تجسد الكلمة - 18


الجزء الاخير 
الفصل الخامس والخمسون - السادس والخمسون - السابع والخمسون ( الاخير ) 
الفصل الخامس والخمسون 
مقدمة 
ملخص لما سبق. إبطال العرافة الوثنية إلخ وانتشار الإيمان. لقد جاء الملك الحقيقى وأسكت كل المغتصبين. 
1ـ وبعد كل ما قلناه يحق لك أن تعلم هذا أيضًا وأن تضعه أساسًا لكل ما سبق أن قررناه وأن تتعجب منه بشدة،
 وهو أنه منذ مجئ المخلّص بيننا فإن العبادة الوثنية لم تَعُدْ تنمو بل إن ما كان موجودًا منها قبلاً بدأ يتناقص ويتلاشى تدريجيًا.
 وبالمثل فلم يبطل تقدم الفلسفة (الوثنية) اليونانية فحسب بل إن ما كان موجودًا منها بدأ الآن يذبل. والشياطين لم تَعُدْ قادرة على خداع الناس بالخيالات والعرافة والسحر، وإن تجاسرت وحاولت أن تفعل ذلك أُخجِلت بعلامة الصليب [1]
2ـ ونلخص الحديث هكذا: لاحظ كيف أن تعليم المخّلص يزداد انتشارًا في كل مكان بينما كل عبادة وثنية وكل ما يتناقض مع إيمان المسيح يذبل كل يوم ويضعف ويتلاشى.
 وهكذا إذ تنظر ذلك فاعبد المخلّص الذى هو فوق الكل [2]، والمقتدر أى الله الكلمة، واشجب هؤلاء الذين غلبهم وأبادهم. 
3ـ لأنه كما أنه حينما تأتى الشمس فلا تسود الظلمة بعد، وإن بقى شئ منها في أى موضع فإنه يتبدّد [3]، هكذا يحدث الآن،
 فإنه عندما أتى الظهور الإلهى لكلمة الله فإن ظلمة العبادة الوثنية لم تعد تسود بعد، وأصبحت كل أجزاء المسكونة مستنيرة بتعليمه. 
4ـ فكما أنه إن كان هناك مَلَك يملك في بلد ما لكنه لا يظهر لشعبـه بل يلازم قصره، فإن المارقين إذ ينتهزون فرصة عدم ظهوره يعلنون عن أنفسهم وكل منهم يدّعى أنه ملك ويحاول التأثير على البسطاء وإقناعهم أنه ملك،
 وهكذا ينخدع الناس بهذا الاسم، لأنهم بينما يسمعون أن هناك ملكًا فإنهم لا يرونه لعدم استطاعتهم الدخول إلى القصر [4]، ولكن حينما يخرج الملك الحقيقى ويظهر فحينئذ يفتضح أمر أولئك المارقين بظهوره [5] . وإذ يرى الناس الملك الحقيقى فإنهم يهجرون أولئك الذين أضلوهم سابقًا. 
5ـ بالطريقة نفسها فإن الأرواح الشريرة قد أضلّت البشر في القديم منتحلة لنفسها كرامة الله.
 ولكن عندما ظهر كلمة الله في الجسد، وعرّفنا بأبيه، فحينئذ بَطلت وتبدّدت خداعات الأرواح الشريرة. وإذ بدأ البشر يحوّلون أنظارهم إلى الإله الحقيقى، كلمة الآب، فأصبحوا يهجرون الأصنام، وصاروا الآن يعرفون الإله الحقيقى [6]
6ـ والآن هذا هو البرهان على أن المسيح هو الله الكلمة، وقوة الله. 
لأنه إن كانت الأمـور البشرية تُبطَل وكلمة المسيح تَثبُت فيكون واضحًا أمام أنظار الجميع أن ما يبطُل هو وقتى [7]، أما ما يثبت فهو الله وابن الله الحقيقى، كلمته الوحيد الجنس. 
الفصل السادس والخمسون 
مقدمة
فتّش الكتب وبذلك تتمم هذا البحث. 
تعلّم أن تترقب مجيئه الثانى ويوم الدينونة. 
1ـ فلتكن هذه إذًا هى تقدمتنا إليك أيها الإنسان المحب للمسيح كمبادئ أساسية موجزة عن إيمان المسيح وظهوره الإلهى لنا. 
وهذا يعطيك فرصة لكى تفحص نصوص الكتب المقدسة وتُعمِل ذهنك فيها بإخلاص، فتتعلّم منها بصورة أكمل وبوضوح أكثر [8] التفاصيل الدقيقة لما سبق أن قلناه. 
2ـ لأنها نصوص [9] قد نُطِق بها وكُتبت من الله على أيدى أناس تكلّموا من الله. ونحن نعرّفك بما تعلّمناه من المعلّمين الذين درسوا الكتب المقدسة، والذين صاروا شهودًا لألوهية المسيح [10]، وذلك لكى تزداد غيرة بدورك في الدراسة والتعلّم. 
3ـ وستتعلّم أيضًا من الكتب عن ظهوره الثانى المجيد، الإلهى والحقيقى.
 حيث لا يظهر بعد في فقر بل في مجد، ولا يظهر بعد متخفيًا متواضعًا بل في عظمته.
 وهو سيأتى لا ليتألم ثانية بل ليقدم للجميع ثمر صليبه، أى القيامة وعدم الفساد.
 ولا لكى يُحكَم عليه بعد بل ليدين الجميع بحسب ما صنع كل واحد في الجسد خيرًا كان أم شرًا [11]، حيث أعد للصالحين ملكوت السموات، أما للذين عملوا السيئات فالنار الأبدية والظلمة الخارجية. 
4ـ لأنه هكذا يقول الرب نفسه أيضًا " من الآن تبصرون ابن الانسان جالسًا عن يمين القوة وآتيًا على سحاب السماء في مجد الآب "[12]
5ـ ولهذا السبب عينه نجد أيضًا كلمة للمخلّص تهيئنا لذلك اليوم إذ يقول " كونوا مستعدين واسهروا لأنه يأتى في ساعة لا تعلمونها[13] لأنه بحسب قول الرسول بولس " لأنه لابد أننا جميعًا نُظهر أمام كرسى المسيح لينال كل واحدٍ ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا " [14]
الفصل السابع والخمسون 
مقدمة
وفوق كل شيء عش الحياة التي تؤهلك للأكل من هذه الشجرة، شجرة المعرفة والحياة، وتتمتع بالأفراح الأبدية. تسبحة ختامية. 
إن دراسة الكتب المقدسة ومعرفتها معرفة حقيقية تتطلّبان حياة صالحة، ونفسًا طاهرة [15]، وحياة الفضيلة التي بالمسيح [16]، وذلك لكي يستطيع الذهن ـ باسترشاده بها ـ أن يصل إلى ما يتمناه وأن يدرك بقدر استطاعة الطبيعة البشرية ما يختص بالله الكلمة [17]
فبدون الذهن النقي، والتمثل بحياة القديسين، لا يستطيع الإنسان أن يفهم أقوال القديسين،
 فكما أنه إذا أراد إنسان أن يبصر نور الشمس، عليه أن يمسح عينيه ويجليهما، لكي تقترب نوعًا ما من نقاوة النور الذي يريد أن يراه، حتى إذا استنارت العين يمكنها أن ترى نور الشمس؛
 أو كما أنه إذا أراد إنسان أن يرى مدينة أو قرية فيجب عليه أن يذهب إلى هناك لكي يراها [18]، هكذا فمن يريد أن يعرف فكر أولئك الذين يتكلمـون عن الله [19]، يلزمه بالضرورة أن يبدأ بغسل نفسه وتطهيرها بتغيير طريقة حياته، ويقترب إلى القديسين أنفسهم بالاقتداء بأعمالهم، وهكذا إذ يشترك معهم في السلوك يمكنه أيضًا أن يفهم ما قد أُعلن لهم من قِبَل الله، وبعد ذلك إذ يكون قد ارتبط بهم ارتباطًا وثيقًا فإنه يفلت من الخطر المُحدِق بالخطاة والنار في يوم الدينونة، ويحصل على ما أُعِدَّ للقديسين في ملكوت السموات، " ما لم تَرَ عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان" [20]
ما أُعِدَّ للذين يعيشون في الفضيلة ويحبون الله الآب بالمسيح يسوع ربنا، الذي به ومعه يحق للآب نفسه، مع الابن نفسه، في الروح القدس، الكرامة والقدرة والمجد إلى دهر الدهور.[21] آمين

ترجمة عن الاصل اليونانى – المقدمات - التعليقات
للاستاذ الدكتور / جوزيف موريس فلتس
دكتوراة فى العلوم اللاهوتية 
باحث بالمركز الارثوذوكسى للدراسات الابائية 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] فى هذه الفقرة يلخص القديس أثناسيوس ما استعرضه فى فصل 53. 
[2] رو5:9. 
[3] سبق أن استخدم هذا التشبيه فى فصل 29/ 3. 
[4] بهذا المثل لا يقصد القديس أثناسيوس أن الله كان غائبًا عن العالم وغير مهتم به قبل أن يَتَجسَّد الله الكلمة، لأنه لو كان قد حدث شئ من ذلك لأظهر هذا ضعف الله وليس صلاحه انظر فصل6/ 8. وما أراد أن يشدّد عليه هنا هو أن الله هو ضابط كل شئ وأنه يعمل فى قصره غير أن الناس لا يستطيعون أن يقبلوا إليه. فبعد السقوط لم يقدر البشر على التعرف على الله فى سمائه إذ هم لا يرونه بل يسمعون عنه. وعدم تحققهم من وجود الملك الحقيقى لا يرجع إلى عدم وجود هذا الملك الحقيقي إذ هو موجود بالفعل فى سمائه، بل يرجع إلى أن البشر لم يريدوا أن يؤمنوا بالنبؤات الخاصة بهذا الملك الحقيقي انظر فصل12/ 2. 
[5] التشبيه بحياة الملك ورد أيضًا فى فصل 8/ 3ـ4. 
[6] فى الفقرة السابقة أشار القديس أثناسيوس إلى أن هؤلاء المارقين هم بعض البشر الذين أضلوا البشر، وفى هذه الفقرة يشير إلى الأرواح الشريرة التى أضلّت هى أيضًا البشر وفى فصل 47 يوضح بالتفصيل هذه الضلالات. 
[7] عندما آمن البشر بالسيد المسيح فإنهم اقتنعوا بالاهتمام بالأمور الأبدية وغضوا النظر عما هو زمنى، انظر فصل 47/ 5. 
[8] أوضح القديس أثناسيوس أن الكتب المقدسة قد تنبأت بكل وضوح عن مجىء الله فى الجسد، انظر فصل38. ويقول إن اليهود لم يلتفتوا إلى الكتب المقدسة بإخلاص، انظر ضد الوثنيين 46/ 4، رغم أن الكتب المقدسة المُوحى بها كافية لتوضيح الحق انظر ضد الوثنيين 1/ 3 وأيضًا " أن الأسفار كافية للتعليم " انظر حياة أنطونيوس فصل 16. 
[9] يشير القديس أثناسيوس إلى هذه النصوص أيضًا فى ضد الوثنيين1/ 3. 
[10] لعله يشير إلى مؤلفات آباء مدرسة الأسكندرية. 
[11] 2كو 10:5، فى كتاباته الدفاعية لا يتحدّث القديس أثناسيوس كثيرًا عن المجىء الثانى للسيد المسيح لدينونة العالم، بل يذكره فى اختصار شديد، انظر ضد الوثنيين 47/ 4، تَجَسُّد الكلمة10/ 5، وهذا لا يعنى أنه لا يهتم بالبعد الإسخاتولوجى، فهذه الكتابات تُركّز بالأكثر على السيد المسيح كخالق ومخلّص، فعلى سبيل المثال يكتب القديس أثناسيوس كتابه الدفاعى " ضد الآريوسيين "، وفيه يعتبر هرطقة الآريوسية أنها ضد المسيح فصل 1/1، وأيضًا يذكر الأمر نفسه فى كتابه حياة أنطونيوس 9/ 6. 
[12] هذه الآية من مت 62:26، وقد أُضيف إليها عبارة " فى مجد الآب " وربما كان ذلك بتأثير الآية "فإن ابن الإنسان سوف يأتى فى مجد أبيه مع ملائكته" التى جاءت فى مت27:16، حيث تشير الآية التالية إلى دينونة العالم مما يتفق مع سياق الكلام السابق. وحالة المجد هذه هى عكس حالة الفقر والتواضع المذكورة فى الفقرة السابقة. 
[13] هذه الآية مركبة من الآيتين الواردتين فى مت42:24،مت44:24، ولقد وردتا فى المقالة الدفاعية الثالثة ضد الآريوسيين فقرة 45، 49 لإثبات ألوهية الابن وأنه يعرف الساعة إذ هو إله حق.
[14] 2كو 10:5. 
[15] " طهارة النفس كافية فى حد ذاتها للتأمل فى الله " انظر ضد الوثنيين 2/ 4. 
[16] انظر ضد الوثنيين فصل 34. 
[17] جوهر الله لا يمكن إدراكه...........، انظر: "الدفاع عن مجمع نيقية" 22، "عن مجمع أرمينيا وسيلفكيا" 35. ولهذا فالذهن يمكن أن يُدرك بقدر استطاعة الطبيعة البشرية ما يختص بالله الكلمة، وذلك لأن الابن، إذ هو الصورة الحقيقية للآب، فإن مَنْ يرى الابن يرى الآب أيضًا، انظر: "المقالة الأولى ضد الآريوسيين"21، 23، 27، 28، "عن مجمع سيلفكيا" 42، "الدفاع عن مجمع نيقية" 10. 
[18]عن أهمية أن يذهب المرء إلى بلد ما للتأكد بنفسه مما يحدث فيها انظر فصل 28/3ـ5 حيث يذكر القديس أثناسيوس أنه بالمثل مَنْ يريد أن يرى نُصرة السيد المسيح على الموت فعليه أن يذهب إلى كنيسة المسيح. 
[19] يقصد القديسين كَتَبَة الوحي الإلهي. 
[20] 1كو 9:2. 
[21] يستخدم القديس أثناسيوس هذه الذكصولوجية ومثلها فى كثير من كتاباته، منها مثلاً: الدفاع عن مجمع نيقية فصل 32، ورسالته إلى سرابيون 7، 23.