الروح يشهد

" أحتملتهم سنين كثيرة وأشهدت عليهم بروحك عن يد أنبيائك . " ( نح 9 : 30 ) 
يا لصبر الله ! ويا لإحتمال الله ! لخطايانا الكثيرة وأعوجاج سيرتنا 
يتأنى علينا برأفات كثيرة سنين كثيرة ،
يُرسل لنا كل صباح من ينبهنا أو يتنبأ لنا ، ولا يدعنا ننام إلا وينخس ضمائرنا ، بكتاب أو بكلمة عابرة . 
كل ذلك برفق دون أن يجرح أو يفضح ، ودون أن يُهدد ويتوعد ، بل كمجرد شاهد نصوح ، لعلنا نجعل لأستهتارنا حدَّا ، ونقوم فنلوم أنفسنا ونوقظ إرادتنا . 

ولكننا لا نعبأ بلطف الله ولا نُقيم وزناً لنُصح الروح لنا ، بل نسوف ونسوف ، ونتمادى حتى يتبدد خوف الله من قبلنا ،
فينقطع رجاء الله فينا ، وحينئذ لا يعود روح الله يعمل بعد كمنبه أو مُذكر ؛ بل ويكف عن الملامة والتأنيب ، ويقف منحصراً فينا شاهداً علينا ، بلا إنقطاع ، حتى ليكاد أنينه يصم آذان قلبنا ،
ولكن الخطيئة تبلد الإحساس وتخدر الضمير ؛ فيمر الصباح وليس مُعكر ، ويمر المساء ولا شئ يؤذى ، وتمر الأسابيع تفرُّ كعربات القطار ، وتعبر السنة برمتها ، والضمير يستمرئ حياة الإنحلال والتعدى ، ولا يكاد يشعر بالخطية ، والخطية بدون الروح القدس يصبح تعاطيها سهلاً كالماء . 
ولكن ، واحسرتاه ! كل ذلك والروح القدس منقلب على النفس داخلها ، يُسجل عليها درجة إعوجاجها أولاً بأول ، ويزن ثقل إنجذابها لشهوات التراب ، ويقيس مسافة تباعدها عن الله مصدر خلاصها وحياتها . فإذا بلغت إلى الدرجة الحرجة ، وأنحطت إلى المستوى الذى لا قيام منه ، وجمحت إلى الحد الذى لا عودة بعده ، يبدأ قضاء الله
صلاة...
ولكن ، يا روح الله ، أنا لا أزال أطلب وجهك ، 
لا أزال أترجى رحمتك ، 
فلا تطوى صفحة الحب هكذا سريعاً ، 
لأنه لا يزال عندى كلام لك ، 
وعندى توبة وندامة ، 
وعندى دموع ، 
وعندى صلاة وصلاة ، وأصوام . 
تأنى قليلاً ، ولا تختم على أيام الرفق واللطف والوداد . 
أنا لستُ كفواً لغضبك ، ولا حمل أشهادك وموازينك وقلمك . 
أصرخ إليك لا تتعجل ، 
كن لى ضميناً عند نفسك . 
وإن أنحنت بالإثم وعلى الإثم نفسى ، 
فأستقامتها بين أصابعك . 
وإن أنحدرتُ حتى الهاوية ، 
فيدك ترفعنى إلى العلو ، إلى السماء ، لأنى لا أطيق سقوطى . 
وإن تباعدتُ عنك بإرادتى ، 
فأين أهرب من روحك ؟ 
أجذبنى ، فأعود سريعاً ، 
لأن بعدى لا يشفيه إلا قربك !! 


الاب / متى المسكين + 
راهب من الكنيسة القبطية 
والاب الروحى لدير القديس انبا مقار ببرية شهيت 
عن كتاب : الرؤية الالهية للاعياد الكنسية