أسبقية الروح

" وروح الله يرف على وجه المياه . " ( تك 1 : 2 ) 
قبل أن يقول الله :- " ليكن نور " ، كان روح الله يرف على وجه المياه . لقد كان الروح هو المفتاح الأول الذى أنبعث منه صوت فى الكون وللنفس البشريه . لم يكن هناك فائدة من حضور النور ، ما لم يكن الروح أولاً . فالنور لا يجعل وجه المياه سعيداً ، ما لم ترف الحياه عليه . 
إن النور هو فى الخارج فقط ، أما الروح فمكان راحته فى الداخل حيث تنبعث السعادة من العمق . هكذا أيضاً من العبث أن تحيطنى بالنور وعشب الحقل وطير السماء وسمك البحر ... 
بل حتى ولو بلغت القمة فى علاقتى مع إخوتى البشر الذين خُلقوا على صورة الله ؛ فلن تكون هناك سعادة فى أعماقى ، ما لم يرف الروح على وجه نفسى . 
إن ما يجعلنى سعيداً ليس ما أحصل عليه ، بل ما أكونه ؛ وما أكونه أنا هو الروح !! إذن ، فقد كان من الضرورة حضور الروح قبل كل هبات الله : قبل النور ، وقبل الجلد ، وقبل كل الخليقة ، وقبل عشب الحقل .
وكما أنه من الحسن أن يسبق فرح الحياة فى القلب الفرح بالكون ، هكذا قبل أن يقوم النور يجب أن يرف روح الله على وجه المياه . 
صلاة ....
أيها الروح الإلهى الذى سبق نسيمُك كل الأشياء 
إننى ، بجهل ، أسعى لأقلب ترتيب أعمالك ، 
إننى أسأل عن الأشياء قبل أن أسأل عنك . 
إننى قبل أن أطلبك ، أسعى فى طلب النور والشمس والقمر والنجوم والعشب الأخضر وطير السماء وحيوان الأرض ووجوه الناس . 
لقد نسيُت أن النور بدونك لا يكون ، والحشائش لا تنمو ، والطيور والحيوانات لا توجد . 
تعال أنت بنفسك فى قلبى قبل كل شئ ، ورف على وجه المياه . 
لتُعطِ النور حقيقته ومعناه ، وللحشائش قوتها ونفعها ، وللطير والحيوان أُلفته وصُحبته معى . 
تعال وأجعلنى أرى صورة الله التى فى الإنسان ، فأطلبها قبل أن أطلبه ، وأحبها فأحبه ، وأكرمها فى كل وجه ، فأجد الفرح والسلام 
فبدونك ، أيام خليقتى هى أمسيه حزينة ، بدون صباح ؛ ولكن عندما تتحرك على وجه المياه سوف يشرق فى قلبى سبت الخلود الذى لا يغشاه ليل ! 


الاب / متى المسكين +
راهب من الكنيسة القبطية 
والاب الروحى لدير القديس انبا مقار ببرية شهيت
عن كتاب : الرؤية الالهية للاعياد الكنسية
 الروح القدس الرب المحيى