تدريجياً . وإذ تحقق هذا النمو أولاً فى بشرية المسيح ، فقد أمتد فيما بعد وأنتشر إلى كل الجنس البشرى .
ويضيغ القديس كيرلس فكره بوضوح كبير بحيث لا يدع مجالاً لأى لبس فيه : " فقد أستعلن المسيح لاهوته عن طريق بشريته التى أستخدمها – إذا جاز القول – كأداة فقط – بينما لم تستنر هذه البشرية بإشعاع حكمته إلا تدريجياً " .
أندماجنا فى جسد المسيح
يؤكد القديس كيرلس كثيراً على عقيدة أندماجنا فى جسد المسيح وعلى ضرورة الأقتداء بالمسيح . وتنال عقيدة " الأندماج فى جسد المسيح " مكانة هامة فى تعليمه الروحى . فهو يقول : ( الكنيسة تًدعى جسد المسيح ونحن أعضاؤه ) .
فأن نكون أعضاء فى جسد المسيح ، أن نعيش ونفكر ونعمل كأعضاء فى جسد المسيح إقتداءً بالمسيح فى إتحاد مع المسيح ، فإنه فى ذلك يتم كمالنا .
[ يسوع المسيح واحد ، ومع ذلك فهم يصورونه كأنه حزمة متعددة الأغصان لأنه يحوى فى ذاته كل المؤمنين ، فى إتحاد روحى ، وإلا فكيف إستطاع بولس أن يكتب : " وكما قمنا معه ، هكذا جلسنا معه فى السماء " ( أفسس 2 : 6 ) . ومنذ أن صار مثلنا ، صرنا نحن فيه شركاء فى الجسد ونلنا معه إتحاداً بحسب الجسد ( أفسس 3 : 6 ) .
وهذا هو السبب الذى جعلنا نقول إننا صرنا كلنا واحداً فيه . ألم يقل نفسه لأبيه :- " ليكونوا واحداً فينا كما أننا واحد " ( يوحنا 17 : 21 و 22 ) . لأنه فى النهاية ، من ألتصق بالمسيح فهو روح واحد ( 1 كو 6 : 17 ) .إذن ، فالرب كأنه هو " الحزمة " ، لأنه يملكنا جميعاً ولأنه يسود علينا جميعاً ، لأنه باكورة الإنسانية ، التى تكملت فى الإيمان ، وتعينت للكنوز السماوية . لذلك فحينما رجع الرب إلى الحياة وقدم نفسه لله أبيه ، فى عمل إلهى تم فى لحظة كباكورة للبشرية ، فحينئذ تحولنا نحن – بالتأكيد – إلى حياة جديدة ] .
يجب على العضو – وهو متحد بالمسيح رأس الكنيسة ورئيسها ، أن يجدد فى ذاته كل الأسرار التى أكملها هذا الذى هو الرأس والرئيس . فإن كان الله من جهته قد صار إنساناً وخضع للواقع البشرى ، فالإنسان – من جهة أخرى – لابد سينال " التأليه " حينما يُحيى فيه المسيح حياة الإنسان – الإله روحياً وسلوكياً .
الإقتداء بالمسيح
حينما صار الله نفسه إنساناً ، أخذ كل الضعف الإنسانى وكل النقص الإنسانى فيه – ما خلا الخطية وحدها . لقد وضع نفسه ، وصلى ، وتألم ، وعرف الإضطراب ، وإختبر الخور والحزن ، ومات موتاً حقيقياً ، ثم قام .
وعلى المسيحى – مقابل ذلك – أن يُجدد فى نفسه كل أسرار المسيح : أن يختبر فى ذاته نفس مشاعر المسيح متحداً بالمسيح فى أفكاره وفى أعمال إرادته ، فى مشاعره ، وفى صلواته . لقد عاش المسيح الحياة البشرية ، ما عدا ما فيها من شر أخلاقى .
وعلى المسيحى أن يعيش حياته بجملتها مرة أخرى مع المسيح .
فلم يكن الفداء فى باداية الأمر نعمة لنا أستحققناها بيسوع المسيح ، بل الفداء يؤدى إلى " جعلنا مؤهلين " ، أى إدخالنا فى شركة اللاهوت الذى بدأ بإصعاد الطبيعة البشرية إلى السماء بصعود الكلمة المتجسد .
ولن نذكر هنا بالتفصيل الإتحاد بالمسيح فى جميع أسرار حياته الأرضية وكذا الإقتداء بالمسيح فى كل فضائله . ولكننا سنذكر فقط الأوجه المختلفة التى يبرزها القديس كيرلس ، والتى بالرغم من تباينها وتعددها فهى تتكامل مع بعضها كعناصر تشكل عقيدة متجانسة بالتمام .
الإتحاد بالمسيح المثال
الإتحاد بالمسيح المثال وبالمسيح المعلم : إن قدوة المسيح المثال توضح تعاليم المسيح المعلم وتسهل لنا الفضيلة . إن مثال المسيح لنا يعلمنا فضائل التجرد والنسك ، الصبر والوداعة ، والمحبة والبذل . لقد مارس إلى حد الكمال المُثُل التى تكلم عنها فى التطويبات . وعلى الأخص محبة الله ومحبة القريب ، وبذل الذات لله وللقريب ، ومسامحة الأعداء بروح الإتضاع الكفارى . لقد كان المسيح مطيعاً ، وتفانى وأخلى ذاته حباً فى الآب وفينا ، لقد بذل نفسه بالحب ذبيحة .
فعلى المؤمن المسيحى أن يسلك كالمسيح ، فيهب ذاته لله وللقريب . فالذبيحة الروحية هى ذواتنا نحن التى يجب أن نقدمها بالموت عن الخطية .
وتُستعلن هبة الذات لله فى بذل الذات للقريب ، إذ يتضمن ناموس المحبة لله وللقريب فى محبة واحدة بلا أى تمييز بينهما . فالقريب نحبه من أجل الله وفى الله .
فالإتحاد بالمسيح المثال هو إتحاد بالمسيح المتألم والسخى فى العطاء ، ويُستعلن هذا العطاء بصفة خاصة فى مواهب الطاعة والصبر والمحبة ، وهذا الإتحاد بالمسيح المثال هو أيضاً إتحاد بالمسيح الممجد الذى به يحيا المسيحى منذ حياته الآن على الأرض حياة سماوية تكاد أن تكون ملائكية .
الإتحاد بالمسيح الملك
لا يمكننا أن نغفل الإتحاد بالمسيح الديان الذى يجب أن نكون على الدوام حاضرين قدامه بفكر ملؤخ الإحساس بالرهبة والثقة معاً ، الإتحاد بالمسيح الملك الذى كتب عنه القديس كيرلس فقرات تتسم بالروعة والجمال . فالمسيح فى نظر القديس كيرلس هو ملك الخليقة وملك الجنس البشرى ، ويمتد مُلكه بكل تأكيد إلى المجال الروحى ، ويتفق القديس كيرلس فى هذا مع القديسين أغسطينوس وكيرلس الأورشليمى وغريغوريوس النزينزى ويوحنا ذهبى الفم .
ولكن هل يتكلم القديس كيرلس عن مُلك المسيح فى المجال الزمنى ( العالمى ) ، طبعاً لا . ولكن السلطة الفائقة فى نسخ ناموس العهد القديم وفى وضع ناموس العهد الجديد قد أُعطيت للمسيح بإعتباره ملكاً . وهذه الكرامة الملوكية لها سلطة الديان سواء بالنسبة للدينونية الخاصة للأفراد أو الدينونة العامة للشعوب .
الإتحاد بالمسيح المخلص
وأخيراً ، فإننا ندرك بسهولة أن الإتحاد بالمسيح الكاهن والإتحاد بالمسيح المخلص يشغلان أيضاً مكاناً متسعاً فى مؤلفاته . ففى شرخه للخلاص ، يؤكد القديس كيرلس أساساً على نصين للقديس بولس : عبرانيين 2 : 14 ، رومية 8 : 3 .
ففى نص رسالى العبرانيين يرى القديس كيرلس خلاص أجسادنا المائتة ، وفى نص رسالة رومية يرى خلاص نفوسنا الخاطئة . وكثيراً ما يوردنا نصاً ثالثاً : ( 2 كو 5 : 15 ) ليبرز فيض سخاء إستحقاقات الصليب وضرورة تطبيقنا لها فى حياتنا .
كانت مهمة الفادى هى إعادة كل الأشياء إلى حالتها الأولى التى خلقها الله عليها ، ولبلوغ التحديد كان لابد من إدانة الخطية فى جسده وإبادة الموت بموته ثم يجعلنا أبناء الله .
لو لم يكن المسيح سوى مثال ومعلم لنا ، لكان تجسده وحياته بضع سنوات على الأرض كافيين . ولكن من أجل التكفير عن الخطية وإبادة الموت والمصالحة مع الله أتضح أن موته أمر ضرورى . ولذلك ، فمن عظم محبته لنا وحتى يخضع لمشيئة أبيه ، قَبِلَ الكلمة المتجسد بحريته المطلقة مشقات الألم والموت على الصليب .
وهكذا قدم نفسه ذبيحة كفارية من أجل أفتدائنا ، لقد تألم بسببنا ومن أجلنا . هو وحده الذى مات من أجل الجميع ، وصار خطية من أجلنا ، وإشترانا بموته . وليس البشر فقط بل والملائكة أيضاً ، يدينون بقداستهم لإستحقاقات الكلمة المتجسد .
وأخيراً ، فإنه لابد أن نضيف على ذاك أن المسيح بتجسده الفدائى صار آدم الثانى ، وأصل وجذر البشرية المجددة ، والوسيط بين الله والناس ، ونبع كل قداسة وكل حياة فائقة للطبيعة ، وبه أُنعم علينا بالبنوة الإلهية .
الإتحاد بآلام وموت المسيح
القديس كيرلس ، وإن كان لا يربط " الثيئوسيس – التأليه " ربطاً مباشراً بموت المخلص ، كما يربطه بالتجسد عموماً ، إلا أنه يؤكد بقوة على الدور الخلاصى لذبيحة المسيح ، إذ يقدم موته كسبب لإبادة موتنا وكمصدر لحياتنا الجديدة . وإليك كمثل على ذلك نص معبر من تفسيره على إنجيل يوحنا :
[ ما كان يمكن أن توجد طريقة أخرى لإبادة الموت ، ما لم يكن المسيح قد مات ، وبهذا أيضاً أُبيدت كل شهوة من شهوات الجسد ] .
وهناك نص آخر من تفسير رسالة العبرانيين يقدم نفس الفكرة ولكن بشكل آخر :-
[ لقد صار موت المسيح بمثابة أصل الحياة ، وإبطال الفساد ، ومحو الخطية ، ونهاية الغضب ( أى الغضب الإلهى ) ] .
وينسب القديس كيرلس الكبير إلى موت المسيح بصفة خاصة آثار الفداء ضد الفساد والموت . ويمكننا أن نرى ذلك فى تلك النصوص التى قرأناها سلفاً ، وأيضاً فى هذه السطور من تفسيره لرسالة رومية :
[ لقد صار الكلمة جسداً وسكن بيننا ، لغرض واحد فقط هو أن يعانى موت الجسد وبهذا ينتصر على الرئاسات والسلاطين ولكى يبيد ذاك الذى كان له سلطان الموت ، أى إبليس ، ثم لكى يرفع الفساد ، ويقتنص معه أيضاً الخطية التى طالما ذلتنا ، ويُبطل مفعول اللعنة القديمة التى قاست منها الطبيعة الإنسانية فى آدم – باكورة جنسنا والجذع الأول لشجرة البشرية ] .
وإذ يرى جيداً الدور الخلاصى لذبيحة المسيح ، فإن القديس كيرلس يعظم من كفاية موته ويؤكد على أنه ( بدون هذا الموت لصار سر التدبير بالجسد بلا منفعة لنا ) .
الإتحاد بقيامة المسيح وبصعوده
لقد رأينا من قبل وستُتاح لنا الفرصة فيما بعد أن نُظهر ما وصفه القديس كيرلس من أهمية على قيامة المسيح من بين الأموات . لقد قمنا مع المخلص وأجلسنا معه فى السماء ( وحينما الرب إلى الحياة ، ثم بحركة خاطفة قدم نفسه لله أبيه ، كباكورة للبشرية ، تحولنا نحن حينئذ بكل تأكيد إلى حياة جديدة ) .
وكما نال الرسل الروح القدس الذى للمسيح القائم من الأموات ، هكذا يشترك المؤمنون بالمعمودية فى قيامة المسيح هذه ، فهم إذ يقومون روحياً ، عليهم أنن يسلكوا فى حياة سماوية حقاً ، لأنهم ما داموا قد قاموا مع المسيح فعليهم أن يطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الآب ، عليهم أن يتذوقوا ويهتموا بما فوق لا بما على الأرض ( كولوسى 3 : 1-2 ) . وإذ يقتدون بالمسيح القائم من بين الأموات ، يجب عليهم أن يموتوا عن الخطية ويحيوا لله ( رومية 6 : 9-13 ) .
فى المسيح من بين الأموات باكورة الراقدين ، نال الكل الحياة من جديد ، كما أنهم ماتوا بحسب الجسد ويحيون بحسب الروح ( 1 كورنثوس 15 : 20-22 ) ، ( 1 بطرس 3 : 18 ) . وقد كان يحلو للقديس كيرلس أن يستشهد بهذه الآيات الخاصة بقيامة السيد المسيح من الأموات ويفسرها منها المعنى الروحى .
كما أنه يدعونا أيضاً إلى التأمل فى صعود المسيح ، وأن نتأمل كيف أُدخلت البشرية بأسرها فى هذا السر .
ويقول القديس كيرلس إن الكلمة المتجسد تمجد فى السماء ولكن ليس بدون تجسده ، فمن حيث هو إنسان ، فهو واحد منا ، أما من حيث هو الإبن فهو مساو مع الآب فى الجوهر . لقد تراءى أمام وجه الآب كإنسان ليقربنا كلنا فيه إلى الآب ، وهو كإبن الله يجلس عن يمين أبيه لكى ينقل مجد التبنى لكل الجنس البشرى . وهكذا نستطيع أن نشهد مع القديس بولس أننا جلسنا فى المسيح – فى السماويات ، نظراً لأن ما هو خاص بالإبن قد صار نصيباً مشتركاً للطبيعة البشرية .
[ الكلمة المتعرى من البشرية العتيقة ، صعد وأستُعلن كإنسان بطريقة فذة وغير عادية ، بسببنا ومن أجلنا صار هذا ، لكى كإنسان يوجد كإبن بالحقيقة . وحتى إذ يسمع بالجسد مطلقاً " أجلس عن يمينى " يحول لكافة الجنس البشرى مجد التبنى بواسطة نفسه ، لأن ذلك كان لنا من حيث أنه وهو الإنسان أستُعلن عن يمين الله والآب ، وبذلك إتضح لله الإله من الإله والنور من النور بالحقيقة .
لذلك ظهر كإنسان من أجلنا أمام الآب لكى يوقفنا فى حضرة الآب نحن الذين هربنا من وجهه بسبب المعصية القديمة .
لقد جلس كإبن ، لكى نُدعى بواسطته أبناءً وأولاداً لله . لذلك فإن بولس يعلمنا أن ما كان له حقاً ، أصبح مشتركاً للطبيعة البشرية ، إذ يقول : " أقامنا معه ، وأجلسنا معه فى السماويات فى المسيح " ( أفسس 2 : 6 ) ]
مثل هذه النصوص عن تجسد ربنا وعن آلامه وعن موته وقيامته وعن صعوده إنما تدعونا للقيام بدراسة أوسع وأعمق لعقيدة القديس كيرلس عن شفاعة المسيح الكفارية بإعتباره " أخونا البكر بالتدبير " ، وعن بنوتنا لله بالتبنى ، التى هى مشاركة فى بنوته الإلهية بالطبيعة .
هذه الإعتبارات المؤسسة على روابط الثبات والتبادل بين المسيح وبيننا والمؤسسة على المساواة الجوهرية بين المسيح والله الآب من جهة لاهوته وبين المسيح وبيننا نحن البشر من جهة بشريته ، إنما تكشف لنا بوضوح مكانة المسيح فى حياتنا المسيحية .
مترجم عن الفرنسية
Dogme et Spiritualite chez Saint Cyrille , par Hubert Du Manoire , s.j.,sect.:La place du Chirst dans la vie chretienne , pp. 163-184, paris, 1944
ورد كملحق بكتاب
دراسات فى اباء الكنيسة
اعداد احد رهبان برية القديس مقاريوس