تنازُل الروح

" وملأته من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة ، لأختراع مخترعات ليعمل فى الذهب والفضة والنحاس . " ( خر 31 : 3 و 4 ) 
عجيبة أن يمتلئ إنسان بالروح من أجل أعمال يدوية بسيطة ! ويُلهم بالحكمة والفهم وبكل معرفة ، لا لشئ سوى أن يعمل فى النحاس والحديد .
إن هذا يبدو شيئاً تافهاً بسيطاً ، فالكل يعتقد أن الرجل إنما يُعطى إلهاماً لكى يعيش بالروح أفضل من معيشة أهل هذا العالم .
 ولكن أن يمتلئ إنسان بالروح من أجل أمور عادية فى هذه الحياة ، ويؤتى روح الحكمة ، لكى يؤدى أشياء تبدو جميلة لعين الجسد وحسب ، ألا يعتبر هذا تنازلاً عن علو مصدر الإلهام والحياة ؟ 
كلا ، إن هذا صعود بالإلهام ، خفى . فمجد الروح هو فى قدرته وسلطانه لإعلان نفسه ، فى إظهار ذاته فى الأشياء الصغرى ، كما فى الكبرى . فالحكمة التى تلهم العقل ، تلهم اليد والعين لمجد الله
النحاس والحديد والخشب حينما يلمسه فى حذق الصناعة وحكمتها ، يستطيع أن ينطق بمجد الله .
 إن جمال الله مُعلن للعين البسيطة فى كل شئ ، حتى وسط البشاعة والتشويه .
 وحينما يتقدس القلب بالروح ، يستطيع أن يحس بالسلام وسط العاصفة ، ويلمح القوة من خلال الضعف ، ويؤمن بالحياة ويراها وسط الموت . 
                                      +++
صلاة...
فيا روح المسيح ، الروح الذى وهب الحكمة بصنعة النحاس والحديد الذى فى هذا العالم ،
أنا آتى إليك لكى أجد الله فى كل ما أحتاج إليه . 
إن ما أريده ليس العزلة عن العالم ، بل سلطان الروح الذى يعمل فى العالم ، القدرة على القيام بالواجبات اليومية العادية . 
من أجل هذا ألهمنى حكمة للأعمال الجسدية ، حتى أستعلن الله فى كل شئ . 
أجعلنى مناسباً لكل خدمة ، طالما كل عمل يمكن أن يتخلله الروح . 
ساعدنى فى تكريس كل ما أربحه ،
 لخدمة الحب ، ولنفع البشرية ، ولأطلاق سراح من هم فى عبودية الفكر بعيداً عنك ، حتى أصنع لك أصدقاء بمال الظلم . 
إن تجسد المسيح سوف يصبح كاملاً عندما تملأنى ، أيهاء الروح ، لعمل النحاس والفضة وكل شئ . 


الاب / متى المسكين + 
راهب من الكنيسة القبطية 
والاب الروحى لدير القديس انبا مقار ببرية شهيت 
عن كتاب : الرؤية الالهية للاعياد الكنسية