من يتكلم في اللاهوت؟


يقول يوحنا اللاهوتي: "لأجل هذا أُظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس" (1يو 8:3).
 أعمال أبليس هي كل أنواع الخطايا: حسد، كذب، مكر، بغضة، عداوة، تذكر الشر، افتراء، غضب، غيظ، كبرياء، غرور، فقدان للرحمة، جشع، سرقة، إثم، شهوة رديئة، مخاصمة، تزمر، اهتياج، سخرية، حلفان، نسيان لله، وكل شر آخر.

 لذا بالنسبة لأولئك الذين يدعون مسيحيين ويفعلون مثل هذه الأعمال التي لإبليس، أي فائدة هناك من كونهم يدعون مسيحيين، إذا كان ظهور ابن الله لم يُحطم فيهم هذه الأعمال التي للشيطان؟
إذا قال أحد ما أن البعض منهم - أي المسيحيون اسماً - يفسرون الكتاب المقدس، ويتلكمون في اللاهوتيات، ويبشرون بالعقائد الأرثوذكسية، فليعلموا أن عملهم هذا لا يوافق عمل المسيح.

 إذ أن يوحنا اللاهوتي لا يقول أن غاية ظهور ابن الله هو ذلك، أي لكي يتكلم بعض الناس في اللاهوتيات ويتباهوا بأرثوذكسيتهم، بل لكي ينقض أعمال إبليس. في ما يختص بهؤلاء، أقول أن على الشخص أن ينظف الوعاء أولاً من كل قذارة ومن ثم يضع فيه الطيب، لئلا يتدنس الطيب ذاته، وبدلاً من الرائحة العطرة يخرج منه رائحة كريهة.
إن ابن الله - الكلمة – لم يصر إنساناً فقط لكي يؤمن الإنسان بالثالوث القدوس، ويمجده، ويتكلم حوله ويتناقش في اللاهوت، بل لكي ينقض أعمال إبليس.
 من بين كل الذين قبلوا إيمان المسيح، يؤتمن على أسرار اللاهوت والعقائد الأرثوذكسية ذلك الذي أبيدت فيه أعمال إبليس. أمّا الذين لم تزل فيهم هذه الأعمال باقية لم تنقض، وما زالوا متورطين فيها لإهانة لله والتجديف عليه، فهم في الحقيقة في نفس رتبة الوثنيين الممنوعين والمحرومين ليس فقط من قراءة الكتاب المقدس وشرحه، بل حتى من دخول هيكل السيد الرب والصلاة فيه، كما هو مكتوب: "وللشرير قال الله ما لك تُحدّث بفرائضي وتحملُ عهدي على فمك. وأنتَ قد أبغضت التأديب، وألقيت كلامي خلفك" (مزمور 16:50-17).
إن الذي لا يأخذ وصايا الله إلى قلبه، يكره التأديب والإصلاح اللذين توحي بهما كلمات الرب، ويسدّ إذنيه حتى لا يسمع كلمة الله التي تعلن عن الدينونة الآتية وعقاب الخطأة، أو فيما يخص نار جهنم التي لا تُطفأ والعذابات الأخرى في الجحيم، أو فيما يخص الدينونة الأبدية التي لا يفلت منها أي إنسان متى أخضع لها. إن الذي لا يجاهد بكل قوته لكي يضع دائماً أمام عينيه وصايا الله ويحفظها، بل على العكس يزدري بها ويفضّل مخالفتها ويتصرّف على هذا الأساس، يلقي بكلمات الرب وراءه.

سوف أفسّر هذا بالمثل الآتي. عندما يأمر الله بكل وضوح: "توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات" (متى 17:4)، وأيضاً: "اجتهدوا أن تدخلوا في الباب الضيق" (لوقا 24:13)، وذلك الشخص الذي يسمع هذا الكلام ليس فقط لا يرغب في التوبة ولا يلزم نفسه بالدخول من الباب الضيق، بل يقضي أيام حياته في إهمال شديد ولا مبالاة، مضيفاً إلى خطاياه السابقة خطايا جديدة كل ساعة، مقدماً الراحة لجسده على حساب ما هو ضروري - لا بل وما هو لائق أيضاً - سائراً هكذا في الطريق الواسع والمترف الذي يؤدي إلى الضياع، وليس في الطريق الضيق المحزِن الذي يقود إلى الحياة الأبدية، أليس واضحاً أن هذا الإنسان يلقي كلمات الله خلفه، أي يزدري بها ويفعل إرادته الخاصة، أو بتعبير أفضل، يفعل إرادة الشيطان؟
يصف داود النبي مَن يلقي كلمات الله وراءه قائلاً: "إذا رأيت سارقاً وافقته ومع الزناة نصيبك. أطلقت فمك بالشرّ ولسانك يخترع غشاً. تجلس تتكلّم على أخيك. لابن أمّك تصنع معثرة. هذه صنعت وسكتُّ. ظننتَ أني مثلك. أوبخك وأصف خطاياك أمام عينيك. افهموا أيها الناسون الله لئلاّ أفترسكم ولا منقذ. ذابح الحمد يمجدني والمقوّم طريقه أريه خلاص الله" (مزمور 19:50-23).
ألا ترون كيف نسي هذا الإنسان الله، وهو يستحق عقاباً أعظم من الملحد الذي لم يعرف الله أبداً؟ إذ، كونه عرف الله لا يمجده كإله - كما يقول الرسول - بل على العكس يسيء إليه، عاملاً أعمال إبليس. لذا هو عدو الله، حتى ولو بدا وكأنه الأكثر جدارة بالثقة بين معلمي العقائد الإلهية واللاهوت الأرثوذكسي.

 ومن المستحيل أن مثل هذا الإنسان يستطيع أن يعلن العقائد الإلهية ويتكلم في الأمور اللاهوتية بأمانة، إذ كيف للذهن المعتّم بضمير ملوّث أن يفكر بشكل صحيح وبنقاوة؟ وحده الذي تحرر من أعمال إبليس، والذي يبقي الله في ذاكرته بشكل ثابت، يستطيع أن يعلن أسرار الله بأمانة كونه لم يعد مربوطاً بأعمال الشيطان.
من هذه الأعمال، لينجّنا الله جميعنا، حتى نقبل ملكوت السموات، في المسيح يسوع ربنا، له المجد إلى الأبد. آمين.


القديس سمعان اللاهوتي الجديد
(949- 1022م)

References: The First Created Man, St. Symeon the New Theologian, by Fr. Seraphim Rose, St. Herman of Alaska Brotherhood, 2001

erinipasy.blogspot.com