شركاء الطبيعة الالهية

Θείας κοινωνοί φύσεως 
لقد انشغل الكتاب المقدس و اباء الكنيسة الاولى بالقضايا اللاهوتية الكبرى والتى تخص مصير الانسان الزمنى والابدى ويلاحظ الباحثون ان انشغالهم هذا لم يقم على ردود الافعال حتى مع الهراطقة ولا انطلق من اوجاع حب الانتقام حتى مع الاعداء بل قام على منهجية كتابية وبحثية و شفافية روحية وتقنية علمية ولم يجتمع مجمع لاهوتى محلى او مسكونى الا وبدأ بالقرأة المتأنية لقرارات وحيثيات المجمع السابق
 اى انهم أمنوا بأن للاهوت تاريخ واستمرارية ويتم مواجهة الهراطقة بالاخطأ ويعطوا الحق الكامل فى الاجابة لقد أمنوا بكرامة الانسان وقيمة الحوار وهذا واقع سجله كل المؤرخون الكنسيون مثل يوسيبيوس القيصرى وسوقراطوس وغيرهما واللاهوتيون العلماء مثل ايرينائوس اسقف ليون بفرنسا واوريجينوس المصرى واكليمنضس الاسكندرى وباسيليوس الاسيوى ويوحنا ذهبى الفم القسطنطينى وافرايم السورى بل والعلماء المعاصرون من اقاصى الارض الى اقاصيها منذ عصر النهضة الاوربية وبعد ظهور الدراسات الكلاسيكية وبداية البحث التاريخى عن الاصول فى كافة مجالات المعرفة ولا يستثنى من ذلك علوم اللاهوت
 وكما نتهم كل من يتخلف عن الالمام بعلوم وتقنية العصر فى كافة العلوم بالجهل والتخلف هذا الامر ينطبق على كل علوم الكتاب المقدس والتاريخ المسيحى الاول ونصوص الاباء المؤسسين لعلوم اللاهوت وعلم وفن قرأة النصوص بلغاتها الاصلية 
هذا يعنى ضمن ما يعنى ان اى قضية لاهوتية كبرى لم تكن تحل بجمل او عبارات مبهمة او حتى ايات كتابية معزولة عن عن السياق الكتابى واللاهوتى للايات وتفسيرها فى تاريخ اللاهوت وعند الاباء السابقين للاباء المفسرين او ايات مهما كان قائلها ولم يناقش الاباء مصائر الناس فى عراك عقلانى يشوش اكثر ما يهدى بل فى ابحاث عميقة موثقة وبسيطة قدر الامكان حتى يتمم الناس خلاصهم بخوف ورعدة وجدية ورغم ما يقوله علماءالابائيات عن الاجماع الابائى على القضايا الكبرى فى الايمان الا انهم كانوا يتميزون كل واحد عن الاخر وينتقدون بعضهم البعض بلا حرج نفسانى ومجاملات جسدية
ويكفى ان نطلع على اعمال المجامع المسكونية لكى نرى حرية البحث والفكر رغم ما قد يمارس من ضغوط خارجية وداخلية سواء من السلطة الحاكمة او من الهراطقة واعوانهم داخل المجامع سواء كانوا مأجورين او مخدوعين 
من هذه القضايا التى اثارت نقاشات كثيرة فى الشرق العربى المسيحى قضية تأله الانسان او حسب التعبير الكتابى (لتصيروا شركاء الطبيعة الالهية) والتى سنعود لها بالتفصيل من النصوص الاصلية ولعل المشكلة عند المسيحيين العرب والتى لا تظهر عند باقى الشعوب الارثوذكسية فى العالم من الروس الى الارمن الى اليونانيين او الرومان والبلغار والصرب والروس المهاجرين الى امريكا والقسطنطينية او حتى المسيحيين العرب الارثوذكس هى التعبير (تأله) الانسان 
تاليه الانسان 
Θέωσις τού Ανθρώπου 
ويذهب الخائفون من هذا التعبير الى انه قد يعنى الشرك بالله عز وجل وهذا الخوف لا يمت بصلة للاهوت الاباء  ويعكس التأثير الاسلامى ولكنه لا يمت بصلة للاهوت من قريب او من بعيد فالله فى المسيحية منزه تماما ومتعال وخارج العالم والله لم يره احد قط كما قال الحبيب يوحنا واذا راجعنا الادبيات والكتب المسيحية بعد ان تعربت المسيحية الشرقية فى القرن العاشر سنجد ان الكتب المسيحية تستعمل الالقاب العربية للاشارة الى الله بلا خوف    (راجع تسابيح كيهك فى الكنيسة القبطية )             والقضية اى قضية تأله الانسان ترتبط اساسا بقضية الخطية الجدية او الاصلية (راجع مقالنا عن الخطية الجدية ) فاذا فهمنا ما الذى حدث فى الانسان بالسقوط يمكن ان نفهم ما تتمه الله من فداء فى المسيح ابنه الوحيد بالروح القدس العامل فى البشرية 
أن حب الله للبشرية ظهر فى بذل ابنه الوحيد يسوع كفدية وفداء عن موت كل انسان ومنذ العصر الرسولى والكنيسة تبذل كل الجهد لتوصيل هذا الخبر السار اى خبر وخبرة الفداء الذى دبره الله الاب و تتممه الله الابن الوحيد يسوع على الصليب واعطاه لنا الله الروح القدس فى التاريخ والكنيسة وها هو بولس المبشر يكتب الى المؤمنين فى عاصمة الامبراطورية روما واضعا اساس البشارة المسيحية (بولس عبد يسوع المسيح المدعو رسولا المفرز لانجيل الله الذى سبق فوعد به بانبيأئه فى الكتب المقدسة عن أبيه الذى صار من نسل داود من جهة الجسد وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الاموات يسوع المسيح ربنا الذى به لاجل اسمه قبلنا نعمة (اى خبرة ومسحة وشركة)ورسالة(اى خبر وعلم ولاهوت وتبشير وتعليم) لاطاعة الايمان فى جميع الامم الذين بينهم انت ايضا مدعوو يسوع المسيح الى جميع الموجودين فى رومية أحباء الله مدعوين قديسين نعمة لكم وسلام من الله ابينا والرب يسوع المسيح)  رو 1 :1-7           
ولقد استعمل الاباء صورا وامثلة من حياة الناس اليومية الساقطة فى الخطية ولهذا فاول عمل للاهوت الابائى هو تنقية هذه الالفاظ من ماضيها العقلانى والوثنى كما حدث مع اللغة والثقافة اليونانية والقانونى كما حدث مع التراث واللغة اللاتينية فالاباء الكبار والعلماء ساروا على المبدأ السوقراطى الفلسفى والتربوى وهو
أن بداية التعليم الصحيح هو فحص معانى ومخارج ومداخل وتاريخ الالفاظ
وعلى سبيل المثال فالكنيسة تتكلم عن التبنى والمصالحة والفدية والفداء والتبرير وهذه الالفاظ تحمل فى حياة المسيحيين الاوائل كما فى حياتنا اليومية معانى العلاقات والمساومات والمصلحة الفردية والامان الذاتى وليس الموضوعى ولكن الاباء الاوائل استعملوا نفس التعبيرات للاشارة الى حقيقية اكبر من كل تعبير وفوق كل الكلمات وهى حب الله المذبوح من أجل الانسان كل انسان وكل الانسان ( محبة المسيح التى لا يعبر عنها ) وحينما تقول الليتورجيات القديمة (نقرب لك قرابينك من الذى لك )    فهى تعنى شمول التقدمة فالكنيسة تقدم لله الاب العالم كله بلغاته وتراثه وضعفاته كما يقول الليتورجولوجى الكبير الكسندر اشميمان فى كتابه (من أجل حياة العالم) ولهذا اتوا الى سر الحب هذا ليس باحساس من يمتلك الحقيقة بل باحساس من يخدمها ويأكل من الفتات الساقط من الموائد التى يعدها الرب للناس بواسطته وهنا يحلو الكلام فى اللاهوت ويصير التفكير اللاهوتى حبا ورؤية ونورا ورعاية للخراف المبعثرة لا راع لها فكل الكلمات اللاهوتية مهما عظمت ومهما كبر مقام قائلها وكاتبها هى محطات للكلمة كلمة الاب اللوغوس واشراقات منه بروحه القدوس وهذا يؤكد ما قلناه انه علينا تعميد الالفاظ بدموع التوبة والحب من ماضيها الوثنى بالدراسة الجادة والبحث اللاهوتى حتى تصل الى القلوب والعقول ونسلمها لمن يسهر على كلمته ليجريها ولمن وعد انها ما دامت خارجة منا بروحه وبقوة حبه فلن تعود الينا فارغة كصنجا يرن ونحاسا يطن بل ستنجح فيما ارسله لها الاب بالابن فى الروح القدس وهنا اول عمل للاهوت هو تنقية الالفاظ من ماضيها الوثنى وهذا ما فعلوه مع اللغة اليونانية واللاتينية وهذا العمل يجب ان يقوم به اللاهوتيون مع اللغة والتراث العربى اذا ارادت المسيحية الشرقية ان يكون لها وجود و شهادة فى دنيا العرب
وهذا ما يجب ان يفعله كل لاهوتى معاصر وادركوا ان نقاوة الالفاظ لا ياتى الا بنقاوة القلوب (طوبى لانقياء القلب لانهم يعاينون الله ) يعاينون الله ليس فى جوهره بالطبع بل فى اشراقاته وحبه ونعمته الفاعلة المنسكبة عليهم بالروح القدس 

Ενεργούσα χάρις 

وهنا ظهر الفارق بين اللاهوت الابائى الشرقى وبين كل النظريات التى استجدت فيما بعد والتى لم تقوم بعملية التنقية اللازمة للالفاظ التى للهراطقة على وثنيتها فاربكوا الفكر اللاهوتى وشوهوا الرؤية الاولى للفداء اى القضاء على الموت من خلال ذبيحة المسيح على الصليب وعطية الحياة بالقيامة وظهرت من القرون الاولى الفوارق بين الشرق الذى يقوم لاهوته على الخبرة الكيانية والنسكية والاختبارية والليتورجية وبين الغرب المسيحى الذى يقوم لاهوته تماما مثل ثقافته على العقلانية والمفاهيم القانونية ولقد بدأت على يد اوغسطينوس الذى لكى يقاوم بيلاجيوس ركز كثيرا على الخطية الجدية كما سبق وذكرنا فى دراستنا عن الرؤية الابائية للخطية الجدية وايضا ترتليانوس ليصل الفكر الغربى الى الاسقف انسيلم وتوما الاكوينى ليصل اللاهوت الغربى الى اعلان ةهذه المواقف رسميا فى المجمع التريدنتى   1545 -1563  
ما هى القضية ؟ القضية هى التفسير القضائى والنابع من مجتمع طبقى للصور والايات الكتابية التى تتكلم عن (الفدية ) التى قدمها المسيح بموته على الصليب 
وحسب هذا التفسير فان خطية الانسان قد احدثت ارتباكا فى نظام عدل الله وهى فى ذات الوقت اهانة لكرامة الله وعزته وهنا الخطأ هو النظرة البشرية الى ان درجة الاهانة تحدد بقيمة الشخص الموجهة اليه هذه الاهانة وهنا يفهم القارئ لتاريخ اوربا فى العصر الوسيط ونظام الاقطاع وتفريق الناس الى سادة وعبيد ان اهانة السيد المالك غير اهانة العبد الذليل وهى ايضا صورة للقضاء البشرى ولكن فى البلاد المتخلفة التى تسودها شريعة الغاب
 لانه فى بلاد العالم الراقى التى تسودها الدساتير وحقوق الانسان فالجميع سواسية امام القانون وهنا الفكر العقلانى سيمضى الى نهاية الشوط بان يقول ان خطية الانسان موجهة ضد الله والله جل جلاله قد اهانته الخطية اهانه غير محدودة لانه حسب الفكر اللاهوتى العصر اوسطى هو غير محدود وهو لن يقبل اعتذار الانسان لان هذا لن يرضى الله المجروحة كرامته والمهان فبحث الله كثيرا ووجد حلا وهو ان يدفع ثمن الاهانة ويبذل ابنه فدية او الفدية الكبرى لكى يرضى عدل الله الغاضب وتم عقاب المسيح على الصليب مكان البشرية التى أخطأت لكى تحصل البشرية التى أخطأت فى حق الله على الكفارة ويعرف الدارسون انه فى تعاليم الاصلاحيين لوثر وكالفن تم التشديد ليس فقد على ارضاء العدل الالهى بل ايضا على غضب الله والذى يجب ارضائه عن طريق ذبيحة المسيح على الصليب والبعض نادى بارضاء الشريعة التى تعداها الانسان 
ان الاثار المدمرة لهذه التعاليم على التراث اللاهوتى الابائى لا تحصى ولا تعد فهى اولا وقبل كل شئ اهانت اللاهوت بأن حولت محبة الله الغير محدودة للبشر والحرة من كل اعتبارات بشرية (يو3 :16 ) الى قضية ضرورات وقعت على اله أنانى منتقم جبار لا يرضى الا بأن يقتص لنفسه بذبح ابنه بشكل مأساوى وتحول اله الكنيسة من الله الاب محب البشرية الصالح الى قاضى قاس ومنتقم جبار والذى يفرح عدله حسب تعبير اوغسطينوس حينما يرى الخطاة يقاسون العذاب فى الجحيم ويذهب المراقبون الى ان موجة الالحاد فى العالم المسيحى الغربى ما هى الا احتجاج على هذه الصورة السادية للاله المنتقم الجبار الذى يسعد حينما يرى الانسان يحيا حياته مثقلا بالذنب ويتلذذ بأن يسعى هذا الانسان المسكين بكافة الطرق لكى يرضيه ويخطب وده او ود خدامه ولا يقتصر الاثار المدمرة على اللاهوت بل على مفهوم الخطية الكتابى والابائى وهى وحسب الكلمة باليونانية (هامارتيا) هى الحياد عن الهدف وفقدان بوصلة الحياة الروحية 
ويقتصر مفهوم الخطية على ممارسات شكلية قد تعتبر خطأ فى جو ثقافى معين ولا تعتبر خطأ فى جو اخر بدون بحث الدوافع الباطنية للخطية و هذا لا يلغى ان هنالك خطايا معروفة للبشر جميعا ولكن الفكرة ان انحراف الطبيعة البشرية عن الشركة مع الله هو اساس كل الخطايا الفرعية ويلاحظ الباحثون أن المثلث الشهير اى الذنب –الفداء-التبرير هى من خصال وصفات الديانات الطبيعة اى التى تركز على البعد الفردى للوجود والتى تحاول ان تغلب الموت بجهاداتها الشخصية وتنال التشجيع اللازم من فكرة فدية ما تدفع عنها او ذبيحة او ضحية كما فى اليهودية والاسلام
 وهنا تتحول المسيحية الى ديانة اخلاقية تخدم الوجود الانانى والبقاء الجسدى الطبيعى للبشرية   (راجع كتاب الوجود شركة ليوحنا زيزيولاس ترجمة مركز دراسات الاباء بمصر الجديدة)         
   ويتوقف صليب المسيح بأن يعلن ويجسد قلب الانجيل انجيل الخلاص وتصير الحياة الروحية مجرد ممارسات وعبادات نافلة على حد تعبير بولس الرسول وتنتشر الفريسية والرياء بينما الاختبار الروحى الاصيل هو تسليم الحياة كلها وبرمتها لكى تتحقق الحياة الافضل والتى تستمد حياتها ليس من الطبيعة البشرية الساقطة بل من العلاقة الشخصية مع الله الاب مصدر الحياة ومعطى الحياة فكل شئ فى الحياة يجد معناه فى الصليب حسب قول مكسيموس المعترف
 فالمسيحيون يرشمون انفسهم بعلامة الصليب معلنين ارادتهم للتخلى عن الحياة الفردية التى تظن انها غنية وقد استغنت لكى يسلموا انفسهم لله الاب فى الابن بالروح القدس ولقد بدأ العلماء فى الغرب فى نقد نظرية ارضاء العدل الالهى نقدا علميا ولاهوتيا بالرجوع الى اباء الكنيسة العظام وظهر مرجع هام تحت عنوان (كيف نفهم قانون الايمان ) ويرى المؤلفون ان الفكر القانونى الاوغسطينى فى الفداء والكفارة لا يكفى لشرح الفداء ونسبوا اللوم الى عصر الاصلاح البروتستانتى اى ان قضايا اللاهوت الكبرى صارت على يد المسيحيين قضايا ردود افعال 
لكى نفهم ما عمله الله الاب فى المسيح لابد لنا من وقفة مع ماذا تم فى الخطية خطية ابائنا الاولين حسب الاباء وخاصة اثناسيوس الرسولى
 فقد تم دخول الموت الطبيعى الى العالم وبالتالى الغموض والضياع والخطايا الفعلية فلا يمكن ان نتامل فى حادثة قتل قايين لاخيه هابيل بدون ان نعود الى الموت الذى دخل الى العالم بحسد ابليس وبسقوط ابوينا الاولين فى الغواية بارادتهم             (فأكلت بأرادتى) هذا من ناحية ومن ناحية اخرى تشوهت صورة الله فى الانسان وهذان هما السببان الاساسيان للتجسد بقصد استعادة عدم الموت اى الابدية والخلود الروحى وعد الفساد واستعادة صورة الله فى الانسان الساقط فالخلاص فى فكر الاباء (السوتيريا) لا يعنى فقط مجرد الغفران اوالنصرة او الحرية من الخطية فالتراث الابائى الشرقى فى قضية السوتيريا هو اشمل من مفهوم الفداء والمصالحة فى اللاهوت الغربى وايضا اشمل من مفهوم التبرير عند البروتستانت والاباء الشرقيون يفضلون استعمال تعبير (السوتيريا) أى الخلاص الشامل اولا لانه وارد فى العهد الجديد أكثر من اربعين مرة لكى يصفوا العمل الذى تتممه المسيح ومن ناحية اخرى لان العهد الجديد يسمى المسيح مخلصا (سوتيراس)اكثر من عشرين مرة
 وفكر اثناسيوس اللاهوتى هنا هو هنا فكر شامل لانه يركز على امرين بخصوص حتمية التجسد وهما صلاح الله المطلق وأمانة الله المطلقة ليصل الى ان الابن الكلمة وحده هو المهيأ لكى يسترد الانسان مرة اخرى الى رتبته الاولى لانه هو الله الصائر انسانا 
Θεάνθρωπος 
نقتبس نصوص اثناسيوس من الترجمة الرائعة التى اعدها العالم الصديق الدكتور جوريف موريس فلتس وعنوانها (تجسد الكلمة للقديس اثناسيوس الرسولى بطريرك الاسكندرية العشرون) اصدار المركز الارثوذكسى للدراسات الابائية القاهرة أغسطس 2002
الله صالح بل هو بالاحرى مصدر الصلاح والصالح لا يمكن ان يبخل باى شئ وهو لا يحسد احدا حتى على الوجود لذلك خلق كل الاشياء من العدم بكلمته ولكن لعلمه ايضا ان ارادة البشر يمكن أن تميل الى احد الاتجاهين (الخير أو الشر ) سبق فأمن النعمة المعطاة لهم بوصية ومكان فأدخلهم فى فردوسه وأعطاهم وصية حتى اذا حفظوا النعمة وأستمروا صالحين عاشوا فى الفردوس بغير حزن ولا الم ولا هم بالاضافة الى الوعد بالخلود فى السماء أما أذا تعدوا الوصية وارتدوا عن الخير وصاروا أشرارا فليعلموا أنهم سيجلبون الموت على أنفسهم حسب طبيعتهم وان يحيوا بعد فى الفردوس بل سيموتون خارجه ويبقون الى الابد فى الفساد والموت وهذا ما سبق وحذرنا منه الكتاب المقدس بفم الله قائلا : من جميع شجر الجنة تأكل وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتا تموت وموتا تموت لا تعنى بالقطع مجرد الموت فقط بل البقاء فى فساد الموت الى الابد بيسوع المسيح وبنوع خاص تحنن على جنس البشر ولانه رأى عدم قدرة الانسان أن يبقى دائما على الحالة التى خلق عليها أعطاه نعمة اضافية فلم يكتف بخلق البشر مثل باقى الكائنات غير العاقلة على الارض بل خلقهم على صورته وأعطاهم شركة فى قوة كلمته لكى يستطيعوا بطريقة ما ولهم بعض من ظل الكلمة وقد صاروا عقلاء أن يبقوا فى سعادة ويحيوا الحياة الحقيقية حياة القديسين فى الفردوس لانه لا يتناسب اطلاقا مع صلاح الله ان تتحول خلائقه الى الهلاك بسبب خداع الحية للانسان وليس من اللائق ان ينطفأ عمل الله فى البشر سواء من اهمالهم الشخصى او بخداع الارواح الشريرة ولو حدث ذلك فرضا فان اللاهوت سيكون محدودا وصلاح الله وقتى ورغم صدق هذا الكلام الا ان القضية لها ابعاد اخرى فانه من غير المعقول ان الله ابو الصدق ابو الحق يتراجع عن كلمته بموت الانسان لان الله لا يكذب    ص 8-9 
واذا خرج من يقول ان الانسان مثلما خضع بالتعدى للفساد يمكن ان يعود الى حالته الاولى بالتوبة اى ان التوبة تكفى لعودة الانسان الى وضعه الاول يرد القديس اثناسيوس قائلا:-           التوبة تعجز عن حفظ امانة الله لانه لن يكون الله صادقا ان لم يظل الانسان فى قبضة الموت لانه تعدى فحكم عليه بالموت كقول الله الصادق ولا تقدر التوبة ان تغير طبيعة الانسان بل كل ما تستطيعه هو أن تمنعهم عن أعمال الخطية فلو كان تعدى الانسان مجرد عمل خاطئ ولم يتبعه فساد لكانت التوبة كافية اما الان بعد ان حدث التعدى فقد تورط البشر فى ذلك الفساد الذى كان هو طبيعتهم ونزعت منهم نعمة مماثلة صورة الله فما هى الخطوة التى يحتاجها الامر بعد ذلك ؟ أو من ذا الذى يستطيع أن يعيد للانسان تلك النعمة ويرده الى حالته الاولى الا كلمة الله اللوغوس الذى خلق فى البدء كل شئ من العدم ؟ لانه هو وحده القادر أن يأتى بالفاسد الى عدم الفساد وأيضا أن يصون صدق الاب من جهة الجميع وحيث أنه هو كلمة الاب ويفوق الكل كان هو وحده القادر أن يعيد خلق كل شئ وان يتألم عوض الجميع وان يكون شفيعا عن الكل لدى الاب
 ويرى اثناسيوس انه لاالبشر ولا الملائكة يقدرون ان يعيدوا صورة الله فى الانسان لان البشر مخلوقون على صورة الله ولان الملاكة ليسوا على صورة الله(عبرانيين 12 :5-12) وعن السؤال لماذا لم يأخذ الكلمة طريقة اخرى اكثر سموا من بهدلة وعار الصليب فالجواب هو ان الانسان هو الذى ضل وأصاب المرض طبيعته وهو فى حاجة الى الشفاء ولكن اثناسيوس يذهب الى اعماق التراث الابائى فى السوتيريا وهو ان ما فى اخذ الكلمة لطبيعة الانسان وموته ليس هو ارضاء عدل الله هذا المفهوم القضائى الرومانى والمتجذر فى فكر اغسطينوس وانسيلم ولكن لانه فى موت المسيح يموت الموت وتتجدد الصورة الالهية فى الانسان ويجب ان يتحد جسد الانسان الجديد حامل عدم الفساد والظاهر فى يسوع المسيح لكى ما يعيد الى جسد الانسان امكانيات عدم الفساد فهدف التجسد هو اعادة اقتناء الانسان لعدم الفساد والخلود (وهكذا اذا اتخذ جسدا مماثلا لطبيعة أجسادنا واذا كان الجميع خاضعين للموت والفساد فقد بذل جسده للموت عوضا عن الجميع وقدمه للاب كل هذا فعله من اجل محبته للبشر أولا لكى اذ كان الجميع قد ماتوا فيه فانه يبطل عن البشر ناموس الموت والفناء ذلك لان سلطان الموت قد استنفذ فى جسد الرب فلا يعود للموت سلطان على اجساد البشر المماثلة لجسد الرب ثانيا وايضا فان البشر الذين رجعوا الى الفساد بالمعصية يعيدهم الى عدم الفساد ويحييهم من الموت بالجسد وفى الجسد (اذ دان الخطية فى الجسد)الذى جعله جسده الخاص وبنعمة القيامة يبيد الموت منهم كما تبيد النار القش)ص 22 
فالله قد رأى ان الفساد لا يقضى عليه الا بعدم الفساد اى لا يفل الحديد الا الحديد الاصلب منه كما يقول المثل فاخذ الذى لنا اى جسدنا المائت واعطانا الذى له اى جسده الغير قابل للموت وهنا تأخذ شركة جسد الرب ودمه والليتورجيات والتسابيح والمطانيات كل معانيها الخرستولوجية فقد لبس المائت عدم الموت استعدادا للقيامة وغلبة الموت وهنا نكتشف معنى التأله اى شركة جسد المسيح القائم من الاموات فالتأله هو عند اثناسيوس الهدف الاول من التجسد والفكرة ليست من اختراع اثناسيوس فهى تعود الى العهد الجديد والى القديس ايرينأوس فى القرن الثانى الذى كان مولعا بهذه الفكرة اللاهوتية وهنا اثناسيوس يقف ضد البدعة الاريوسية التى نادت بتأله منحرف لانها اعتبرت ان المسيح هو اول المخلوقات واحسنها ولقد تأله يسوع بشكل خاص وبقى مشابها لنا وهو ليس الله ولقد شدد اثناسيوس واكد ان تأله الانسان وحصوله على النعم الالهية بقبوله للمسيح هو الهدف من صيرورة الله انسانا ( ان الكلمة اللوغوس اتحد بالبشرية لكى نصير مشابهين الله فى صورة ابنه بالروح القدس فالكلمة حمل الجسد البشرى لكى يحمل البشر الروح (أبنفاتوفوروس) فكل مسيحى بالايمان والمعمودية صار مشروعا للقداسة وحاملا للروح 
ونأتى الى الاية البطرسية والتى تشكل لب موضوع التأله وهى (كما ان قدرته الالهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذى دعانا بالمجد والفضيلة الذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكى تصيروا بها شركاء طبيعة الهية (وليس الطبيعة بالالف واللام اى اداة التعريف ) هاربين من الفساد الذى فى العالم بالشهوة (2بط 3-4 ) والشئ الهام الذى نود لفت النظر اليه والذى يعد اكتشافا جديد هو النص الاصلى للاية الذى يخلو من اداة التعريف (ال) فيقول النص 
Θείας κοινωνοί φύσεως 
وليس 
Τής θείας κοινωνοί φύσεως 
وهنا تترجم (شركاء طبيعة الهية ) أى طبيعة الابن الوحيد وليس الطبيعة اى طبيعة الاب الجوهرية وما دامت الكنائس الارثوذكسية كلها اتفقت على المسيح به طبيعتان الانسانية واللاهوتية بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير وان الطبيعة البشرية فى المسيح تأنقمت فى اللاهوت اى صار لها اقنوم متحد باللاهوت يكون الاتحاد الذى تم بين الطبيعة البشرية واللاهوتية تم فى طبيعة المسيح الابن وليس فى جوهر الاب والا صار الانسان الها بالجوهر وهذا يؤكد ان الثالوث كله قد شارك فى الفداء ولكن تمايز عمل الاقانيم فالانسان يسوع المسيح وهو ابن الله وهو الله الظاهر فى الجسد اخذ الطبيعة البشرية واقتناها لنفسه وجعلها طبيعته البشرية كجسده الخاص(اخذ الذى لنا واعطانا الذى له ) وذهب بها الى الصليب وقام بها وصعد بها وجلس بها عن يمين مجد الاب والى قدس الاقداس فوجد لنا فدأ ابديا حسب تعبير رسالة العبرانيين اى ان البشرية دخلت فى المسيح الى مجد الاب بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير وهذا يشكل الرؤية الخرستولوجية لقضية التأله واثناسيوس يقول مخاطبا اريوس (ان اللوغوس قد مجد الانسان ولهذا الههه اى اعطاه من لاهوت الاب بالنعمة بينما اللوغوس نفسه يحيا فى اللاهوت دائما بالطبيعة بحكم وجوده الدائم مع الاب ) ويقول يوسيبيوس القيصرى ( ان اللوغوس صار جسدا ولقد اخذ الجسد من نسل داود والههه ) ويقول كيرلس الكبير (ان الطبيعة البشرية قد اكتسبت بالحكمة اى كلمة الله ولقد الها الكلمة الهيكل الذى اخذه وهكذا نمت البشرية فى الحكمة وتألهت فى الحكمة ) راجع المعجم الابائى لامبى ص 630 ولعلها مناسبة انه يقرأ القأرى عبارة القديس اثناسيوس الشهيرة بلغتها الاصلية 
Αύτος γάρ ένανθρώπησεν ,ίνα ήμείς θεοποιηθώμεν 
وقد ترجمها الباحث د جوزيف موريس فلتس بالاتى
( لان كلمة الله صار انسانا لكى يؤلهنا نحن (تجسد الكلمة ص 159 وفى الهامش رقم 5 يقول (هذه العبارة من العبارات المشهورة عند اباء الكنيسة الكبار مثل ايرينأوس وأثناسيوس وكيرلس وغريغوريوس النيسى وغريغوريوس النزينزى ولقد استخدمها ق اثناسيوس عشرة مرات فى كتاباته الاخرى وفى سيرة الا ب انطونيوس الكبير التى كتبها ويرى بعض الاباء ان تأليه الانسان جأ كرد الهى صادق على وعد الحية الكاذب (تصيران مثل الله ) وبها خدع ادم الاول فجاء ادم الثانى ليحقق قصد الله من الخليقة وصيرورة الانسان مثل الله فى المسيح بالروح القدس هى عند الاباء هدف الوجود (لاجل هذا خلقنا الله لكى نصير (فى ابنه ) شركاء طبيعة الهية ولنشارك فى خلوده ونصير مشايهين لابنه بالنعمة) لامبى ص650 واذا جئنا الى الليتورجيات والتسابيح الليتورجية فهى تحدث جميعها بمجد الله ونكتفى بمثال واحد وهو قسمة الابن الوحيد (يا حمل الله ) والتى يتعزى بها اصغر كاهن ويبنى بها شعبه بحس روحى عالى وحذق لاهوتى والتى يقال ان واضعها كيرلس الكبير فهى تتكلم عن عطايا الله للانسان والتى هى المذكرة التفسيرية فى العبادة لشركة الطبيعة الالهية لان قضايا اللاهوت تتحول عند المخلصين والفاهمين الى عبادة بالروح والحق والا صارت جدلا عقيما 
فلنصلى معا (يا حمل الله الذى باوجاعك حملت خطايا العالم بتحننك امح اثامنا .....اشف ايها الرؤوف نفوسنا الشقية بمراهم اسرارك المحيية ...أنر عقولنا لنعاين سبحك نق افكارنا واخلطنا بمجدك ...اظهر فى نفوس عبيدك مجد اسرارك المحيية ) ونأتى الى الاعلان الليتورجى الخطير والهام لموضوعنا (عند استحالة الخبز والخمر الى جسدك ودمك تتحول نفوسنا الى مشاركة مجدك وتتحد نفوسنا بألوهيتك) ويعوزنا الوقت لتحليل النص القبطى الرائع لهذه الحقيقة اللاهوتية الكبيرة ويصل مجد الانسان فى المسيح الى ان يدخل شريكا فى الثالوث بالنعمة طبعا وكما أنك واحد مع ابيك وروحك القدوس نتحد نحن بك وانت فينا ويكمل قولك ويكون الجميع واحد فينا 
وهذه هى اكبر عطايا الله الاب للبشرية فى ابنه المتجسد يسوع الحبيب بالروح القدس وهذا هو جوهر البشارة الجديدة (الايفانجيليون) ونختم هذا البحث المتواضع ببيان النتائج الخطيرة لغياب هذا التعليم من الكنيسة ونذكر بعضها ونترك للقارئ النجيب والفهيم استخلاص المعانى
 تتحول امجاد العهد الجديد الى ممارسات عتيقة وعبادات نافلة            وحركات تهود تهدد سلامة التعليم بالنعمة وتنادى بالعودة الى اعمال النا موس كما حدث فى اعمال الرسل 15 
 لن تختلف المسيحية عن اى ديانة كاليهودية والاسلام تدعو الانسان الى ارضاء الله والاخلاق الحميدة ولقد ثبت عمليا فشل كل هذه المشاريع الدينية 
 يتحول انجيل النعمة الى انجيل اخر كما قال بولس لاهل غلاطية(1 :6 ) ولكنه ليس اخر لانه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون ان يحولوا انجيل المسيح الى ديانة ناموسية من ضمن الديانات السماوية مع ان عطايا الله للانسان فى المسيح بالروح القدس وشركة الانسان فى الطبيعة الالهية فى الابن الوحيد بالروح القدس تجعل وبدون تعصب ولا كبرياء تجعل المسيحية هى الديانة السماوية الوحيدة الجديرة بهذا الاسم 
 تتحول الكنائس من شعب الله السائر الى الابدية الى شلل واحزاب تتناحر وتأكل بعضها بعضا  حتى يفنوا بعضهم بعضا والتعبير لبولس فى رسالته اهل كورنثوس 
 تتحول مواهب الخدمة وخدمة المواهب الى سلطة زمنية ويصير انجيل البشارة مكتوما فى الهالكين حسب تعبير رسول الامم بولس 
 تتحول الكنيسة من نور العالم وملح الارض والعروس المهيأة لعريسها كما يراها الحبيب يوحنا فى سفر الرؤيا الى طائفة خائفة مذعورة ومهددة تحافظ على بقائها ومصالحها باساليب لا تختلف كثيرا عن حكمة هذا العالم الفانى واساليب اله هذا الدهر 
 من اخطر نتائج غياب العقائد الكبرى من اللاهوت ومن التعليم هى قلة الاهتمام بالعلوم اللاهوتية وومراكزالبحوث العلمية واعتبار الدراسات اللاهوتية ترفا عقليا واقتصار الوعظ على الجوانب الاخلاقية دون اساس لاهوتى وغياب اللاهوت الابائى اعتبار اللاهوت وعلومه ترفا عقليا وأمر لا يهم الشعب وهنا يهلك الشعب من عدم المعرفة ولا يثبت امام التجارب 

الاب الدكتور أثناسيوس اسحق حنين